السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

مبادرة سورية أولى من نوعها لتأهيل مقاتلي "داعش"...هل تتعثر؟

المصدر: "النهار"
مبادرة سورية أولى من نوعها لتأهيل مقاتلي "داعش"...هل تتعثر؟
مبادرة سورية أولى من نوعها لتأهيل مقاتلي "داعش"...هل تتعثر؟
A+ A-

ليس أمين، الشاب السوري العشريني، الا واحداً من الاف الشبان السوريين وغير السوريين الذين التحقوا بالتنظيم في أوج قوته، واكتسبوا خبراته القتالية، وأفكاره المتطرفة. ومع انهيار الخلافة وانحسار قوة التنظيم، لن تختفي بالضرورة تلك الافكار التي غزت عقول شباب التحقوا بالتنظيم وأخواته. فعلى رغم استخدام القوى الدولية أحدث ترساناتها العسكرية في حربها على التنظيم، لن تكون الانتصارات العسكرية وحدها كافية لضمان عدم ظهوره مجددا، في غياب استراتيجية شاملة للقضاء على بقايا داعش واستئصال أفكاره من العقول والنفوس.

ولا تبدو مرحلة ما بعد "داعش" أولوية لدى المجتمع الدولي. فبعد الحملة العسكرية، بدأت الدول تتنازع على حصص في مشاريع اعادة الاعمار، فيما ظهرت مبادرات أهلية خجولة تهدف الى إعادة تأهيل الشباب الذين فتك التنظيم بعقولهم وتركهم فريسة لأفكار ارهابية ومجتمع ينبذهم.

ويكتسب المركز السوري لمكافحة التطرف أهمية في هذا المجال كونه الوحيد من نوعه في سوريا. فتح أبوابه في 27 تشرين الاول 2017 في بلدة مارع الواقعة في المنطقة التي تسيطر عليها تركيا واتخذ من مدرسة قديمة مقراً له. تعمل فيه مجموعة من 35 شخصاً تقريباُ، جميعهم متطوعون، وهم من الطلاب أو حاملين شهادات درجات عليا ومتخصصين بجماعات اسلامية والطب النفسي والحقوق والقانون والشؤون الاجتماعية.




استفاد المركز من خبرات منظمات غير حكومية وتعاون مع منظمات دولية وخصوصاً مع بداية المشروع. وهدف منذ البداية الى تبديد العداوة بين السكان والأفراد الذين انضموا الى التنظيمات المتطرفة، واعادة دمج هؤلاء في المجتمع.

وعن آلية العمل ، يقول مؤسسه ومديره حسين ناصر إن بعض المحاكم المحلية تحيل عليهم معتقلين من "داعش" لاعادة تأهيلهم. وتشمل العملية ورشات عمل وندوات في الفقه الديني لمواجهة عقيدة داعش ودعايته وتقدم لهم شروحاً عن الاضرار التي تسببها هجمات التنظيم والأهداف الحقيقية لحملته. وغالباً ما يستخدم المركز الفيديوات والصور والتقارير والصحف كدلائل لدعم حججه.

وكان أمين واحداً من هؤلاء الذين خضعوا لدورات اعادة تأهيل في المركز. فهو انضم الى "لواء خالد بن الوليد" في جنوب سوريا، بعدما جذبته الدعاية التي كان يروجها عير فيديواته عن الجهاد والاسلام. ومع أنه يحمل شهادة في الهندسة الإلكترونية من جامعة دمشق، وقع ضحية تلك البروباغندا. وهو كان التحق في بداية الانتفاضة ب"الجيش السوري الحر" شأنه شأن سوريين كثر رأوا في ذلك الحراك فرصة للحرية والديموقراطية بعد عقود من القمع.




ويقول: "كان راتبي في الجيش الحر نحو ألف دولار، ولم انضم الى اللواء من أجل المال إذ كانوا يددفعون لي 100 دولار شهرياً. تأُثرت جداً بما كان يدعيه من حماية الاسلام والدفاع عنه. الدين هو الذي دفعني الى الالتحاق بالتنظيم".

في جلسات التأهيل، اكتشف أمين عبر الافلام والمحاضرات أن تعاليم داعش زائفة وتحريض رخيص على القتل، وأن الاسلام الحقيقي ليس ارهاباً. وبينت له المحاضرات كيف سعى التنظيم الى سرقة النفط وتدمير آُثار سوريا.

ويشارك المنتسبون الى المركز في دروس ونقاشات في التربية المدنية والقانون والتواصل وحقوق الانسان، إضافة الى مواضيع أخرى ذات صلة تساعدهم على اعادة الاندماج في المجتمع. وفيما تعتبر الجلسات الجماعية للدعم النفسي اجبارية للجميع، يتعين على البعض أيضاً حضور جلسات فردية لمساعدتهم على الابتعاد من إيديولوجيا "داعش".

ويلازم المنتسبون  المركز ما بين شهر وستة اشهر. وخلال هذه الفترة، يراقب تطور كل شخص وتنقل معلومات عنه إلى السلطات المحلية التي تربط قرار اطلاقه بتوصية المركز.


ويقول ناصر إنه يمكن إطلاق أولئك الذين يحرزون تقدماً بعد أِشهر قليلة، بينما قد يتطلب آخرون تمديد فترة توقيفهم. كذلك أنشأ المركز آليات لمتابعة هؤلاء الافراج الذين يطلق سراحهم، إذ تنظم زيارات الى منازلهم وتنشأ قنوات اتصال مع مجتمعاتهم لمراقبة اندماجهم في المجتمع.


لا يواجه أمين مشكلة مع مجتمعه حالياً، ولا أحد في محيطه بعتبره تكفيرياً أو ارهابياً. ومع ذلك، هو يفكر في مغادرة البلاد، لأن الصراع المستمر في سوريا يمنعه من ايجاد عمل مناسب وتأسيس عائلة. وهل يدفعه وضعه الى التفكير مجدداً بالالتحاق بتنظيم جهادي لكسب المال مثلاً، يقول: "لم التحق بلواء خالد بن الوليد من أجل المال. وبالتأكيد لن ارتكب الخطأ نفسه مجدداً، وخصوصاً بعدما اكتشفت الكذب الذي غسلوا به عقول الشباب"، لافتاً الى أن أمير المنطقة الجنوبية هرب الى اسرائيل وهم يدعون حمل لواء الاسلام.




على رغم أهمية هذه الجهد، يتعذر على المركز توفير وسيلة للبقاء. ويرد ناصر السبب الى ظروف سياسية يرفض الخوض في تفاصيلها. وهو يخشى أن يتوقف العمل فيه على رغم النتائج الايجابية التي حققها.

وفي ورقة بحثية له، نوه الباحث في معهد تشاتهام هاوس حايد حايد بهذه الجهود، على رغم قدراتها المحدودة. ويقول إن مشكلة بهذا الحجم تتطلب دعماً كبيراً وخبرة في هذا المجال. ويضيف أن الجماعات المحلية في سوريا تفتقر الى الخبرة للتعامل مع مناصرين سابقين ل"داعش"، وهو ما قد يؤدي الى نتائج عكسية.

ويلفت الى أن هذه المجموعات تعتمد على مساهمات فردية وهو ما يهدد ديمومة عملها. وكذلك، تمنع الموارد المالية المحدودة هذه الجماعات من استهداف عدد أوسع من الأشخاص بهدف إحداث أثر في مهمة صعبة كهذه.


  وإزاء أهمية اعادة التاهيل للشباب الذين انضموا الى الجماعات التكفيرية والجهادية، يناشد الباحث المجتمع الدولي بناء قدرات مجموعات المجتمع المدني في سوريا وتوفير الدعم لها وتشجيع السلطات المحلية للتعاون معها وتسهيل عملها، محذراً من أن التلكؤ في القيام بذلك يهدد باتاحة المجال للتنظيم للظهور مجدداً بشكل مختلف وبالقدرة نفسها والشر نفسه، وعواقب ذلك قد لا تكون الاستمرار في زعزعة استقرار سوريا ومنع اعادة انتعاشها فحسب، وإنما تقويض أمن المنطقة والعالم كله أيضاً.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم