السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

حبيبتي كأس العالم

عقل العويط
عقل العويط
حبيبتي كأس العالم
حبيبتي كأس العالم
A+ A-

اليوم يبدأ المونديال.  

حسناً. أنا أحبّ مشاهدة اللعبة. وسأحضر المباريات الأساسية والحسّاسة، ولن أفوّت واحدةً منها، إكراماً للعبة بالذات، وللاعبين الأشاوس، ولحياتي الشخصية.

نعم، إكراماً لحياتي الشخصية. فأنا لا أُخفي أن عندي ضعفاً هائلاً حيال كرة القدم، مترسّباً منذ الطفولة.

وهو، للمناسبة، ضعفٌ حنونٌ طيّبٌ لذيذٌ أنيقٌ نبيلٌ معترَفٌ به، يشبه هشاشة الطفولة، عطورها، نسائمها، أحلامها، الحنين إليها، الغرق فيها، والعودة منها بشبقِ مَن يريد عيش الحاضر عيشاً كليانياً، وبشراسة مَن يريد عدم الرضوخ لكلبيته الحقيرة.

عدم الرضوخ خصوصاً.

لا فلسفة في هذا الحبّ "الضعيف". إنه حبٌّ فحسب. وعلى رأس السطح.

هكذا، لا يخطر في بالي أن أطالب نفسي بتقديم التبريرات والحجج، كوني كاتباً وصحافياً ومثقفاً، لتوضيح خلفيات هذين الضعف والحبّ. فأنا متصالحٌ مع نفسي في هذه المسألة. كما في غالبية المسائل الأخرى.

كرة القدم، أحبّها، يا جماعة، وهي، عندي، "ثقافة". فليعذرني المثقفون إذا وجد بعضهم أني أخرج على "المعيار"، معيار الثقافة.

يرتجف قلبي ارتجافاً، عندما "أنخرط" في مزاج اللعبة. فأشعر أني "هناك" فعلاً وواقعاً. وأني أتماهى جسداً وروحاً وأعصاباً وكياناً. وكم أشعر أني "ألعب" مع اللاعبين، وأني "ألعب" على طريقتي، في تدبير التصرفات والمشاعر والانفعالات والأفعال وردود الأفعال.

أعترف أني لستُ محنّكاً في اللعبة. فأنا أحبّها فحسب. مكتفياً بطريقتي "البدائية"، "الطفولية"، في اللعب.

لأجل هذا السبب بالذات، أشعر بالسعادة الغامرة، لأني ربما maladroit. فأنا لا أريد شيئاً من هذه اللعبة، سوى "طفولتي"، وإنْ من حيث أنا الآن، في هذا العمر، في هذا الحاضر، في هذا الواقع، في هذا اللبنان، وفي هذا العالم.

وأنا أحبّ مَن أحبّ في اللعبة، وأفضّله، وأنادي به، وأطلب له الفوز.

ولستُ البتّة على الحياد.

وأقول بصراحة: يأخذ على خاطري إذا لم يربح، مَن أريده أن يربح. بل أتألم معه للخسارة. لأنها ستكون خسارتي أنا أيضاً.

لكني أعترف بالهزيمة، بالهزيمة في اللعبة، مثلما أعترف بالهزائم التي أُمنى بها شخصياً، أو بالهزائم التي تُمنى بها الأحلام والأفكار والقيم. وهلمّ.

وأنا لا أيأس بسبب هزيمةٍ هنا، أو هزيمةٍ هناك.

في اللعبة، أزعل للخسارة، وأحزن، ثمّ نقطة على السطر.

في الحياة، أزعل، وأحزن، وأيأس قليلاً وكثيراً جداً، لكني أعود إلى العرين، عرين المناعة العظمى التي تحصّن روحي، وترمّم حياتي الشخصية، وتدمل جروحها وخيباتها، وتدعوني إلى شحذ العقل بالأمل. وهنا، بالذات، أكون مدعوّاً إلى المواصلة، كما لو أني أبدأ للتوّ.

وأنا أبدأ دائماً بشبق. وبشراسة. بشبق مَن يريد عيش الحاضر عيشاً كليانياً، وبشراسة مَن يريد عدم الرضوخ لكلبيته الحقيرة.

للعلم والخبر، لن أتغافل عن شيءٍ مما يجري على أرض الواقع. بل سأكون دائماً له في المرصاد.

لكن اليوم، يبدأ المونديال. وأنا أحبّ مشاهدة اللعبة.

حبيبتي تنتظر. حبيبتي هي اللعبة. وهي كأس العالم. وأنا سأكون لها.

[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم