السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

"فلسفة العلاقات الأردنيّة- الفاتيكانيّة": أطروحة دكتوراه للأب رفعت بدر... و"جيّد جدًّا"

المصدر: "النهار"
"فلسفة العلاقات الأردنيّة- الفاتيكانيّة": أطروحة دكتوراه للأب رفعت بدر... و"جيّد جدًّا"
"فلسفة العلاقات الأردنيّة- الفاتيكانيّة": أطروحة دكتوراه للأب رفعت بدر... و"جيّد جدًّا"
A+ A-

عصارة فلسفة العلاقات الاردنية- الفاتيكانية "حاجتنا الى فكر جديد وفلسفة جديدة للنظر الى الانسان، الى عصر تنوير عربي وانساني شامل". نحن في حاجة الى ثورة فكرية اسلامسيحية، كي يعمل سكان المنطقة واتباع الاديان معا على تنمية المجتمع وبناء الانسانية الجديدة"، على ما يخلص اليه الأب رفعت بدر، مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والاعلام في الاردن، في أطروحة دكتوراه في الفلسفة ناقشها اليوم أمام لجنة دكاترة هنأته ببحثه، ومنحته درجة "جيّد جدا".


كذلك، يوصي، ضمن جملة توصيات اخرى، بـ"الا يُستخدم الدين، ايا تكن الاسباب، في تمجيد العنف أو تبريره او الدعوة اليه". ويقول: "لقد استخدم الدين في الماضي للعنف، فتشوّه. وآن الاوان، من خلال التعاون بين الاردن والفاتيكان المعروفين بالوسطية والاعتدال، للتعاون اكثر كي يكون الدين عامل سلام ومسرة، وليس عنفا وخصاما وقتلا". 


"فلسفة العلاقات الاردنية الفاتيكانية الرؤية والواقع 1964-2014" عنوان اطروحة بدر التي ناقشها أمام لجنة من اساتذة الجامعة اللبنانية- المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الاجتماعية- ترأستها الدكتورة سعاد الحكيم، وضمّت الدكتور رضوان السيد مشرفاً، والدكاترة ريمون غوش، محمد العريبي، ومحمد شقير.   



 "التوافق بين المسيحية والاسلام"  

لماذا هذا البحث؟ يشرح بدر للجنة ان "شرقنا وعالمنا تجتاحهما العديد من التيارات الفكرية والايديولوجية التي تبدع في تباعد البشر، بعضهم عن بعض. وكم غرق هذا الشرق في المياه الآسنة وتعرّض لرياح سامّة... وليس افضل لتبيان الحالة من مثل الانجيل "هوذا الزارع خرج ليزرع، وهوذا باذر الزؤان خرج، ليس ليقلع ما بذره الزارع، بل ليصبّ فيه وبين سنابله، اشواكا وزؤانا. غرق شرقنا في دعوات التعصب والمصالح الضيّقة، ووجدت تلك البذار، للاسف، تربة خصبة. وصرخ بطاركة الشرق في رسالتهم الثانية: "الفرق شاسع ايها الناس بين المؤمن والمتعصّب". فصرنا في حالة من الحيرة نبحث عن قصص الصداقات لنبيّن للعالم أنّ الخير والحق والجمال ما زالت قيما موجودة في الفكر والخيال وواقع الحال، والدليل الوقوف فلسفيا على نموذج حي لعلاقات ليس فيها مصالح. انّها علاقات مبنيّة على أسس كتابية: الإنجيل والقرآن الكريمين.


نقف عند ما تقوله المدارس الفقهية لنبيّن التوافق بين المسيحية والاسلام، توافقا فلسفيا ولاهوتيا في ما يخص: صفات الله تعالى والتنزيه ومسألة العقل والنقل، ثم اثبات وجوده تعالى بالاعتماد على الادلة الخمسة لمؤسس الفلسفة التومائية توما الاكويني، وهي الحركة، والعلة الفاعلة، والممكن والواجب، وتفاوت الموجودات ومراتبها في الكمال، ودليل النظام في العالم". 


ويتناول بدر في اطروحته "الشراكة بين الرؤية المسيحية والرؤية الاسلامية، في حقوق الانسان والحرية والحوار المشترك، والتقارب مع الآخر، والتعاون للحفاظ على البيئة، وتنمية المجتمعات في كل المجالات، والعمل على صنع السلام والحفاظ عليه وعلى ديمومته، مقرونا بالعدالة والمسامحة". 

 لماذا الدين في الكلام على مسألة علاقات "ديبلوماسية"؟ يجيب: "لانهما، أي بلدي الموضوع، يشكلان رمزين دينيين: الفاتيكان كدولة فيها رأس الكنيسة الكاثوليكية، والأردن في إرثه الهاشمي الآتي من سبط رسول العرب. وما التعاون المبني على أسس كتابية إلا توافق وجوامع، لاهوتية وعلم كلامية، تساعد الأسس الفلسفية في التعاون الفكري والمعرفي بين الطرفين. وتتصدى لكل ما يفرق او لا يجمع بين البشر".  


انطلاقا من هنا، كان لا بدّ له من "التعريف أولاً بالفلسفة التي تقوم عليها دولة حاضرة الفاتيكان، الحاضرة في المحافل الفكرية، وغالبًا بصفة المراقب. وعرّفت القارىء العربي الى المصطلحات التي تفيده لفهم هوية أصغر دولة في العالم جغرافيًا، وأكثرها تأثيرًا، معنويًا وأدبيًا". كذلك عرّف بـ"الدور الاردني الذي يقاد محليا وعالميا، من أجل الكرامة".  

المشكلة

نقاط عدة أثارها خلال تفكيره في "مشكلة هذا البحث"، اولها "اننا نبحث في شرقنا عن حلول لاسئلة مؤرقة حول المستقبل. لماذا وكيف واين ومتى؟ ونبحث عن تلك الحلول بطريقة آنية ومستعجلة، بينما الحاجة الى تفكير مليّ معا، كي نبلور خطابا للغد، ونرسم خريطة طريق لمستقبل مبني على التعاون المشترك بين أصحاب الارادة الحسنة".


نقطة ثانية: "نحن أمام كيانين مختلطين: الأردن عضو في الأمم المتحدة، والمواطنة فيه قائمة على الرقم الوطني والعيش داخل حدود معينة. والجانب الآخر دولة مواطنيّتها معنوية وعالمية، وإن كان فيها ألف مواطن يحملون جواز سفرها. فما الأسس التي تقوم عليها هذه العلاقات التي توصف بالجيدة؟ من أجل ذلك، جعلت هذا البحث في الفلسفة، وليس في العلاقات الدولية، ذلك أنّ القيم والحقوق والحريات هي من أسس العلاقة بين طرفي البحث". 


في النقطة الثالثة، "تغلب الفلسفة المثالية على فلسفة الديبلوماسية الفاتيكانية، بينما الأردن براغماتي واقعي يلعب دورا سياسيا محوريا، ويريد أن يؤّمن الحياة الكريمة لمواطنيه. وهنالك اختلاف عقائدي بين ما يؤمن به الفاتيكان وبين إيمان غالبية سكان الأردن. كذلك، هناك اختلاف في السياسة من باب امتهانها من الجانب الأردني، وباب التنظير الأخلاقي حولها من باب الفاتيكان". 


ويضيف نقطة رابعة. "الفاتيكان دولة دينية. والمنتمي اليها، وإن كان متعددًا إثنيًا، له دينه ومعتقده. أمّا في الأردن، فالتعددية الدينية متلازمة معه منذ نشأته. ندرس هذه الأمور في وقت صار إنساننا خائفًا من مصطلح "الدولة الدينية". فما جرى في العراق وسوريا ، من دولة اطلقت على نفسها اسم اسلامية، وما يحصل في فلسطين التاريخية من محاولات لجعل الكيان الاسرائيلي دولة يهودية، وبالتالي دينية، يؤرقنا جميعا، نحن سكان بلاد المشرق. فهل يساعدنا التعاون مع دولة "دينية" في المضي الى الامام، أم انّه يعيدنا، حضاريا، الى الوراء؟"   


نقطة أخرى. "هناك تحديات في هبوب الرياح العلمانية في خيمتنا العربية، وإشكالية الحرية الدينية كاملة الدسم، او الاكتفاء بطعم صغير يسمّى حرية العبادة، أو حرية اقامة الشعائر الدينية، ضمن مصطلحات مخيفة مبنية على "الاكثرية" و"الاقلية". هذه هي اذًا البيئة الجيوسياسية والدين–سوسيولوجية التي نشأت فيها علاقات اردنية-فاتيكانية، بتعقيدات المنطقة وظروفها المأسوية". 


ما؟ هل؟ كيف؟ ومن؟  

اسئلة كثيرة يسعى بدر الى الاجابة عنها في اطروحته. "ما فلسفة العلاقة القيميّة بين الأردن والفاتيكان؟ ما "هوية" تلك العلاقات؟ هل هي سياسية؟ اقتصادية؟ اجتماعية؟ أخلاقية؟ فكرية؟ قيمية؟ كيف يمكن التأسيس على هذه العلاقات الجيدة "لخدمة الإنسانية والانسان، كل الانسان، وكل انسان"؟ ما المنطلقات الفكرية والمعنوية التي نشأت عليها العلاقات؟ هل هي موقتة أم دائمة؟ هل لها أسس فلسفية إنسانية، وإنسانوية دائمة؟ أم يمكن أن تزول مع تقدّم الوقت وتبدّل الاحداث؟"


وتجاه "التطرّف والتعصّب والعنف المبنيّ على الدين والإرهاب"، هل يُساهم التعاون بين الفاتيكان والأردن في بلورة خطاب فكري مناهض ومناقض للدعوات المتطرّفة والإلغائية؟ وكيف تُساهم العلاقات المتّسمة في نشر ثقافة اللقاء كبديل لا استغناء عنه، ولا مفرّ منه، لثقافة الإقصاء التي تُمارسها العديد من التغريدات المتطرّفّة ومن يقف وراءها من جماعات او افراد؟" 

 نتائج... توافق واتفاق 

جملة نتائج يتوصل اليها بدر في اطروحته:

-هنالك توافق فلسفي ولاهوتي بين أسس الديانتين المسيحية والاسلامية، بُنيت عليه علاقات طيّبة بين بلدين: الاول دين الدولة فيه هو الاسلام، اي الاردن، والثاني قائم على ايمان مسيحي وخلافة بطرسية، اي الكرسي الرسولي– او الفاتيكان.

-الكرسي الرسولي والأردن يحضان على احترام الحقوق والحريات، وأهمها حرية احترام حقوق الإنسان، وفي مقدمها حقوق المواطنة، احترام الحريات العامة وفي مقدمها الحرية الدينية، وحرية المعتقد وحرية الاعتناق، احترام أسس العيش المشترك الواحد وقواعده، احترام صيغة التنوّع الديني والتعددية المذهبية والفكرية.

-التعرّف الى مساهمات التعاون بين الطرفين لتشكيل خطاب إسلامي-مسيحي مشترك سمته الوسطية والاعتدال، لمحاربة خطابات التكفير والتّعصب.

-الاردن الموصوف بالدولة المستقبِلة، والفاتيكان الموصوف بدولة القيم، يتعاونان على حماية الكرامة الانسانية، من لحظة الحبل بها الى لحظة مفارقتها الحياة بصورة طبيعية، وكذلك على تأمين سبل العيش الكريم للأخوة المهجرين بسبب الحروب أو بسبب الاضطهاد الديني.

-الاردن والفاتيكان يتفقان على ان الدين نزيه من الارهاب من جهة، ومن جهة أخرى على واجب الحفاظ على الهوية العربية المسيحية، فمن دون المسيحيين في الشرق، لن يكون الشرق الاوسط كما هي هويته الاساسية: انسجاما في التعددية".


من النتائج ايضا، "المواطنة بأبعادها اللغوية والفكرية والفلسفية". ويبيّن بدر في اطروحته "علاقتها بالوطن والوطنيّة والمواطنيّة، وانها أكثر من مجرّد الاعتراف للفرد بوضعيّة قانونية شكلية، انّما الاعتراف له بحقوق مدنيّة وسياسيّة واجتماعية. وقد تمّت الدعوة اليها في سينودس الكنيسة في الشرق 2010. ومن دونها لن تتم مساعدة الانسان في الشرق للخروج من دوّامة المخاوف لديه".  


"آن الأوان" 

توصيات عدة يخلص اليها بدر في أطروحته، "انطلاقا من تحليل العديد من الوثائق الفاتيكانية، وبالأخص سينودس الكنيسة في الشرق، والارشاد الرسولي: "شركة وشهادة"، والأوراق النقاشية التي طرحها الملك عبدالله الثاني، والنصوص المتبادلة في الزيارات التاريخية لاربعة بابوات للاردن". واهم هذه التوصيات، "التعاون الفكري والانفتاح المعرفي، لخدمة صياغة مناهج دراسية وجامعية جديدة، لا تستبعد الفلسفة منها، من أجل التمهيد لأجيال منفتحة ومستعدة للتعاون والتبادل بدل التناحر والتقاتل. والتعاون على ابراز التراث العربي المسيحي المزدهر بين القرنين الثامن والثاني عشر، كي يحافظ على التعددية الراقية التي تقوم على فلسفة احترام الرأي والرأي الآخر، وتنشئ الأجيال على "حب الله وحب الجار"، كأساسين لحضارة المحبة وثقافة اللقاء".

كذلك يشدد على "التعاون في الحفاظ على نزاهة الأديان، وعدم زجّ الدين في ألاعيب السياسة، وبالأخص لتبرير العنف. التعاون في المجال الإعلامي، كإنشاء قناة مشتركة تبيّن باستمرار مجال التعاون بين أتباع الأديان...". ويلفت الى ان "المصطلحات المستخدمة في العلاقات الاسلامية- المسيحية خصوصا والعلاقات بين أتباع الديانات عموما، لم تعد متلائمة مع وضع الاسرة البشرية اليوم، وقد آن الأوان لوضع قاموس جديد نوافق على صياغته، ولا نتوقف عند مصطلحات مثل: أهل الذمة والأقليات والتعايش والتسامح وعلاقات حسن الجوار وحتى الحوار".


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم