الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

عشرة أيام هزّت أميركا... \r\nمن الطرود المفخخة إلى هجوم بيتسبرغ إلى قافلة اللاجئين

هشام ملحم
هشام ملحم
عشرة أيام هزّت أميركا... \r\nمن الطرود المفخخة إلى هجوم بيتسبرغ إلى قافلة اللاجئين
عشرة أيام هزّت أميركا... \r\nمن الطرود المفخخة إلى هجوم بيتسبرغ إلى قافلة اللاجئين
A+ A-


في البداية توالت العبوات الناسفة التي ارسلها متطرف مؤيد للرئيس الاميركي دونالد ترامب اسمه سيزار سايوك جونيور الى عناوين الرئيسين السابقين باراك أوباما وبيل كلينتون وعدد بارز من الشخصيات الديموقراطية السابقة والحالية، في محاولة اغتيال لا سابقة لها في تاريخ الولايات المتحدة صعقت الأوساط السياسية في البلاد، خصوصاً وانها جاءت قبل أقل من اسبوعين من الانتخابات النصفية، وفي اجواء مشحونة بالتوتر والسموم التي قل نظيرها حتى بالمقاييس السياسية المتدنية التي وصلت إليها البلاد منذ دخول ترامب المعترك السياسي قبل ثلاث سنوات.

حتى قبل ان تبدأ أميركا باستعادة أنفاسها من صدمة العبوات الناسفة، اقتحم متطرف آخر من مؤيدي ترامب مدجج بالاسلحة صباح السبت كنيساً يهودياً في مدينة بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا اسمه "كنيس شجرة الحياة" وقتل بدم بارد 11 شخصاً وهو يطلق هتافات معادية لليهود. وخلال 20 دقيقة، عانت الطائفة اليهودية العريقة في تلك المدينة أكبر مجزرة يتعرض لها اليهود في تاريخ أميركا. عشرة أيام هزت أميركا كما لم تهتز ربما منذ هجمات 11 أيلول 2001 .

هذه المرة الارهاب داخلي ووجهه البشع أميركي. هذه المرة العنف طاول يهوداً يصلون، لكنه في السنوات السابقة استهدف مسيحيين يصلون في الكنائس، وطلاب يدرسون في المدارس والجامعات، وأميركيين يشاركون في أنواع النشاطات والاحتفالات. مجزرة كنيس بيتسبرغ وضحاياها الـ11، اصبحوا احصاء جديداً ينضم الى 293 حادث قتل جماعي شهدته الولايات المتحدة في السنة الجارية. حصاد الدم في 2017 وصل الى 346 حادث قتل جماعي. ما يجعل مجزرة بيتسبرغ جارحة بامتياز هو السياق السياسي الذي حصلت فيه. الهجوم، جاء أيضاً في سياق ارتفاع ملحوظ لعدد الاعتداءات التي استهدفت مراكز يهودية في أنحاء البلاد، استناداً الى احصاءات المنظمات اليهودية. وحتى قبل نقل جثث الضحايا من الكنيس، ارتفعت أصوات منددة بالمناخ السياسي المشحون ضد الأقليات واللاجئين والمهاجرين، والذي أوصله الرئيس ترامب وزعماء الحزب الجمهوري الى مستويات مخيفة خلال حملتهم الانتخابية للحفاظ على سيطرتهم على مجلسي النواب والشيوخ.

