السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

إبرهيم... التعليم حقه

إبرهيم... التعليم حقه
إبرهيم... التعليم حقه
A+ A-


إبرهيم، هو واحد من جيل "صبية الـ delivery"، في صفوف الفتيان في لبنان. في الواقع، هو واثنان من أشقائه، يعملون في خدمة التوصيل للزبائن. يساهم إبرهيم وشقيقاه في إعالة عائلتهم المؤلفة من الوالدين، و 5 صبيان وفتاة، تزوجت أخيراً. إبرهيم البالغ من العمر 13 سنة وشهرين، يعمل من التاسعة والنصف صباحا لغاية الثامنة ليلاً، في سوبرماركت، تستقطعهما ساعة ونصف الساعة من الراحة في فترة الظهر. يستعين بدراجة هوائية، ليقطع جزءاً من المسافة، متخففاً من عبء أوزان الأكياس التي تحوي طلبية منزلية، والتي لا مفرّ من أن ينوء تحتها في مدينة الأدراج.

لا بدّ أن يمر إبرهيم بنا، مرة في اليوم أو عدة مرات، فهو يؤدي لوالدتي، دورنا نحن أولادها المنصرفين إلى أشغالنا واهتماماتنا، والمتزوجين منا إلى شؤون عائلاتهم، في تلبية حاجياتها من السوق. في زماننا، كنا نحن الأولاد نقوم بمهمة إبرهيم، عن والدينا أو جدّينا، يرسلوننا إلى الدكان لشراء الحاجيات، أو لمساعدة البالغ في حمل الحاجيات إلى المنزل. لكننا بتنا في زمن، لا نسمح فيه لأولادنا بأن ينزلوا وحدهم إلى الطريق، خصوصاً نحن سكان المدن، نخاف عليهم، من التعب، من الطقس، من السيارات، السيارات نفسها التي نحميهم فيها متحكمين بمواصلاتهم وتواصلهم، لا نحن نوكل لهم مهمة المشاركة في خدمة حاجات المنزل، ولا هم يتوثبون لهذه المهمة.

يحصل غالباً عندما يجتمع أحفاد والدتي العشرة عند جدّتهم، وهم من عمر 17 سنة لغاية السنة ونصف السنة، بخاصة أيام العطل، أن يدق الباب ويدخل إبرهيم محمّلاً بالأكياس. وفي انتظار أن تسدّد له أمي الحساب، يقف ويراقب أقراناً له، "مدلّلين، مدلّعين"، ولإبرهيم ابتسامة مشرقة تغيّر ملامح وجهه. ويصبح صمته مدوّياً أمام الأصوات العالية لكبارهم، وهم يدبّجون بين بعضهم، مسترخين على الكنبة، الخطط في لعبة إلكترونية.

الذنب هو الشعور الذي ينتابنا تجاه إبرهيم، نتبرّع بالتعاطف معه رغم عدم معرفتنا بالكثير عنه، شعورنا هذا متأتٍ من إدراكنا بأن ليس هذا هو المكان السليم لأي طفل. فنداري ذنبنا بالإكرامية، وبإظهار الامتنان له والتعامل معه بكياسة، ويُخال لنا أننا نعوّض عن بعض من حقوقه المهدورة. وفي المقابل، نندفع أكثر في تدليل الأحفاد، فإبرهيم يذكّرنا، من حيث لا يدري، بهشاشة الحياة التي يمكن أن تنقلب ظروفها بين ليلة وضحاها، ونحن ننتمي إلى جيل عرف الحروب ومآسيها وتبعاتها، وترعبنا فكرة أن يختبرها أولادنا وأحفادنا. يرتبك إبرهيم عندما يصبح مرئياً، أكثر من مجرد صبي التوصيل، فيجيب باقتضاب عن اسئلتي الشخصية له: هل ذهبت يوماً إلى المدرسة؟ "العام الماضي قرأت". إبرهيم ما الذي تريده من الحياة؟ ما الذي ينقصك؟ "أشياء كثيرة" ويمطّ بالياء مطولاً، من دون أن يتمكن من تحديد ما هي هذه الاشياء الكثيرة. هلّا رسمت لي رسمة عما تحلم به في هذه الحياة؟ "لا أتقن الرسم من خيالي، إنما إذا وضعتِ لي صورة، يمكنني أن أعيد رسمها". التعليم حق لإيراهم والأطفال المحرومين منه.

دانيال خياط

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم