الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الأحزاب في لبنان لباس نزاعي جاهز

المصدر: "النهار"
Bookmark
الأحزاب في لبنان لباس نزاعي جاهز
الأحزاب في لبنان لباس نزاعي جاهز
A+ A-
طرح مسألة الاحزاب السياسية في لبنان في وقت لم يشفَ بعد اللبنانيون من الاحزاب هو دخول في صلب البناء الديموقراطي الضروري لاستمرارية لبنان المتنوع الذي نعرفه. نفضت الحروب في لبنان الغبار عن كل المشاكل، حتى تلك التي كانت لا تمس. اما الاحزاب السياسية، المشكوك فيها والمنقسمة على ذاتها او هي في طلاق مع قواعدها والمزعزعة من الداخل في حركات اصلاحية وانتفاضات، فإنها تخرج من هذه الحروب من دون نقد ذاتي او استشراف مستقبلي لعلاقاتها ووظائفها في المجتمع الكلي وفي مرحلة الاعمار. ما يثير التساؤل والتشاؤم في آن واحد هو ضعف احتمالات التغيير في بنية الاحزاب السياسية في لبنان وتكوينها وايديولوجيتها. بعد الحروب الداخلية والمتعددة الجنسية التي انتجت ذهنية متعطشة الى دولة القانون والى بناء عقلاني لادارة التنوع لا تزال القوى القائمة على خطوط تباين مذهبية مسيطرة في معزل عن المراقبة الشعبية وعن مواجهة قاعدتها او ما تبقى من هذه القاعدة. الغيت الميليشيات بقرار وتوقفت حرب المدافع والقناصة وتم التوافق على قواعد المشاركة السياسية. لكن يبقى السؤال الآتي في عمق ادراك المواطن ومعاناته: ما الذي يضمن في الجمهورية الثالثة عدم اعادة انتاج نظام احزاب ميليشيات تصور اي خلاف تغذيه قوى خارجية وكأنه حرب بين طوائف محرومة وطوائف مميزة؟ وما الذي يضمن، في الممارسة السياسية اليومية، التغيير في اساليب الحكم؟ مواطن جديد وتساؤلات تظهر التحقيقات الاجتماعية الميدانية في السنوات الخمس الاخيرة بروز تيار واسع من المواطنية ونبذ التعصب ورفض اساليب قوى الامر الواقع. المواطن اللبناني لا يرى في الخطاب السياسي المتداول انعكاسا لمشاكله، ولا يعتبر ان سلوك القياديين يمثل آماله. وهو يشكو من فقدان المرجعية ومن غياب السلطة التي تنظم الممارسات وتحويها، كما انه يائس حيال افتقار المجتمع السياسي الى نماذج قيمية تثير الاعجاب ورغبة التماثل. وتظهر هذه التحقيقات ان المواطن منصاع للواقع ولكنه ثائر داخليا ويشعر بالكبت وتتملكه ارادة المصالحة خارج الخلافات السياسية التي حولتها الاحزاب متاريس. وتثير قيم التسامح والغفران واحترام الآخر تأييدا واسعا بالنسبة الى سبع عشرة مزية خلقية. ويظهر المواطن ميلا الى التوافق بمعنى العيش المشترك من دون هيمنة وهو لم يعد يريد زعامات، بل قيادات قادرة على ادارة الشأن العام وخاضعة للمحاسبة من جانب مواطنين لا اتباع. لا تلقى كل هذه التوجهات جوابا من البنية الحزبية التي تسعى الى استعادة شعبيات هاربة. الابن الطبيعي اصبح شرعيا هل اصبح الابن الطبيعي لنظام الماضي شرعيا؟ الخطر الاكبر على لبنان اليوم في اعادة انتاج احزاب صبغت الحرب وتصبغ اي خلاف في المستقبل بلون الصراع الديني والمذهبي. عاشت الاحزاب الكبرى واستمرت على اساس الخوف والتخويف والحماية من الخطر النابع من الآخر وانتزاع الحقوق من الآخر. من الخطأ اعتبار نظام الميليشيات نظاما ظرفيا اذ هو مرتبط ببنية الاحزاب الكبرى وموقفها حيال الدولة وبنية اعضائها ونوعية قيادييها المتنازعين والمتحالفين في آن واحد. تاريخ نشوء الاحزاب الكبرى في لبنان مرتبط بنظام الميليشيات وبالدور الذي لم يمارسه الجيش في الدفاع عن المواطنين عملا بالنظرية الحزبية اللبنانية في "الامن بالتراضي". الميليشيات تاليا هي الابن الطبيعي لمدارس سياسية مناهضة للدولة. وقد ارغم الحكم من اجل ارساء الامن على الاعتراف بهذا الابن الطبيعي الذي هو وليد العربدة السياسية وضحيتها، لكن ادخال اولاد طبيعيين حظيرة الشرعية لا يؤدي حتما الى سلوكهم سلوكا ينسجم مع مفهوم دولة القانون ومقتضيات العمل السياسي المعاصر وخصوصا في مرحلة الاعمار. ثلاثة اخطار ثلاثة اخطار تبرر البحث بالعمق في قضية الاحزاب والقوى السياسية: 1- المجتمع المدني المؤلف من هيئات غير مرتبطة بالجهاز الحكومي، بما فيها التنظيمات الاولية (عائلة، قبيلة، طائفة...) لا يستطيع وحده حماية الديموقراطية. ان المساعي لتحويل العلم والخبر لإنشاء جمعيات الى ترخيص في الممارسة العملية، كما هو الحال في البلدان العربية الاخرى، والسخاء في منح تراخيص لانشاء نقابات بغية شق الحركة النقابية، تظهر امكان اختراق المجتمع المدني في حال عدم توافر قضاء مستقل، ومجلس دستوري مع صلاحيات اوسع لحماية...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم