نموذج للحوكمة الرشيقة والجامعة والريادية

انضممتُ، شأني شأن عدد كبير من المواطنين اللبنانيين المتوجّسين والقلقين، إلى الاحتجاجات في العام 2015 لمطالبة المسؤولين في الحكومة بإيجاد حلّ لأزمة النفايات التي راحت تتكدّس أكواماً على شواطئ لبنان الرملية وفي وديانه الساحرة وجباله الخضراء الخلاّبة التي كانت مصدر فخر واعتزاز في ما مضى.كانت الحشود خليطاً من الطبقات والأعمار والانتماءات السياسية. كان مشهداً جميلاً. لكن فجأةً، رأيتُ وسط المتظاهرين رجلاً يشرب من قنينة مياه بلاستيكية ثم يرميها على الأرض، وما لبثتُ أن أدركت أن كثراً يفعلون الشيء نفسه. هل أصبحنا متآلفين جداً مع المطالبة بالتغيير إلى درجة أننا نسينا كيف نصنع التغيير بأنفسنا؟ هل بتنا جزءاً من المشكلة؟ هل بلغنا حالاً من الشلل أصبحنا معها مكبّلين وغير واثقين من السبيل لتغيير المنظومة؟يصعب كثيراً تغيير النُّظم، ولا سيما النظم التكيّفية المعقّدة. إنها مصنوعة من مكوّنات مترابطة تتكافل في ما بينها، بما يؤمّن مرونتها وصلابتها. تحيط بنا النظم في كل مكان، بعضها موجود في الطبيعة مثل الغابات حيث تتبادل الأشجار المغذّيات وتترابط في ما بينها من طريق شبكات الفطريات الجوفية، ما يعود بالفائدة القصوى على عافية الغابة عبر منحها القدرة على مقاومة الهجمات من الطفيليات مثلاً. وبعض النظم التكيفية المعقّدة هي أيضاً عبارة عن مدن أو حكومات من صنع الإنسان.ليست جميع النظم التكيفية المعقّدة إيجابية بطبيعتها، إنما يصعب جداً تغييرها، وتتطلب عدداً من التدخلات على مختلف المستويات. ليته كان ممكناً استخدام الطاقة النابضة بالحياة لدى الأشخاص في الشارع من أجل إحداث تغيير. يقول المثل «إياك أن تترك أزمة جيدة تضيع سدى». لن يكون الأمر سهلاً، لكن إذا نجحنا في ذلك، فلن نكون قد وضعنا لبنان على السكة الصحيحة وحسب، بل نكون قد ابتكرنا نموذجاً جديداً من الحوكمة الرشيقة والتكيفية والمرِنة التي يمكن تطبيقها في مختلف أنحاء العالم.إعادة تأطير الذهنية: وفقاً لدونيلا ميدوز، الباحثة في معهد مساتشوستس للتكنولوجيا والخبيرة في تحليل...