في هذه الحملة يستخدم الرئيس ترامب وبعض زعماء الحزب الجمهوري رموزاً ومفاهيم تنضح بالشوفينية والعنصرية والعداء للسامية والاسلام والمهاجرين واللاجئين. الرئيس ترامب وصف نفسه أخيراً بأنه "قومي" وهو مفهوم السياق الاميركي الحديث مشحون بالمعاني الشوفينية التي توحي بالانتماء الى أثنية قومية أوروبية الأصل ومسيحية. تنديد ترامب بمن يسميهم دعاة العولمة يفسر بأنه موجه الى اليهود المتهمين بالسيطرة على المصارف الدولية، وهي تهمة قديمة كانت ولا تزال في جوهر العداء للسامية في الغرب. رئيس الغالبية الجمهورية في مجلس النواب كيفين ماكارثي، كتب الاسبوع الماضي تغريدة – محاها بعد مجزرة بيتسبرغ - جاء فيها "لا يمكننا ان نسمح لـ(جورج) سوروس، (وتوم) ستيير و(مايكل) بلومبرغ بشراء هذه الانتخابات " في اشارة الى ثلاثة اثرياء من ممولي المرشحين الديموقراطيين. طبعا اشارة ماكارثي الى هذه الشخصيات ليست بريئة، لأن الثلاثة ينتمون الى الطائفة اليهودية، وأحدهم، سوروس، يتعرض لأبشع الاتهامات وهو في صلب نظريات المؤامرة التي يبثها اليمين الاميركي المتعصب والعنصري اذ يتهم الرجل الذي أفلت من المحرقة النازية وهرب من وطنه الاصلي المجر ولجأ الى أميركا، بأنه الممول الرئيسي لكل ما يكرهه اليمين الاميركي. وطبعاً يساهم الرئيس ترامب في نشر نظريات المؤامرة ومنها اتهامه لسوروس بتمويل قافلة اللاجئين من أميركا الوسطى التي حولها ترامب وانصاره الى جيش من اللاجئين يسعى لـ"اقتحام" الحدود الاميركية. ترامب ادعى في أكثر من مناسبة أن قافلة اللاجئين تضم "مجرمين" خطيرين وعناصر "شرق أوسطية"، في اشارة ضمنية الى إرهابيين مسلمين.

وردود فعل ترامب على العبوات الناسفة ومجزرة بيتسبرغ عكست انزعاجه لانها يمكن ان تؤثر سلباً على زخم حملته الانتخابية، وليس لأنها رهيبة وكارثية بحد ذاتها. في البداية تصرف كأنه يشكك في صدقية العبوات الناسفة واستخدم في إحدى تغريداته كلمة القنبلة بين مزدوجين في تشكيك واضح بصدقية وجودها أو صحتها، على رغم أن مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي "إف بي آي" أكد انها عبوات ناسفة فعلاً.

ومع ان ترامب توقف عن توجيه سهامه الى خصومه، ومنهم الشخصيات التي استهدفتها العبوات الناسفة، إلا أنه لم يستطع ان يسكت أكثر من بضع ساعات قبل ان يعاود مهاجمتهم. وامتنع ترامب حتى عن الاتصال بأي من الشخصيات الديموقراطية التي كان يمكن ان تتحول ضحية اغتيال سياسي. بعد مجزرة بيتسبرغ تلا ترامب بيانات كتبها له مساعدوه ندد فيها بالمجزرة بلغة قوية، لكنه قرأ النص المكتوب بنبرة خشبية ومن دون أي عاطفة. على أنه عندما تحدث الى الصحافيين ارتجالياً بدا كأنه يلقي اللوم على الضحايا، قائلاً انه لو كان هناك مسلح داخل الكنيس لما كان قد وقع مثل هذا العدد الكبير من الضحايا، ورفض الطرح القائل بان سهولة اقتناء الأسلحة هي من الأسباب التي تؤدي الى حوادث القتل الجماعي في البلاد. ورفض ترامب ونائبه مايك بنس وغيرهما من زعماء الحزب الجمهوري الاتهامات الموجهة الى الرئيس بأن لغته التحريضية وشيطنته لخصومه السياسيين وانعزاليته المتعصبة قد ساهمت في تشجيع العناصر المتطرفة والعنصرية في المجتمع على الخروج من كهوفها الى العلن لترهيب شرائح واسعة من المواطنين، وكرروا القاء اللوم على "الغضب" الذي يعم البلاد على وسائل الاعلام و"الاخبار الملفقة"، كما كتب ترامب في احدى تغريداته. وهو رفض الغاء برامجه الانتخابية، وبعد ساعات من المجزرة ندد أمام جمهور صاخب بدعاة العولمة، وجدد هجماته على خصومه وكأن احداث الايام العشرة السابقة لم تحدث.

الأيام العشرة التي هزت أميركا، تحولت فوراً المسألة الاكثر محورية في السجال السياسي والاجتماعي الذي عم البلاد، وتحولت في أوساط الديموقراطيين ومعارضي ترامب، صرخة تعبئة جماهيرية قبل اسبوع من الحسم الانتخابي الثلثاء المقبل.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم