السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

بعد ورقة التين الأخيرة

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
بعد ورقة التين الأخيرة
بعد ورقة التين الأخيرة
A+ A-

جاء الخريف بالعاصفة الهوجاء التي استمرت خمس دقائق فقط لا غير. خمس دقائق كانت كافية لتعرية الشجر من آخر أوراقه، ولتسقط ورقة التين الأخيرة التي كانت تستر كواليس عملية التأليف الحكومية.

انتهى وقت المزاح، وجاء وقت الجدّ.

الحكومة ستتألف على الأرجح بين دقيقةٍ وأخرى.

رئيس الحكومة المكلّف سيصعد إلى القصر الجمهوري وقد عقد العزم أخيراً على أن يكون رئيساً للحكومة كيفما كان، وإنْ مرغماً، وقد عقد العزم تالياً على التضحية (ربّما) بآخر حلفائه. وهذا لا مفرّ منه على الأرجح.

هذا طبيعيٌّ ومنطقيّ في السياسة الماكيافيلية عموماً، فكيف بالسياسة اللبنانية!

ألم يقل لنا رئيس "فيلق القدس" اللواء قاسم سليماني غداة انتهاء الانتخابات النيابية، إن الجمهورية الإيرانية تحظى مع حلفائها بأكثرية 74 نائباً في مجلس النواب اللبناني الجديد؟!

الرجل ليس عشوائياً. هو كان يعرف جيداً أنه قد يكون يملك أكثر من ذلك. لكنه لم يشأ تكبير القول.

الآن، طلع معه حقّ، بعدما أصبح كلّ شيء واضحاً.

بل كان كلّ شيء واضحاً مذ تَقَرَّر السير بانتخابات رئاسة الجمهورية، بما أفضت إليه، بعد طولِ لأيٍ وتمنّعٍ، وبعد توقيفٍ للدولة ومؤسساتها عامَين وأكثر.

أوّل ذلك الطريق يفضي إلى آخر هذا الطريق.

والآن يشاهد الجميع العري بكامله، على الظلط، وكما خلقتَني يا ربّ، بعد سقوط آخر ورقة تين.

فأين العجب في هذا المنطق السائد، وفي ما انتهى إليه، وفي ما سينتهي إليه، عاجلاً؟ ولماذا نجد أنفسنا مصعوقين بالنتائج المحتملة التي ستترتب على نوعية الدخان الأبيض الذي سيتصاعد من مدخنة بعبدا؟!

ويلٌ للذين سيكونون في داخل الحكومة على مضض، وويلٌ آخر للذين سيكونون خارجها، لأنهم لا يستطيعون أن يبلعوا سكّين الالتحاق، ولأن لا أحد يعلم المصير المخبّأ لهم في هذه الحال.

هذه هي المعادلة الحكومية الراهنة. بل هي فحسب معادلة السلطة، الآن وهنا.

وسيُشرَب نخب الانتصار هذا، ونخب الهزيمة ذاك، حتى الثمالة، وعلى عينكَ يا تاجر، وأمام الملأ أجمعين، وبمشاركة الذين لا يحتسون الخمر علناً ومطلقاً.

الابتزاز ليس جديداً. اللبنانيون يعرفونه جيداً، وخصوصاً منهم مَن سبق له أن اكتوى بناره. فمَن يأكل العصي ليس كمثل مَن يعدّها. ومَن يضع أصابعه في النار ليس كمثل مَن يضعها في الماء.

لقد انتصر قاسم سليماني ورجال قاسم سليماني.

هكذا، في ضوء المعادلة الداخلية البحتة، هل يبقى من ضرورةٍ للسؤال كيف يمكن أن يكون لبنان - في توازناته - قد انتصر، أو قد ينتصر، من خلال "حكومة الوحدة الوطنية" المحتملة هذه؟ فالواضح مطلقاً أنه سينتصر كثيراً "حزب الله" (وحليفته حركة أمل" بالطبع) ورئيسنا للجمهورية العماد ميشال عون ووزيرنا للخارجية جبران باسيل، ولن يخسر سليمان فرنجية، وسيخرج وليد جنبلاط لا غالباً ولا مغلوباً. أما رئيس الحكومة فلن يكون رئيساً للحكومة إلاّ وفق هذه المعادلة.

هل من لزومٍ للتحدث عن حال حزب "القوات اللبنانية" في حال قبولها بهذه المعادلة؟

... وعن حالها في حال عدم القبول؟!

تذكرتُ، وأنا في صدد هذا المقال، قصة آدم وحواء اللذين وسوستْ لهما الحية أن يأكلا من شجرة التفاح، فوقعا في الخطيئة وانكشف عريهما، فطلبا الاستتار، فخاطا ورق التين، لكنهما ما إن سمعا صوت الربّ ماشياً في الجنة حتى اختبآ خلف أشجارها، ولمّا نادى الربُّ آدم أين أنتَ، كانت إجابته: سمعتُ صوتكَ في الجنّة فخشيتُ، لأني عريان فاختبأتُ.

لن أتوقف كثيراً عند الرواية، رواية الخطيئة الأصلية، فهي لا تهمّني، بل هي في رأيي محض رواية.

لكني أستعين بالأدب الأسطوري هذا، لفهم السياسة، السياسة اللبنانية تحديداً. حيث الآن، وقد صار كلّ شيء بالظلط، لم تعد تنفع ولا أيّ ورقة تين.

لقد صار كل شي عارياً، كما خلقتَنا يا ربّ!

[email protected].

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم