الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"فنّ الصفقة" لدى ميركل أنقذ ائتلافها الحكوميّ؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
"فنّ الصفقة" لدى ميركل أنقذ ائتلافها الحكوميّ؟
"فنّ الصفقة" لدى ميركل أنقذ ائتلافها الحكوميّ؟
A+ A-

اللافت للنظر أنّ الضغط جاء من حليفها التقليديّ المحافظ في بافاريا، "الاتّحاد الاجتماعيّ المسيحيّ". فقد هدّد زعيم "الاتّحاد" الذي يشغل منصب وزير الداخليّة هورست زيهوفر بالاستقالة إذا لم توافق ميركل على خطّته حول سياسة اللجوء. واتّفق الطرفان على أن يتمّ نقل أيّ مهاجر غير شرعيّ إلى "مركز عبور" على الحدود مع النمسا بدلاً من نقله إلى مراكز إيواء داخل ألمانيا إذا كان قد سجّل دخوله في دولة أخرى من الاتّحاد الأوروبّيّ.


بين شخصنة وموضوعيّة التوتّر

ربّما كان من سوء حظّ ميركل أنّ ولاية بافاريا ستشهد انتخابات نيابيّة محلّيّة في الخريف المقبل الأمر الذي أمكن أن يكون دافعاً لتشدّد زيهوفر. يضاف إلى ذلك أنّ الموقع الجغرافيّ للولاية جنوب ألمانيا وعلى الحدود مع النمسا يجعلها البوّابة الأولى للّاجئين الداخلين إلى البلاد ومستقرّاً كبيراً لهم. لكن يرى كثر أنّ العلاقة بين الحليفين التقليديّين والتي تعود إلى أواسط القرن الماضي لم تعد كما كانت خصوصاً أنّ طريقة تعامل زيهوفر مع ميركل في الآونة الأخيرة لم تعكس عمق هذه العلاقة. فقد تحوّلت المشكلة إلى مسألة شخصيّة حين قال الأخير في حديث صحافيّ يوم الاثنين: "لن أسمح بأن تتمّ إقالتي من قبل مستشارة تدين بمنصبها لي".



بعيداً عن التفاصيل الشخصيّة، يشرح جوزف جانينغ في "المجلس الأوروبّي للعلاقات الخارجيّة" اختلاف المقاربة بين زيهوفر وميركل كاتباً أنّ الأوّل يرى أنّ تطبيق ألمانيا لرؤيته سيفرض ضغطاً على سائر الدول الأوروبّيّة لتتحمّل مسؤوليّتها في موضوع اللاجئين. لكنّ المستشارة ترى وجوب التوصّل أوّلاً إلى استجابة أوروبّيّة موسّعة للأزمة، رافضة أيّ إجراءات يمكن أن تتسبّب بالضغط على دول الاتّحاد الأوروبّي.


"فنّ الصفقة"

في نهاية المطاف، أعطى زيهوفر ميركل مهلة لتسوية الأوضاع مع الأوروبّيّين في قمّة بروكسيل أواخر حزيران الماضي، لكنّ ما نتج عن تلك القمّة كان مبهماً حيث تمّ التشديد على "جهد مشترك" في حلّ أزمة اللجوء، بناء "على أساس طوعيّ فقط". قد تكون اللغة الغامضة أحد أساليب "فنّ الصفقة" بالنسبة إلى ميركل بحسب ما كتبه ديريك سكالي في صحيفة "آيريش تايمس": "تضع موقفها ضمن لغة حذرة وغامضة، تراقب بصمت أين يقف كلّ شخص آخر وأين يريد أن يكون، ثمّ تقرّر في وقت متأخّر من اليوم ما إذا كانت بحاجة للتحرّك، وإن فعلت ذلك، فهي تنفي القيام بأيّ شيء من هذا القبيل". لكنّ نتائج القمّة لم تعجب زيهوفر فعاد وهدّد بالاستقالة، قبل أن تقبل ميركل بالتوصّل إلى تسوية معه.


تحدّيات داخليّة وخارجيّة

زميل جانينغ في مؤسّسة الرأي نفسها، ألموت مولر، أشار في تقرير آخر إلى أنّ المتغيّرات المستجدّة في المشهد السياسيّ الألمانيّ تشرح هشاشة التحالف الحكوميّ إزاء المواضيع الإشكاليّة. فحزب "البديل لأجل ألمانيا" وبالرغم من امتلاكه نسبة ضئيلة من المقاعد في البوندستاغ، 92 من أصل 709، يتمتّع بتأثير بارز على الخطاب العام وعلى الثقافة السياسيّة في البلاد. وكان الرئيس السابق لحزب "الاتّحاد الاجتماعيّ المسيحيّ" فراز جوزف ستروب يشدّد على وجوب ألّا يكون هنالك حزب ديموقراطيّ منتخب على يمين حزبه داخل الولاية. لكنّ استطلاعات الرأي ترجّح دخول "البديل" إلى البرلمان المحلّيّ في بافاريا وميونخ الخريف المقبل.



انطلاقاً من هنا، يبدو أنّ الألمان أمام أسئلة جوهريّة مرتبطة بسياسات الهويّة لكن أيضاً بالتعدّديّة الحزبيّة المتنامية تدريجيّاً داخل البوندستاغ منذ التسعينات وحتى اليوم. وإذا كان تحوّل المشهد الحزبيّ داخل ألمانيا بطيئاً وممتدّاً على مدى سنوات، فإنّ إشكاليّة الهويّة أمر حديث نسبيّاً وظهرت بشكل سريع بعد أزمة اللجوء، كما أنّ تأثيراتها أوسع من الحدود الألمانيّة. فاليمين الأوروبّي المتطرّف شكّل هاجساً لأوروبّا، لكنّ الهاجس كان أكبر بالنسبة إلى #ألمانيا التي وضعت أسس الاتّحاد الاوروبّي وشكّلت عصبه الاقتصاديّ. وعندما بدت ألمانيا دولة مستقرّة من حيث تركيبة السلطة السياسيّة بالمقارنة مع دول أوروبّيّة أخرى، عاد "البديل" ليغيّر هذا المشهد دراماتيكيّاً. لذلك، إنّ ما تواجهه ميركل هو جزء من مشكلة متعدّدة الأبعاد، وقد لا تكون وحدها قادرة على حلّها.

فاتّفاقها الأخير مع الحزب البافاري قد يخلق لها توتّراً مع دول أوروبّيّة أخرى من بينها النمسا لأنّه اتّفاق يتخطّى في مفاعليه الحدود الألمانيّة. فهذه التسوية مرتبطة بإعادة هؤلاء اللاجئين إلى الدول التي أتوا منها بعد دراسة ملفّاتهم في "مراكز العبور". من جهة ثانية، أمكن للتسوية أن تخلق توتّراً مع شريكها الحكوميّ الثاني "الحزب الاشتراكيّ الديموقراطيّ"، لكنّ ذلك لم يحصل وقد أعلنت زعيمته أندريا ناليس أمس الخميس الاتفاق مع الائتلاف حول السياسة الجديدة.


نقطة على حساب وزيرها

يمكن أن تكون ميركل قد حقّقت فوزاً ولو مؤقّتاً في صراعها مع زيهوفر كما في حفاظها على وحدة الحكومة الألمانيّة. يرى ماثيو كارنيتشيغ في مجلّة "بوليتيكو" أنّ البافاريّين قرّروا التوصّل إلى تسوية معها، لأنّه لو انهار التحالف الحكوميّ، لكانوا تحمّلوا اللوم بسبب ذلك، حتى داخل بافاريا نفسها.



لقد تضمّن الاتّفاق مع الحزب البافاريّ أن تتمّ إعادة اللاجئين إلى الدول التي أتوا منها ضمن إطار اتفاق إداريّ مع الدولة المعنيّة. لكن حتى "الاتّفاق الإداريّ" لا يمكن أن يتمّ إلّا بناء على "أساس طوعيّ"، وكانت ناليس قد أكدت أيضاً أنّه لن يكون هنالك إجراء المانيّ من جانب واحد. وهذا يعني أنّ ميركل ربّما نجحت في عدم تقديم تنازل كبير عمّا توصّلت إليه في قمّة بروكسيل. هل كان ذلك "فنّ الصفقة" الذي تعتمده المستشارة الألمانيّة؟ إن كان ذلك صحيحاً، فما هو عدد الأزمات المقبلة التي ستستطيع حلّها وفقاً لهذا الأسلوب؟





الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم