السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

أمهات في المستشفيات: "اين ابني...يا الله"

المصدر: النهار
محمد نمر
A+ A-

دقائق بعد التفجير الثاني في بئر حسن، بدأت صفارات سيارات الاسعاف تدوي في ارجاء شارع السفارات الراقي، هارعة لنقل الجرحى إلى أقرب المستشفيات، ومنها رفيق الحريري الحكومي، الزهراء، الساحل، بهمن والرسول الأعظم.


عند مدخل المستشفى الحكومي اقتربت سيارة اسعاف، انه جريح، "الحمد الله على السلامة"، يقول أحدهم، أما في الباحة الداخلية، فالجميع يحبس الأنفاس حيث غلب الصمت على ضجيج غرف الطوارىء. فهنا، 7 شهداء يرقدون، عرف منهم واحد فقط، أحمد زراقط. الجثث الاخرى إما متفحمة واما أشلاء تحتاج إلى فحوص DNA لمعرفة هوية أصحابها. الجرحى في المستشفى الحكومي وصل عددهم إلى 25 شخصاً، حالات اربعة منهم حرجة، وبينهم 6 اجانب، 4 من بنغلادش وواحد من ساحل العاج وآخر اليمن.
رئيس المستشفى الدكتور وسيم الزين يواكب حال الطوارىء، ويقول لـ" النهار" ان "الاصابات متنوعة بين حروق وجروح بالزجاج... ونعمل على عدم ارتفاع عدد الشهداء".
ندخل مركز الطوارىء، الجميع منشغل، الغرف تفيض بالجرحى وبالدماء. في إحداها، جمال ناصر الدين يتلقى الاسعافات الأولية، ويقول لـ"النهار" انه كان يمارس عمله في ورشة الحدادة، حين حصل الانفجار الاول، فخرج لتفقد ما جرى، واذ بالانفجار الثاني يدوي موقعاً العدد الاكبر من الاصابات.
تطايرت الشظايا في الاتجاهات كافة، ونال ناصر الدين نصيبه حين اصيب في يده ورجله. الرجل الذي لا زالت معالم الصدمة تسكن وجهه، يسأل ""ما ذنبي؟.. ما ذنب من قتل.. والله لا يوفق يلي كان السبب".
الى جانبه، شاب عشريني، يضع يده على رأسه...يصرخ "آآخ"، معبراً عن ألمين جسدي ونفسي. عند الانفجار كان مع اصدقائه قرب بنك لبنان والمهجر، وعند سماعه صوت الانفجار الأول، سارع ليركب دراجته ويهم مسرعاً نحو مكان الحادث عله يستطيع أن يساعد في نقل الجرحى، الا ان التفجير الثاني طاله ورماه أرضاً.
تدخل فجأة فتاة وتصرخ "بابا وينو.. بابا"، يسرع أحد المسعفين إليها، قائلاً "لا تقلقي انه بخير"، تقترب أكثر منه وتحتضن والدتها التي لم تشح نظرها عن الخيط الذي يصنع القطب في وجه زوجها.
أما في مستشفى الساحل، فقد وصل 13 جريحاً، بينهم حالة حرجة، وعلقت اسماؤهم على جدار بوابة المستشفى.


"راح يا حاج..راح"


في مستشفى الزهراء الوضع مرعب بحق، فأغلب الشهداء عرفت هوياتهم عدا اثنين. المشهد الاول الذي يصادفك هو لامرأة جالسة على كرسي قرب بوابة الحديد الرئيسية، تبكي وأخرى تحاول التهدئة من روعها. وما ان تلتفت نحو باب الطوراىء، تصادفك امرأة اخرى يساعدها شابان في السير وهي منهارة. خلفها مباشرة، رجل مسن منهار حمله شبان، بعد ان اغمي عليه.
عند بوابة الطوارىء، بقع الدماء جفت على الأرض، وفي الزاوية تجلس عائلة تبكي يحتضن افرادها بعضهم بعضا، كبيرهم يتحدث على الهاتف باكياً "راح يا حج، راح". في الرواق، تركض مجموعة من الشبان، يتسابقون على غرف التبرع بالدم، ويختلفون حول من سيتبرع أولاً.
في الزهراء، 7 شهداء، اثنان منهم غير معروفين، وهناك 70 جريحاً 4 منهم حالاتهم حرجة، وفق ادارة المستشفى. والشهداء هم: "رضوان فارس وحبيب فاعور، عدنان هاشم، بلال زراقط، صباح الخطيب".
جرحى التفجير نقلوا الى الطبقة الثانية، وفي الغرفة 210، ابرهيم حسين، المصاب بحروق وجروح في كل جسده، يفتح عينيه المتعبتين، ويروي: "كنت في عملي، وبعدما انتهينا من تركيب البرادي، هرعت مع بعض الاصدقاء عندما سمعنا صوت التفجير الاول، وإذ بانفجار ثان يطيّرني من مكاني".
في الغرفة 214، حسين شلهوب، والدته تتمعن ملامحه وتشكر الله على سلامة ابنها، وتحاول أن تخفف عنه المصاب. حسين العشريني يرتجف، ويغمض عينيه مردداً "يا الله".
التنقل في مستشفى الزهراء صعب، في المصعد تتصاعد رائحة الدماء والحروق، أما على الدرج، فتقف أم تنتظر الخبر، "زوجي عبد الحفيظ نعماني وولدي الاثنان محمد وعمر اصيبوا، زوجي وعمر في العمليات ولم اراهما بعد، فيما محمد في مستشفى الحريري... كانوا في عملهم خلال التفجير..".
في بهو المستشفى، ام اخرى تبكي وتسأل "أين ابني علي العنان...اين ابني  يا الله"، بحثت في كل المستشفيات ولم أحصل على خبر عنه. إمرأة عجوز الى جانبها تعبت من البكاء تردد بحرقة ومرارة: "الله يستر ما يكون بين الجثث".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم