السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

مغامرة "آرت ستوديو" في شارع لبنان

عقل العويط
عقل العويط
مغامرة "آرت ستوديو" في شارع لبنان
مغامرة "آرت ستوديو" في شارع لبنان
A+ A-

ثمّة الآن في بيروت، في شارع لبنان، المطلّ من جهة على نواحي جامعة القديس يوسف و"مسرح مونو"، ومن جهة ثانية على "جرجي زيدان"، حيث عماراتٍ تراثية نادرة، من هواء الزمن القديم، رسّامةٌ في المقتبل تغامر بفتح محترفٍ شخصيّ وصالة عرضٍ جديدة.

قبل ثلاثة أشهر تقريباً، وفي عزّ الصيف، افتتحت الرسّامة لمى ربّاح صالتها هذه، المشرّعة جداً، عند زاويةٍ مشرقةٍ من "لبنان" هذا، بالتقاطع مع شارع جرجي زيدان. حتى لكأن الصالة هذه، عاريةٌ، وموجودةٌ في الهواء الطلق، في الحيّز العام، حرّةً من كلّ قيد، وعائق، وبلا جدران، بما يجعل الآخر، كلّ آخر، غير قادرٍ على إبداء اللامبالاة، بل يجعله معنياً بالمكان، وشريكاً فيه.

لا بدّ أن ثمّة "خطأ" فادحاً في التوقيت، ترتكبه الرسّامة الشابّة، مُخالِفةً بذلك قواعد السوق وأحوال البلد، حيث علامات اليأس والإغلاق والإفلاس تنافس كلّ العلامات الأخرى المضادّة.

لكن لا شيء من ذلك كلّه، يبدو جليّاً للعابر اليوميّ من هناك، نهاراً أو ليلاً.

هاكم الصورة: ضوءٌ علنيّ فادحٌ ينبئ 24 على 24 بأن الصالة مفتوحة.

مقعدٌ خشبٌ متقشّف، بلا ظَهر، ينتظر في الخارج أمام الصالة، كأنه دعوةٌ إلى الاستراحة.

في الداخل، وأحياناً في الخارج، درّاجةٌ هوائيةٌ تتقدّم مقوَدَها سلّةٌ من زهور.

سيّدةٌ مهيبةٌ متقدّمةٌ في العمر، تقف أمام الواجهة، وتبتسم للصالة، ثمّ تلقي التحية عليَّ، قائلةً: لا بدّ أن الرسّامة ذهبتْ لتعيد ابنها من المدرسة، أو غادرتْ لشراء حاجة.

هذا في الشكل، أما في المحتوى، فلوحاتٌ بألوانٍ حارّةٍ وقويّة، وبنبراتٍ تشكيليةٍ تفيض ديناميةً ورغبات، تحتلّ لا الجدران فحسب، بل الأرض، أرض الصالة، تاركةً للزوّار والفضوليين "ممرّات" للعبور والتجوّل والجلوس.

هل يعقل أن تكون صالة العرض هذه، هي نفسها المحترف الذي تستخدمه الرسّامة لممارسة تجاربها التشكيلية، واختباراتها المتنوّعة؟

الجواب يفرض نفسه. ثمّة ملوانةٌ على الأرض وأدوات رسمٍ وفرشاة وأنابيب، ومريول يحمل بصماتٍ غير قابلة لأيّ تأويل.

في موضعٍ يمثّل زاويةً خلفيّةً من الصالة، يُرى من شارع جرجي زيدان، ثمّة طاولةٌ للرسم تحفل بالمكوّنات والأنابيب والأدوات وورق الكرتون المقّوى وقماش الكونفاس، تدلّ على أن عدّة الشغل هي هنا، والشغل ذاته يتمّ هنا.

التقيتُ الرسّامة المتتلمذة على يد الفنّان القدير شوقي شمعون، الذي شجّعها، واحتضن تجربتها، مُحجِماً في الآن نفسه عن إبداء التوجيه، لأنها تملك كلّ المقوّمات لشقّ طريق لوحتها بنفسها.

تحاورتُ مع لمى ربّاح. فتلمّستُ مدى الحماسة لديها في امتشاق المواجهة الصعبة، وعاينتُ عمق الأمل الذي يجعلها تركب الخطر، خطر المغامرة في هذا الزمن، من دون أن تشعر بالقلق أو التهيّب. حتى لكأنها تؤمن بأن لا شيء يمكن أن يقف في الطريق. لا الوضع الاقتصادي، ولا سوق الفنّ، ولا سوى ذلك من مشقّاتٍ.

أبديتُ رأيي "غير النقديّ" طبعاً (لأني لستُ من أهل الاختصاص)، وركّزتُ على لزوم تأطير التجربة، بما يشقّ طريق الاختبار في اتجاهٍ ما، تجريديّ، أو تعبيريّ، أو تبقيعيّ، أو في اتجاه الرؤية الحرّة النزقة للعمل التشكيليّ، أو سوى ذلك، بحثاً عمّا ينطوي عليه أيّ اتجاه، من الاحتمالات والآفاق الغنيّة والمتنوّعة.

حركة الزوّار والمهتمين والفضوليين و..."الزبائن"، التي تشهدها صالة العرض، عند تقاطع شارع لبنان وشارع جرجي زيدان، تتحدّى المنطق المسبق، وتُناقض الصورة القاتمة التي تواجهها السوق وتغمر الوضع العام باليأس.

أعتقد أن مغامرةً كهذه، تستحقّ المغامرة. والدعوة مفتوحة.

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم