السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

القمة الثالثة للكوريّتين تُهدئ كيم على حساب العلاقة مع واشنطن

جورج عيسى
القمة الثالثة للكوريّتين تُهدئ كيم على حساب العلاقة مع واشنطن
القمة الثالثة للكوريّتين تُهدئ كيم على حساب العلاقة مع واشنطن
A+ A-

حظيت القمّة الكوريّة الثالثة لهذه السنة بتغطية إعلاميّة واسعة بعدما استضاف الزعيم الكوريّ الشماليّ كيم جونغ- أون الرئيس الكوريّ الجنوبيّ مون جاي - إن الذي يزور جارته الشماليّة لثلاثة أيّام.

ساهمت سيول منذ مطلع هذه السنة في وساطة بارزة بين بيونغ يانغ وواشنطن انتهت بالقمّة التاريخيّة في سنغافورة. وأوردت صحيفة "هانكيوريه" أنّ قمّة بيونغ يانغ تحمل الأجندة نفسها التي حملتها قمّة بانمونجوم في نيسان الماضي، إنّما مع الدخول في تفاصيل تطبيقيّة لما صدر في إعلانها المشترك. لكن في الوقت الذي سادت أجواء الأمل هذه القمّة، استمرّت أسئلة أساسيّة عن جدّيّة كوريا الشماليّة في التزامها تفكيك أسلحتها النوويّة، والأهمّ عن مقاربة كوريا الجنوبيّة لنيات بيونغ يانغ.

وصرح مون خلال مؤتمر صحافيّ بأنّ "الشمال وافق على أن يقفل نهائيّاً منشأة تونتشانغ - ري لتجارب محرّكات الصواريخ ومنصّات إطلاق الصواريخ في حضور خبراء من الدول المعنيّة". وأضاف الرئيس الكوريّ الجنوبيّ أنّ "الجنوب والشمال ناقشا أيضاً خطوات نزع الأسلحة للمرّة الأولى". وتلقّى كيم إشادة من الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب الذي غرّد أنّ الزعيم الكوريّ الشمالي وافق على السماح بتفتيش المنشآت النوويّة لبلاده والانخراط في مفاوضات نهائيّة وتفكيك منشأة اختبار ومنصّة إطلاق في وجود خبراء دوليّين. كذلك، شدّد على أنّه في هذا الوقت لن تكون ثمّة اختبارات صاروخيّة أو نوويّة. وذكر ترامب أنّ الكوريّتين ستقدّمان طلباً مشتركاً لاستضافة دورة الألعاب الأولمبيّة سنة 2032، واصفاً ذلك بأنّه "مثير جدّاً".

لا داعي للسرور الأميركيّ

إلّا أن خلافات كثيرة برزت بين ترامب والصحافة الأميركيّة في موضوع إحراز تقدّم في ملفّ كوريا الشماليّة. ففي حين كان الرئيس يؤكّد أنّ الاختبارات الصاروخيّة قد توقّفت فعلاً ممّا أشاع أجواء من الهدوء في شبه الجزيرة الكوريّة، كان بعض الخبراء يشير إلى أنّ كيم يشتري الوقت وأنّ بيونغ يانغ لم توقف العمل على تطوير بعض المكوّنات التي تُستخدم في بناء الصواريخ الباليستيّة.

ولعلّ الكاتب السياسيّ طوم روغان أفضل من عبّر عن اختلاف قراءة أفكار كيم بين كوريا الجنوبيّة والولايات المتّحدة. فقد رأى في مجلّة "واشنطن أكزامينر" أنّه يتعيّن على الأميركيّين ألّا يُسرّوا كثيراً بالقمّة الكوريّة، لأنّها المؤشّر الأخير لتخلّي مون عن المبدأ الأميركيّ للمفاوضات مع كيم: الضغط الاقتصادي والديبلوماسيّ الأقصى.

وتقول واشنطن إنّ كيم انتهازيّ يجب إجباره على تقديم تنازلات بواسطة العقوبات والتهديد بالقوّة العسكريّة، بينما تقول سيول إنّ أفضل سبيل للتعامل مع كيم هو إزالة أسباب الخوف الذاتيّة لديه. لذلك فضّلت كوريا الجنوبيّة دعم جارتها الشماليّة اقتصاديّاً مع الحدّ من المناورات المشتركة بين سيول وواشنطن. وطالب روغان ترامب بألّا يقبل بذلك.

مشكلة كبيرة للحليفين

ويشكّل اختلاف الرؤية هذا مشكلة كبيرة للحليفين. فالمصلحة الاستراتيجيّة لكوريا الجنوبيّة تكمن في تهدئة كيم كي لا يستمرّ في تهديد الأمن الإقليميّ. ذلك لا يعني أنّ واشنطن ليست مهتمّة بهذه النقطة، ولكن بالنسبة إلى خبرائها على الأقلّ، ينبغي ألّا يأتي ذلك على حساب تفكيك الأسلحة النوويّة بشكل لا رجعة فيه ويمكن التحقّق منه.

وفي مرحلة من المراحل، اعترف الرئيس الأميركيّ بأنّ المسار الذي تسلكه كوريا الشماليّة متعرّج، لكنّه في الوقت نفسه ألقى اللوم على الصين التي يخوض وإيّاها حرباً تجاريّة كبيرة. وبتغريدته أمس، وجّه ترامب إشارة ضمنيّة إلى أنّ كيم يعيد تصويب بوصلته السياسيّة من غير أن تكون هنالك أدلّة حسّيّة كافية حتّى الآن. ومع ذلك ترفض واشنطن تليين موقفها الرسميّ في شأن العقوبات على بيونغ يانغ.

ماذا يحصل على أرض الواقع؟

إنّ تشدّد الولايات المتّحدة في مواصلة فرض أقصى العقوبات على كوريا الشماليّة، قد يوصلها فعلاً إلى مفترق طرق مع حليفتها كوريا الجنوبية التي يبدو أنّها ذاهبة في اتّجاه ملء خزانة جارتها الشماليّة بالأموال. وهذه لم تكن وجهة نظر روغان فحسب، بل أيضاً نظرة عدد من السياسيّين والمتابعين استناداً الى "رويترز". فقد وافق الزعيمان على "تطبيع" العمل في الحديقة الصناعيّة والجولات في جبل كومغانغ بكوريا الشماليّة. وانتقد السيناتور الأميركيّ ليندسي غراهام هذه الزيارات التي أشار إلى أنّها تهدّد بتقويض السياسة الأميركيّة بتوجيه "الضغط الأقصى".

كذلك، وجّهت اتّهامات إلى بعض الشركات الكوريّة الجنوبيّة باستيراد الفحم من بيونغ يانغ تحت ستار كونها شحنات روسيّة، إذ تساءل النقّاد عمّا إذا كانت سيول عازمة فعلاً على التزام العقوبات الدوليّة. وتابع التقرير أنّ المجمّع الصناعيّ واجه عقوبات أمميّة في أيلول 2017 وقد وفّر 110 ملايين دولار لكوريا الشماليّة في بعض المراحل.

الجواب قد لا يستسيغه مون

هذه الخطوات تظهر أنّ سيول مستعدّة للذهاب بعيداً في انفتاحها على بيونغ يانغ، علماً أنّ خطوات أخرى تظهر أنّها لا تزال تسعى إلى تعزيز قدراتها العسكريّة. في السياق نفسه، وافقت واشنطن حديثاً على بيعها أسلحة بقيمة 2.6 ملياري دولار. وأعربت الناطقة باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة أمس عن أمل الولايات المتّحدة في أن تشكّل القمّة "خطوة مهمّة" باتّجاه نزع السلاح النووي، واصفة إيّاها بأنها "فرصة تاريخيّة" لكيم كي ينفّذ تعهّداته في سنغافورة. ولكن على رغم ذلك، هل يمكن كوريا الجنوبيّة فعلاً خرق بعض الخطوط الحمر التي رسمتها واشنطن، مستندة ربّما إلى غضّ نظر أميركيّ محتمل في هذا الإطار؟

الجواب قد يكون لدى بروس بينيت، الباحث في مؤسّسة الرأي الأميركيّة "راند" ومقرّها كاليفورنيا: "استناداً إلى ما هو ظاهر، يأمل الرئيس مون في أنّ يوافق الرئيس ترامب ببساطة على عمل ما تريده كوريا الشماليّة. أعتقد أنّ الرئيس مون يقدم على مخاطرة جدّيّة".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم