الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

قمّة هلسينكي... هل وجد التاريخ وسيلة ليكرّر نفسه؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
قمّة هلسينكي... هل وجد التاريخ وسيلة ليكرّر نفسه؟
قمّة هلسينكي... هل وجد التاريخ وسيلة ليكرّر نفسه؟
A+ A-

أرسل ترامب مستشاره لشؤون الأمن القوميّ جون #بولتون إلى #روسيا حيث التقى بعدد من المسؤولين من بينهم بوتين نفسه تمهيداً للقمّة المرتقبة. لكن يصعب توقع كيفية إعداد مساعدي الرئيس الأميركي للقاء خصوصاً إذا قورنت الاستعدادات بتلك التي سبقت قمّة #سنغافورة. فاللقاء الذي جمع ترامب بالزعيم الكوريّ الشماليّ لم يكشف بعد عن كلّ نتائجه العمليّة، بينما كانت بنود الوثيقة التاريخيّة أقلّ من من المتوقّع.


1975 نقطة البداية

لطالما انتُقد ترامب بسبب تقديره الكبير لبوتين وتصديق نفيه تدخّل موسكو في الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة. ويرى البعض أنّ الثقة التي يكنّها ترامب لنظيره ستضرّ بموقفه التفاوضيّ مع الروس. يحاول مطلقو التوقّعات المرتقبة بشأن تلك القمّة أن يستندوا إلى مسار تاريخيّ طويل، إذ يبقى لافتاً للنظر كيف توافق الرئيسان على اختيار العاصمة الفنلنديّة لعقد اجتماعهما. هلسينكي هي المدينة التي استضافت المؤتمر الشهير الذي عُرف باسمها سنة 1975 وقد احتضنت أكثر من 30 دولة من المعسكرين الشرقيّ والغربيّ إضافة إلى عدد من الدول المحايدة. وحضر حينها الزعيم السوفياتي ليونيد بريجنيف والرئيس الأميركيّ جيرالد فورد المؤتمر الذي خرج بوثيقة تضمّنت عشر نقاط. ركّزت هذه المبادئ على احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها والتوقّف عن التهديد باللجوء إلى القوّة وعدم التدخّل في الشؤون الداخليّة واحترام حقوق الإنسان وحقّ الشعوب بتقرير مصيرها وضرورة الحلّ السلميّ للنزاعات. ومع أنّ وثيقة هلسينكي لم ترقَ إلى مستوى المعاهدة الدوليّة، فقد ظلّت الأساس الذي بنيت عليه وتطورت بموجبه منظّمة الأمن والتعاون في أوروبّا التي تضمّ 57 دولة وتجسّد أكبر منظّمة إقليميّة في العالم تُعنى بشؤون الأمن.


خيار "ذكيّ" و "ممتاز"

أثبتت فنلندا أنّ لديها "صدقية مع كلا الطرفين" بحسب ما قالته مديرة برنامج شمال أوروبّا في "المجلس الأطلسيّ" أنّا ويسلاندر لرايد ستانديش من مجلّة "ذي اطلانتيك" الأميركيّة. بالنسبة إليها، "هذا ما جعل هلسينكي خياراً ذكيّاً". لم تكن ويسلاندر المراقبة الوحيدة التي رأت في هذا القرار خياراً إيجابيّاً، خصوصاً أنّ هلسينكي شهدت أكثر من قمّة تاريخيّة خلال المرحلة الماضية. يذكر بيلي بيريغو في مجلّة "تايم" الأميركيّة أنّه قبل انهيار الاتّحاد السوفياتيّ اجتمع الرئيس الأسبق جورج بوش الأب بالزعيم السوفياتيّ ميخائيل غورباتشيف في المدينة نفسها سنة 1990 لمناقشة التوتّر المتصاعد في الخليج العربي، وقد توافقا على إدانة احتلال العراق للكويت. وستكون قمّة في فنلندا، الدولة التي لا تشكّل جزءاً من منظومة في حلف شمال الأطلسي #ناتو، بادرة أميركيّة إيجابيّة تجاه بوتين. أشار بيريغو أيضاً إلى أنّ الرئيس الأميركيّ سيكون في جولة أوروبّيّة قبل القمّة، وكذلك، سيكون الرئيس الروسيّ في موسكو لاختتام بطولة كأس العالم في 15 تمّوز، من هنا، ستناسب فنلندا جغرافيّاً كلا الرئيسين. لهذه الأسباب، هلسينكي هي خيار "ممتاز" لعقد القمّة بحسب توصيف الكاتب.


تفاؤل؟

إذاً، بحسب المسار التاريخيّ لوثيقة هلسينكي والأهداف التي تحقّقت بموجبها مع مرور الوقت، وبحسب علاقات هلسينكي الإيجابية مع موسكو وواشنطن، هل يمكن مراقبة القمّة المقبلة برؤية تفاؤليّة؟ ليس بهذه السرعة وفقاً لرؤية البعض.



صحيح أنّ "التاريخ يجد وسيلة لتكرار نفسه" كما يكتب ستانديش ضمن مقاله في "ذي اطلانتيك"، لكنّ ذلك لا يمنع أن تخيّم ظلال من الشكّ على النوايا الروسيّة من جهة والسياسة الأميركيّة من جهة أخرى. "يبدو أنّ هذا يكاد يكون الفرضيّة المضادة لما حصل سنة 1975". يقول سفير فنلنديّ سابق إلى روسيا للصحافيّ نفسه. وأضاف: "يحاول بوتين إعادة ترتيب نظام الأمن في أوروبا وقد أدخل ترامب كمية ضخمة من غياب الاستقرار إلى القارّة".


أيّ حادثة أثّرت في بوتين؟

هلسينكي تختزل الكثير من تاريخ الحرب الباردة التي انتهت بانتصار أميركيّ على السوفيات، انتصار لا يزال يغضب بوتين وربّما يفسّر الكثير من سياسات ضابط ال "كاي جي بي" السابق. الصحافيّ المخضرم مارتن شرام يذكر حادثة أثّرت كثيراً في الرئيس الروسيّ. ضمن مقاله في صحيفة "نيوزداي" الأميركيّة كتب أنّه في خريف 1989 الذي شهد سقوط برلين، كان بوتين، 33 عاماً، قد احتُجز في مكتب "الكاي جي بي" في دريسدن. وبينما هدّدت مجموعة من المتظاهرين باقتحام المبنى، قام بوتين بإحراق الوثائق مهدّداً المحتجّين بأنّ لديه جيشاً من القوّات المسلّحة. إنّ "عار" ذلك اليوم، وانهيار الاتّحاد السوفياتي، لا يزالان يشعلان ناراً من الغضب داخله، بحسب تعبير شرام.

بين 1 آب 1975 و 16 تمّوز 2018 حوالي 33 سنة من تاريخ لم يُمحَ في ذهن بوتين. قد تكون هلسينكي على موعد دائم مع مهمّة محاولة التقريب بين القوّتين العظميين. لكنّها بالمقابل يمكن أن تشكّل نافذة عبور للرئيس الروسيّ كي يعيد فرض عالمٍ "فرّطت" به موسكو سابقاً. "التاريخ يجد وسيلة لتكرار نفسه" ... حتى ولو بمساعدة من بوتين.







الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم