السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

الدستور المقطوع من شجرة

المصدر: "النهار"
سناء الجاك
الدستور المقطوع من شجرة
الدستور المقطوع من شجرة
A+ A-

قال نائب عن الأمة من "سُنَّة 8 آذار" في مقابلة تلفزيونية ان المطالبة بتطبيق الدستور في عملية تشكيل الحكومة يعكس لغة خشبية، مصراً على ان حق "اللقاء التشاوري" بوزير هو أقل الواجب.

لعل سعادة النائب على حق، لأن اللبنانيين محكومون بكل ما لا يمكن تصوره من بدع وشطط، وبالطبع على حساب الدستور "المقطوع من شجرة". ربما يجب تهنئته على صراحته، مقابل التوقف عند الازدواجية في تشخيص رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون علة عدم تشكيل الحكومة، بأنها "معركة سياسية، ويبدو أن هناك تغييراً في التقاليد والأعراف في لبنان".

فالرئيس على حق لجهة توصيف العلة، الا ان تشخيصه في غير محله لاعتباره ما يحصل جديداً. فما يشكو منه، كان يطبقه في مراحل سابقة. واللبنانيون لم ينسوا عبارته الشهيرة "لعيون الصهر"، التي أشار من خلالها الى ان الحكومة لن تتألف ما لم يكن صهره وزير الخارجية جبران باسيل فيها ومعه الحقيبة الوزارية التي يريد على رغم الرفض الأولي لرئيس الحكومة المكلف في حينه، ليعود ويرضخ بعد أشهر من التعطيل.

لم ينس اللبنانيون ان مجلس النواب أقفل أبوابه سنتين ونصف السنة حتى تمت التسوية التي أدت الى انتخاب عون رئيساً. وان هذا المجلس مدد لنفسه ثلاث مرات، ونسبة لا بأس بها من نوابه لم تسلّم بنتائج الانتخابات لتعتبر ان الأكثرية العددية أهم مما أفرزته صناديق الاقتراع عام 2009، لتفرض الديموقراطية التوافقية على حساب المفهوم الحقيقي لما تنص عليه مقدمة الدستور من ان "لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية."

وأي اعتراض على الأعراف؟ عندما تعلِّب الجهة المعترضة، كما غيرها من أهل السلطة أسماء الوزراء، وتحدد الحقائب التي تريد الاستحواذ عليها وكأنها حق مشروع، او دكان دفعت مقابل امتلاكه "خلوّ رجل"، وترسلها حتى من دون لفّها بشريط حريري الى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، سالخة عنه صلاحياته، لتترك له التنقيب عن ألغام الاعدقاء المفروض عليه جمعهم حول طاولة مجلس الوزراء ليفخخوا كل ما يمكن ان يرسمه من خطط وسياسات وإجراءات تنفيذية بغية ابتزازه مقابل الإصرار على تكليفه تحمل الاضرار وحده دون سواه.

ماذا يفعل كل طرف سياسي غير انتهاك الدستور في عملية تشكيل الحكومة؟

الامر لا يقتصر على هذا الاستحقاق. فالتنازل عن السيادة الوطنية والقبول بميليشيا تتباهى بأنها متفوقة على الجيش اللبناني ومن أعلى هرم السلطة، هو تفظيع بالدستور وعملية تعذيب كتلك التي تحدث في سجون التخلف حولنا.

مصادرة دور الجيش في جرود عرسال، لتركه يُقتل في حي الشراونة البعلبكي، كان ايضاً عرفاً يريدون له ان يطغى على وظيفة الجيش، اما ارسال القتلة الداعشيين بباصات مكيفة فهو جريمة موصوفة بتهمة حماية الإرهاب التي يرتكبها مّن يدعي انه يحاربها للاستثمار فيها غير عابئ بدفن الدستور منذ زمن وبتجاهل اقامة مجلس عزاء عن روحه.

أكبر من انتهاك الدستور، الامعان في التعطيل على حساب المواطن المفروض ان يحتمي بالمؤتمنين على الدولة لينال حقوقه، وليس ليناضل حتى يحصل على خبزه كفاف يومه. فهذا المواطن لم يعد يملك ترف شراء جوارب قبل عيد رأس السنة، على ما قالت لي بائعة تشكو الكساد، مضيفة ان ضغط الدم والسكّري يفتكان بها جراء عجزها عن تحصيل مصروفها اليومي، ولاعنة اضاعتها فرصة ذهبية ببيع متجرها والمغادرة الى كندا حيث تقيم عائلتها لتستر آخرتها القريبة على ما يبدو.

أكبر من انتهاك الدستور، الصراع المقرف على السلطة وفلتان الوقاحة في الاتهامات بين أطراف كتب علينا ان نعاني من سياسة المافيا التي يمارسونها في مجلس الأعراف الوزاري العتيد، ما يعني انه سيبصر النور ممسوخاً.

الكتاب يُقرأ من عنوانه. والعناوين، بحمد الله، تؤكد ان المرشد الوحيد الأوحد للجمهورية البائدة كرّس اعرافه، ويقود بموجبها أوركسترا المافيات المتحكمة بالسلطة والمؤسسات والإدارة، ويزجرها عندما تحاول وضع اليد على ما يتجاوز حصتها، ويعرف انها لا تجرؤ على الامعان في أشباع جوعها العتيق الى مغانم السلطة مهما رفعت سقف سلوكها المقرف، لأنها ستنصاع عندما يحرك عصاه وتكتفي بما قسم لها من مقتدرات الدولة، تاركة جسد الدستور المنتقل الى رحمته تعالى منذ زمن، في احد مكبّات النفايات المسرطنة التي تتاجر بها.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم