الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

المخاوف من الجهاديين تعيد صوغ سياسات دول الجوار السوري

المصدر: باريس - "النهار"
سمير تويني
A+ A-

اتخذت حكومات دول الجوار السوري توجيهات جديدة في شان التهديدات التي تمثلها التنظيمات الجهادية التي تنشط على مسرح العمليات السوري. ويتزامن هذا التحول مع تصريحات للمبعوث الخاص للامم المتحدة والجامعة العربية الاخضر الابرهيمي الذي حذر فيها من تحول الملعب السوري صومال جديدا. وقد شرعت دول نافذة باتصالات مع بعض التنظيمات "المعتدلة" ، وهم كناية عن متشددين غير تابعين "للقاعدة" لضمهم تحت لواء "الجيش السوري الحر". كما دعيت بعض الدول الى وضع ضوابط على المساعدات الموجهة لهذه التنظيمات.


واعرب العديد من الدول الغربية الكبرى وعلى راسها الولايات المتحدة عن مخاوفها من تزايد عدد المنظمات الجهادية في سوريا وبدات القيام بضغوط على بعض دول الجوار السوري من اجل ضبط دخول هذه العناصر على اراضيها.


واول هذه الضغوط شمل تركيا التي اعادت النظر في سياستها تجاه الازمة السورية. فتبنت مواقف اكثر حزما حيال المجموعات الجهادية التي تستخدم الاراضي التركية لدخول سوريا وقت تزايدت مخاوف الاجهزة الامنية التركية من تصاعد نفوذ هذه المنظمات الجهادية المرتبطة او التابعة لتنظيم "القاعدة" في بلاد الشام وخصوصا في المناطق المحازية للحدود المشتركة بين البلدين.


وبعد تبني سياسة الباب المفتوح وغض النظر عن الالاف من العناصر السلفية التي تعبر اراضيها للانتقال عبر الحدود الى سوريا، نفذت السلطات الامنية التركية اخيرا حملة واسعة اسفرت عن اعتقال المئات من الجهاديين القادمين من الدول الاوروبية ومن دول افريقيا الشمالية، ومن بينهم فرنسيين وبريطانيين والمان كانوا في طريقهم الى القتال في سوريا. وتقدر السلطات التركية الجهاديين الذين دخلوا تركيا وفقد اثرهم داخل الاراضي التركية بحوالي ١٠٠٠ مقاتل قد يمثلون خطرا ارهابيا على الامن القومي التركي وكذلك على امن العديد من الدول الغربية التي اتوا منها.
وتاتي هذه هذه التوجهات الجديدة في اطار استراتجية جديدة ستعرض على مجلس الامن القومي التركي ومجلس الوزراء للمصادقة عليها. وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان قد وعد بمراجعة الاستراتجية بحيث تاخذ في الاعتبار التغييرات التي شهدتها دول الجوار التركي في الاعوام الاخيرة.


وتمثل هذه الاستراتجية قطيعة كاملة مع الاستراتجية السابقة و"العثمانية الجديدة"، وقت يبقى على المستوى الداخلي الاسلام الراديكالي والحركات الانفصالية الكردية والحركات اليسارية المتطرفة الخطر الرئيسي على الاستقرار التركي. اما بالنسبة الى المحيط الخارجي، فان التغييرات الرئيسة في هذه الاستراتجية تتعلق بالبيئة الاقليمية. فالى جانب الوضع المتأزم في سوريا تتفاعل هذه الاستراتجية مع التغييرات التي حصلت في ايران منذ انتخاب الرئيس حسن روحاني والتطبيع الذي يمكن ان يحصل بين طهران وواشنطن وتصاعد العامل الكردي اضافة الى تداعيات "الربيع العربي" وفشل انقره في التحول زعيمة للسنة في العالم.


وبما ان تركيا تتطلع لان تصبح نقطة عبور لتدفق الطاقة من دول المنطقة الى دول الاتحاد الاوروبي، ستحظى العلاقات التركية - العراقية باهتمام كبير من البلدين على ان يشكل التعاون مع اقليم كردستان العراقي احد اهداف الديبلوماسية التركية، من جهة فيما بحث وزير الخارجية التركي احمد داوود اوغلو خلال زيارته لطهران تصدير الغاز الايراني عبر الاراضي التركية من جهة اخرى.


ويمكن القول ان تركيا ستتخلى عن الشروط التي كانت تضعها لتعاونها مع دول المنطقة. ومن المتوقع في هذا السياق استئناف علاقات التعاون مع اسرائيل واعادة تطبيع العلاقة مع مصر والتحضير لتطبيع العلاقة مع سوريا بعد الانتهاء من مؤتمر جنيف.


اما بالنسبة الى لبنان، فقد نقل الصراع السوري حتى انعقاد مؤتمر "جنيف٢". ونشهد استيرادا للعدوى السورية. اما الاستقرار الشكلي الذي يعيشه فيعود الى اتفاق دولي يمنع توسع مساحة الصراع التي قد تؤدي الى حرب اهلية يخشاها اللبنانيون وهم يتنازعون على الملعب السوري بالوكالة، فيما يبدو ان صراع الدول الاقليمية في لبنان والمنطقة ترافقه حروب متنقلة واعمال عنف متبادلة (...).


والواقع يبدو البلد في الثلاجة حاليا في انتظار ما ستؤول اليه الازمة السورية بعدما اصبح مصيره مرتبطا بها كما كان عند اندلاع حرب ال ١٩٧٥ مرتبطا بالقضية الفلسطينية.


اما الاردن الحليف الرئيسي للغرب، فهو يبدي نزعة متزايدة نحو الاستقلال بقراراته وخياراته الاقليمية. ومن هذه المؤشرات قرار الحكومة الاردنية توقيع عقد مع روسيا لانشاء مفاعل نووي على حساب العرض التي كانت قد تقدمت به باريس. وجاء القرار مفاجئا، اذ ان موسكو لا تعتبر من اللاعبين المؤثرين في هذا البلد. كما رحب الاردن باتفاق جنيف بين ايران ومجموعة خمسة زائد واحد ( الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن والمانيا) قبل ان تعلن السعودية موقفها من الاتفاق. وهذا الموقف يتناقض مع الموقف السعودي. ويعاني الثوار السوريون من مصاعب كبيرة في التقدم من الناحية الجنوبية لدمشق وهذا ما يؤشر الى ان المملكة الهاشمية قررت الحد من اعداد المقاتلين الذين يعبرون اراضيها الى سوريا. واخيرا تمنع السلطات الاردنية السوريين الموجوديين في المخيمات على الحدود بين البلدين من اجراء التمارين اللازمة قبل دخولها الى الاراضي السورية للقتال ضد النظام.


اما العراق فوضعه كلبنان، فليس لديه القدرات لمنع المنظمات المتشددة من الانتقال الى سوريا للقتال الى جانب المعارضة فيما تغض السلطات النظر عن انتقال منظمات اخرى للقتال الى جانب النظام.


ومن الجانب الاسرائيلي، تعتبر اسرائيل ان الوضع الجيوسياسي قد تحسن خلال العام الماضي. ويعود ذلك الى التطورات "الايجابية" التي تشهدها المنطقة مثل فقدان سوريا جزءا كبيرا من ترسانتها الكيميائية، وتعدد النزاعات في لبنان بين "حزب الله" والحركات السنية المنافسة، ودخول الحزب الوحول السورية التي اضعفته داخل محيطه اللبناني والشيعي بنوع خاص. ويركز الجيش المصري بصورة كاملة على تطورات السياسة الداخلية بعدما فقد الاسلاميون السلطة. واخيرا يواجه اسلاميو حركة المقاومة الاسلامية "حماس" غضب السكان وهم يستخدمون العنف في قمع الاحتجاجات الداخلية. وثمة نقطة سوداء تتمثل في المخاوف من انتهاء حالة الفوضى في سوريا بتعزيز قدرات المنظمات الارهابية السلفية كي تصبح عاملا لزعزعة الاستقرار في المنطقة.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم