السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

تقرير البعثة الأوروبية حول الانتخابات النيابية: \r\nتلميحات عن مخالفات جسيمة وتساهل في الاستنتاجات

المصدر: "النهار"
زياد عبد الصمد
تقرير البعثة الأوروبية حول الانتخابات النيابية: \r\nتلميحات عن مخالفات جسيمة وتساهل في الاستنتاجات
تقرير البعثة الأوروبية حول الانتخابات النيابية: \r\nتلميحات عن مخالفات جسيمة وتساهل في الاستنتاجات
A+ A-

ألمح التقرير النهائي الذي صدر عن البعثة الأوروبية لمراقبة الانتخابات إلى بعض الانتهاكات الجسيمة للمعايير الدولية لديموقراطية الانتخابات، ولكنه اعتبر أن الانتخابات جرت بشكل طبيعي، ولا تعتبر المخالفات انتهاكاً لديموقراطيتها ولا تؤثر في نتائجها. 

في الإطار القانوني

اعتبرت البعثة في تقريرها أن الإطار القانوني (القانون الجديد - 44/2017) يلتزم بالمعايير الدولية باستثناء عدالة التمثيل بين المرأة والرجل، وحرمان بعض اللبنانيين من الاقتراع من بينهم عناصر وضباط القوات المسلحة والموقوفون الذين لم تصدر بحقهم أحكام. واعتبرت أن التزام القانون الجديد نظام التمثيل النسبي واقتراع غير المقيمين وتعزيز سرية الاقتراع (من خلال اعتماد القسائم المعدة سلفاً) هي إصلاحات اقترحتها البعثة الأوروبية بعد انتخابات عام 2009، كونها تدابير تعزز المنافسة وتوسّع خيارات المواطنين، مع تأكيدها وجوب اعتماد معايير إضافية لضبط الإنفاق "في بلد يعتبر فيه الإنفاق الانتخابي مرتفعاً بما ينتهك المساواة بين الأجيال وبحق المرأة". وتعتبر البعثة أن هيئة الإشراف على الانتخابات تحتاج إلى المزيد من الصلاحيات والاستقلالية عن وزارة الداخلية، بما يسمح لها بمراقبة الحملات الانتخابية والإنفاق والإعلام والقيام بمهامها بشكل كافٍ.

تحمّل البعثة النظام الطائفي مسؤولية الخلل في القانون، لتستنتج أن إلغاء الطائفية من الانتخابات النيابية مسألة جديرة بالمتابعة، ولكن بشكل تدريجي طالما يُجمع اللبنانيون عليها، وهي وسيلة لحماية الطوائف، وكأن العلة هي حصراً في النظام الطائفي فقط، وليست في طبيعة القوى التي تريد الاستئثار بالسلطة.

تغاضى التقرير عما حمله توزيع الدوائر من انتهاكات جسيمة لعدالة التمثيل من خلال توزيع الناخبين والمقاعد على الدوائر، وهو أحد المبادئ الأساسية لديموقراطية الانتخابات. وكذلك حول ازدواجية المعايير في تشكيل الدائرة الكبرى من عدة دوائر صغرى، واعتماد الصوت التفضيلي، تارة على الدائرة الكبرى وتارة أخرى على الصغرى ليأتي بالنتيجة لصالح مرشحين محددين. ولم يشر إلى ارتفاع العتبة الانتخابية حيث تراوحت بين 6 و20% لتحول دون نجاح المستقلين. فالدائرة التي تدنت فيها العتبة إلى 6% هي الوحيدة التي نجحت فيها مرشحة مستقلة. إن هذه الانتهاكات ألغت عملياً مفعول النظام النسبي الذي اعتبرته البعثة إنجازاً.

في المناخ السياسي العام

أشارت البعثة في تقريرها إلى التغيير في الاصطفافات الوطنية التي شهدتها الانتخابات عامي 2005 و2009 بين تحالفي 8 و14 آذار، ما أدى إلى صياغة تحالفات آنية وغير مبدئية بهدف الوصول إلى السلطة بأي ثمن. إلا أن الصراع في هذه الانتخابات لم يكن بين الطوائف لا بل داخل الطوائف للاستحواذ على تمثيلها. وهذا عززه القانون 44/2017 الذي يزيد من الانقسامات داخل الطوائف وفي ما بينها بدلاً من أن يعزز التحالفات العابرة للطوائف لتدعيم اسس الوحدة الوطنية والعيش المشترك. وجاءت نتيجة التحالفات العشوائية لتقاسم السلطة بين الاطراف لتعطل تشكيل الحكومة بسبب الاختلاف على حصة كل طرف من الوزارات.

وتشير البعثة إلى أن المرشحين تمتعوا بحرية التعبير رغم بعض التجاوزات، حيث شكا بعضهم من عدم القدرة على تنظيم لقاءات انتخابية. إلا أنها لم تشر إلى أن دوائر كبيرة لا تتمتع بالتنوع الطائفي والسياسي حصلت فيها تجاوزات بحق المرشحين المعترضين، فمنعوا من تنظيم لقاءات في أماكن عامة، وقد مورست ضغوط هائلة على بعضهم للانسحاب، ومنهم من تم الاعتداء عليه بالضرب، كما لم تشر إلى اختلالات خطيرة وجوهرية في الإعلام الانتخابي سواء لجهة التوازن بين المرشحين أو لجهة المضامين التحريضية المخالفة للقانون.

واشار التقرير إلى إشكال في بلدة الشويفات ذهب ضحيته احد المحازبين، ولكنها لم تشر إلى اشكاليات أمنية وحالات اعتداء في بنت جبيل وجبيل وزحلة (حسب تقرير لادي) ولم تشر إلى الشغب بعد اعلان النتائج في العاصمة بيروت من قبل عناصر حزبية على دراجات نارية قاموا بالتهويل وحرق الدواليب والصور ولافتات الاحزاب المنافسة.

في إدارة الانتخابات

يتحدث التقرير عن دور وزارة الداخلية والبلديات بصفتها المسؤولة عن الادارة الانتخابية برمتها وتنحصر فيها كل الصلاحيات، من تسجيل الناخبين إلى توفير الامور الفنية والتقنية واللوجيستية والادارية وتحديد مراكز الاقتراع وتنظيمها وعمليات الفرز واعلان النتائج، وتدريب العاملين. وتشير كذلك إلى دور القضاء في الإشراف على لجان القيد، فاعتبرت أن كافة المستويات قامت بدورها بشكل فعال وحيادي، متناسية أن وزير الداخلية كان مرشحاً في العاصمة بالاضافة إلى رئيس الحكومة و14 وزيراً (المجموع 17 وزيراً مرشحين) من بينهم وزراء أساسيون. وان وزير العدل (لم يكن مرشحاً) يمثل تياراً سياسياً يخوض الانتخابات في كل الدوائر.

أشارت البعثة إلى ضعف الثقافة الانتخابية لدى الناخبين والادارة والمرشحين على السواء، كون القانون جديداً، ولكنها لم تشر إلى امكان تلافي هذه الثغرة لو فوضت هيئة الإشراف القيام بدورها في التثقيف الانتخابي بدلاً من أن تقوم به وزارة الداخلية من خلال تلزيم شركة خاصة، وقد بدأت مهامها متأخرة جداً أي بعد أن أقفل باب الترشيح الفردي. وهذا ما جاء في كتاب استقالة ممثلة المجتمع المدني في الهيئة السيدة سيلفانا اللقيس. ونتيجة ضعف التثقيف الانتخابي على القانون الجديد بلغ عدد الاوراق الملغاة 38309 ورقة اي بزيادة نسبتها 68% عن الانتخابات عام 2009، ورغم ذلك جاء في تقرير البعثة الأوروبية أن العدد "جاء دون المتوقع"، ولا يوجد حتى الآن ما يؤكد انه تم اعتماد معيار موحد في تحديد الأوراق الملغاة.

لم تتحدث البعثة عن اقبال عدد كبير من قبل رجال الأعمال لشراء مقاعد على القوائم، وقد استفادوا من الأسعار الخيالية للإعلانات والدعاية الانتخابية للاسحتواذ عليها وحرمان المرشحين الآخرين الأقل ثراء منها، علما أن البعثة تحدثت عن عجز هيئة الإشراف عن القيام بمراقبة الأسعار والاحتكارات نظراً لعدم توفر الامكانيات لديها، وكأنها تعترف ضمنا بأن في ذلك خللاً جسيماً، ولكنها تغاضت عن ذكره. وعلى الرغم من الشائعات التي وصلت إلى مسامع مراقبي البعثة، إلا أنهم لم يلحظوا أي عملية شراء أصوات. هذا رغم انه تم الكشف عن بعضها وتم توقيف مرتكبين. وفي هذا انتهاك لمعيار النزاهة وهو أحد المعايير الأساسية لديموقراطية الانتخابات.

لم يشر التقرير إلى التمديد المقنّع لفترة الانتخابات عندما اتاح وزير الداخلية اعتبار محيط المركز ضمن نطاقه، فاستمرت بذلك الانتخابات إلى ما بعد منتصف الليل (حتى الرابعة فجراً في بعض الأقلام) في الوقت الذي كانت النتائج تصدر عن دوائر أخرى، وتهاونت البعثة في تقريرها مع الانتهاكات الجسيمة لفترة الصمت الانتخابي، حيث استمرت الحملات إلى آخر يوم الاقتراع وهذا ما يؤثر على الناخبين.

أما عن الأشخاص المعوّقين، فيعتبر التقرير أن 47% من المراكز مؤهلة لاستقبالهم؛ علما أن هذا الرقم غير صحيح، أقله ليس الرقم الذي صدر عن الجمعيات المحلية التي راقبت الانتخابات مستخدمة معايير دولية. الا أن عدم تأهيل المراكز اتاح القيام بانتهاكات جسيمة عندما سمحت وزارة الداخلية لكل شخص من ذوي الاعاقة أو مسن من الدخول مع مرافق وراء العازل فسجل المراقبون المحليون أعدادا كبيرة من المرافقين الذين دخلوا خلف العازل للتأثير في خيارات الناخبين على مرأى من رؤساء الاقلام، وهو انتهاك لمبدأ سريّة الاقتراع.

يقر تقرير البعثة أن تنفيذ اقتراع غير المقيمين تم لأول مرة، ويؤكد أن الانتخابات في الخارج جرت بشكل طبيعي (حيث قامت البعثة بالإشراف على الانتخابات في 6 دول أوروبية جرت فيها الانتخابات). وتقول إنه تم نقل الصناديق برعاية وزارة الخارجية وتم حفظها في البنك المركزي إلى يوم 6 أيار، ونقلت بعدها إلى مراكز الفرز. ولكن التقرير تغاضى عن اللغط الذي حصل اثناء ايصال الملفات إلى مراكز الفرز، ما أدى إلى تصفير نتيجة 49 صندوقاً، وقد صدر عن الجمعية اللبنانية من اجل ديموقراطية الانتخابات بيان في هذا المجال يرفض القرار ويعتبره إلغاءً لإرادة الناخبين، علما أن تقرير لادي يشير إلى التأخر في نقل الصناديق من دولتي الإمارات ومصر كون شركة الشحن لا تعمل نهار الجمعة أي اليوم الذي جرت فيه الانتخابات في هذه الدول.


الفرز وإعلان النتائج والطعون

اما عن مرحلة الفرز، فتشير إلى أن الأمر لم يخلُ من بعض الاشكاليات على الرغم من الشفافية التي تمتعت بها العملية نتيجة حضور المندوبين، إلا أن الوضع بحسب البعثة لم يكن على نفس المستوى من الشفافية في لجان القيد العليا نتيجة عدم الدراية الكافية للقضاة بالبرامج الالكترونية. وقد أُخرج المندوبون في بعض الحالات نتيجة اللغط، إلا أن التقرير لا يشير إلى احتمالات التلاعب بالنتائج في هذه اللجان. وبذلك يكون قد تغاضى عن معيار الشفافية الذي يعتبر معياراً أساسياً من معايير ديموقراطية الانتخابات.

أما عن الطعون، فيشير التقرير إلى أن 17 طعناً قدموا في 8 دوائر، 13 منها تقدم بها مرشحون منفردون و4 قدمتها مجموعة من المرشحين، فلم تشر إلى أن عدد المرشحين المطعون بنيابتهم بلغ 44 اي ما يشكل اكثر من ثلث المجلس النيابي، وان الطعون الفردية حسب القانون الجديد لا تكون ضد المرشح المنافس ولكن ضد القائمة المنافسة بكاملها من حيث احتساب الحواصل.

في التوصيات

حصرت البعثة توصياتها بضرورة تعزيز مشاركة المرأة رغم أهمية هذه المسألة التي تدخل عمليا في صلب ديموقراطية الانتخابات وفي اعطاء هيئة الإشراف صلاحيات أوسع لضبط الإنفاق والإعلام، إلا انها تغاضت عن ضرورة أن يراعي القانون المعايير الدولية من حيث عدالة التمثيل في توزيع الناخبين والمقاعد على الدوائر واعتماد عتبة مرتفعة والتلاعب بالصوت التفضيلي بين دائرة صغرى ودائرة كبرى، ولا في حياد الادارة حيث إن الحكومة التي نظمت الانتخابات كان أكثر من نصف وزرائها مرشحين وعلى رأسهم رئيس الوزراء ووزير الداخلية والبلديات. كما تغاضت عن انتهاك النزاهة والشفافية والسريّة وهذه هي أسس معايير ديموقراطية الانتخابات.

هذا يدفع بنا إلى التساؤل عن جدوى البعثات الدولية لمراقبة الانتخابات والإنفاق المالي الكبير الذي تتكبده عندما تراعي في تقاريرها العلاقات السياسية والدبلوماسية، فتعطي مشروعية لعمليات انتخابية لا تتمتع بالمصداقية ولا توفر تمثيلاً صحيحاً للمجتمع. في الوقت الذي تصدر تقارير عن جهات الرقابة المحلية أكثر دقة وجرأة وقدرة على مساءلة المسؤولين، فقد سجلت الجمعية اللبنانية من اجل ديموقراطية الانتخابات 950 مخالفة بما فيها مخالفات ارتكبها وزراء في الحكومة واحزاب في السلطة. وقد تمكنت من تجنيد 1300 مراقب موزعين على كافة الدوائر، في حين تشكلت البعثة الأوربية من 132 مراقباً جاؤوا من 28 دولة أوروبية، وانضم إلى البعثة وفد من 7 أعضاء من البرلمان الأوروبي. غطت البعثة 525 مركز اقتراع موزعين على 15 دائرة كبرى و26 دائرة صغرى لمراقبة مجريات يوم الاقتراع وعملية الفرز. هذا مع العلم أن مبرر تشكيل البعثات الدولية هو أنها أكثر قدرة على تحديد المخالفات والإعلان عنها نظراً لحصانتها من الجمعيات المحلية التي يمكن أن تتعرض لضغوط من قبل السلطات. لكن مثل هذه التقارير تغيّر الصورة، حيث يبدو أن ثمة تواطؤاً بين البعثات الدولية والحكومات الوطنية لاسباب سياسية، غالباً ما يكون على حساب الشعوب والمجتمع المدني في الدول النامية: في النهاية، وكما يقول المثل الشعبي: "لا يحكّ جلدك مثل ظفرك".


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم