السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

شبان عاطلون عن العمل... "الهوية اللبنانية لم تعد تعنينا"

المصدر: "النهار"
ندى أيوب
شبان عاطلون عن العمل... "الهوية اللبنانية لم تعد تعنينا"
شبان عاطلون عن العمل... "الهوية اللبنانية لم تعد تعنينا"
A+ A-

على مقربة من مجلسي الوزراء والنواب، وأمام أعين الزوار الأجانب والمواكب والسفراء، شباب لبنانيون يفترشون الأرض، يتحسّرون على سنوات أربع شطبتها الأداء السياسي من سجل العمر. وعود كاذبة بين فترة وأخرى كانت بمثابة حقن مهدئة لـ3000 شاب لا يريدون سوى معرفة نتائج دورة خفراء الجمارك التي نظمتها المديرية في العام 2014 وطال انتظارها حتى الساعة، وفي كل مرة كانت أعذار المعنيين بتأخير النتائج أقبح من ذنبهم. ولا يُخفى على أحد أن المناصفة الطائفية والكباش السياسي، يقفان حجر عثرةٍ على طريق مستقبل هؤلاء الشباب، شأنهم شأن الشباب اللبناني عموماً. من مصلحة هؤلاء الشبان الالتحاق بالجمارك، ومن مصلحة المديرية أن تصدر النتائج كونها بحاجة إلى الكفوئين منهم، لكن هذه المصالح لم تلتقِ بعد مع مصلحة السياسيين الذين يعرقلون إصدار النتيجة.

صرخات مدوّية أطلقها عدد من الشبان المعتصمين وعبر "النهار" أرادوا إيصال الصوت. يحدثنا رامي (اسم مستعار) كيف يمضون لياليهم أمام مبنى مديرية الجمارك في شارع المصارف، بعد أن حصلوا على وعد أخير بأن تصدر نتائجهم المتأخرة أربع سنوات يوم الاثنين الفائت، ولم يتحقق الوعد. رامي قدّم استقالته من العمل في أحد مطاعم العاصمة منذ قرابة السنة، بعد أن حصل ورفاقه على وعد بإصدار النتيجة بعد أيام، مرّ عام كامل والنتيجة لم تصدر "حياتنا واقفة لا معلّقين ولا مطلّقين" يقول رامي المعيل لعائلته، نظراً لتقدم والده في السنّ. "تحوّلت من معيل إلى عبء". هكذا يصف حالته، سائلاً: "بدهن نبكيلهن؟ منبكي".

العذر الأول لتأخر النتائج كان عدم اكتمال المجلس الأعلى لمديرية الجمارك. وبعد أن تسلّم المدير العام بدري ضاهر مهامه، وتعيين العميد أسعد طفيلي رئيساً للمجلس الأعلى واكتمال أعضائه، استبشر الشبان خيراً. من أصل 9000 شاب وصل إلى المرحلة الأخيرة 3000 والمديرية بحاجة ماسة إلى 853 شاباً، نظراً للنقص الفادح في العديد لديها، إلا أنه على الرغم من الحاجة، فالدخان الأبيض لم يتصاعد بعد. وجُلّ ما يحصل عليه الشبان وعودٌ من وزير المال علي حسن خليل والمدير العام بدري ضاهر. وفي كل مرة كانت تتردد عبارة واحدة "خلال الأسبوعين المقبلين ستصدر النتائج". وفي خطوة تصعيدية قرر الشبان جعل تظاهراتهم أسبوعية، كنوعٍ من الضغط، علماً أن بعضهم لا يملك إيجار الطريق للوصول إلى ساحة الاعتصام، فيستدين من رفاقه أو أقاربه. "فقير عم يسند فقير" يقول رامي، مضيفاً "ليس لدينا ما نخسره، هذه الطبقة الحاكمة جعلتنا نتمنى التسوّل في أي دولة أخرى على أن نبقى على أرض هذا الوطن، فالأمر سيّان، ها نحن نعيش أذلّاء في بلدنا". يفضّل رامي الحصول على تأشيرة سفر على أن تصدر نتيجة دورة #الجمارك، مراهناً على أن "الشعب اللبناني بأكمله لو سنحت له الفرصة بالحصول على تأشيرات سفر، فلن يبقى أحد هنا. كيف يستطيعون النوم ليلاً وشعبهم أصبح عاجزاً عن الحياة وعن الموت في الآن عينه". إبن الـ24 عاماً انقلبت حياته رأساً على عقب. خسر رامي دراسته الجامعية بانتظار أن يفي أحد من المعنيين بالوعود التي يقطعونها بين فترة وأخرى، ولسان حاله يقول: "كنت أستطيع تحقيق الكثير خلال 4 سنوات، لا نريد سوى معرفة مصيرنا إن كنا راسبين أم فائزين، لنعيد ترتيب حياتنا على أساس واضح بدلا من الانتظار غير المجدي".

يؤكد عدد من الشبان المعتصمين لـ"النهار" أنهم تواصلوا مع وزير المال علي حسن خليل كونه وزير الوصاية، ولم يتركوا زعيماً سياسياً إلا وقصدوه، وبحسب هؤلاء "المدير العام بدري ضاهر لا يريد إعطاء مسودة بالأسماء الناجحة إلى الرئيس الأعلى للجمارك للتوقيع عليها، يريد من المجلس أن يوقّع قبل الاطّلاع على الأسماء، الأمر الذي يرفضه المجلس".

بدوره، يعيش سامر (اسم مستعار) المعاناة عينها في ظروف أشد صعوبة. والد سامر متوفى وهو معيل والدته التي باعت حصتها من إرث عائلتها لتسدد أقساط ولدها الجامعية. حاز سامر القاطن في طرابلس إجازة في إدارة الأعمال، وبحكم الوضع الاقتصادي المزري للمدينة، وارتفاع معدّلات البطالة هناك، لم يفلح بالحصول على وظيفة، رغم سعيه الحثيث. يخبرنا رحلته مع المعاناة من اللحظة الأولى التي قرر فيها الالتحاق بدورة خفراء الجمارك "تقدّمت إلى الوظيفة، طمعاً في الاستقرار والاستمرارية التي تؤمنها الوظيفة العامة، في حين نحن في طرابلس نحلم بوظيفة براتب 600 ألف ليرة إن وجِدَت. مرت السنوات على أمل الانفراج ونحن نجدد الأمل، إن لم يكن هذا الأسبوع فالأسبوع المقبل أو الشهر المقبل على أبعد تقدير، بحسب وعود المعنيين، الى أن اتهمتني ذات يوم عائلة خطيبتي بالكذب عليهم، بعد انتظار دام سنتين ونصف السنة من تاريخ خطوبتنا".

يصرّ سامر على أن "الشباب المعتصمين، ليسوا مسيّسين ولا متحزّبين، همهم الوحيد معرفة مصيرهم. نريد مسؤولاً يعطي وعداً ويفي به". يختنق صوت سامر فأترك له المجال للتعبير عن كل ما يدور في وجدانه "نحن مذلولون، إنما الذلّ الحقيقي هو بحق الدولة اللبنانية عند مرور مواكب السفراء والضيوف الأجانب الذين يشاهدون شباب لبنان وهو مفترش الطرقات. هويتي اللبنانية لم تعد تعنيني بعد أن توجّه اليّ أحد المسؤولين بعبارات نابية لمجرد أني أتصل للاستفسار عن آخر مستجدات القضية. ومسؤول آخر استهزأ بي مردداً أغنية "نصيبك حيصيبك"، وثالث نهرني قائلاً: "عم تدقّلّي على هاتفي الخاص، ولو عم تحكي مع مدير عام"، هو نفسه المدير العام الذي نناديه أثناء دخوله وخروجه من المديرية ولا يتوقف للحديث معنا".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم