الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

غسان تويني في مقتطفات من مقالات الاستشراف

غسان تويني في مقتطفات من مقالات الاستشراف
غسان تويني في مقتطفات من مقالات الاستشراف
A+ A-

بين لبنان والسعودية، ودائع من تاريخ

منذ أمين الريحاني، كل لقاء لبناني سعودي له نكهة من التاريخ، لأن التاريخين، بل البلدين استودع كل منهما تاريخ الآخر شيئاً من ذاته لم يمح ولا ينسى.

وكيف ننسى ان السعودية كانت أول دولة عربية اعترفت بالاستقلال اللبناني وأوفدت للمشاركة في الاحتفال به وفداً ملكياً كان بمثابة البيعة، ثم لما أراد بعضهم، عند تأسيس جامعة الدول العربية، اعتبار الاستقلال اللبناني "موقتاً" ومشروطاً، هبّت المملكة لتنصر الوطن الاصيل، الصغير الذي كان لمواطنيه في السعودية وهيكلياتها النامية "عمال" المهن الذين شاركوا في وضع المجتمع السعودي على طريق الحداثة السياسية والثقافية والادارية، والأسماء شواهد.

وقد أحصى الأستاذ سليم نصّار، في مقاله الأخير في "النهار" و"الحياة" بعض ما ومن كان منا وصار سعودياً، كما أحصى ما لنا في السعودية وأعمالها، منذ ما قبل عهد النفط، حين كانت مصادر الثروة هي الجهد والاختراع وعرق الجباه وحبر العقول والأقلام... كما أحصى في المقابل ما رتبته السعودية علينا من ذمم آفاق الانماء الرحبة وما صار لها في ديارنا وأشغالنا من مشاركة حلال.

ضيافة الارض المتبادلة هذه زرعتها السواعد مداميك شراكة انسانية كيانية وسقتها بعصارات القلوب الشواهد وبنات العقول، فامتزج المصيران الى حد أن لبنان كان دائم الفزع الى التأييد السعودي في كل أزمة، بل في أبسط المناسبات.

وإن ننس فلا ننسى – ولو نسي أو تناسى أبرياء العقول القليلو المعرفة، الذين ذهب بهم شغف في غير محله الى حد الدعوة الى وساطة لبنانية يقوم بها الرئيس سليمان بين السعودية وسوريا في حين لم تنعم السيادة اللبنانية بما تحتاج اليه من الاستقرار كمثل ما نعمت به يوم كانت تنتظم العلاقات العربية محاور، وكان المحور السعودي – السوري أحد اعمدة السياسة اللبنانية... الى أن ذهبت دمشق مذاهبها تركض على دروب الانقلابات والمجازفات !

كل ذلك تجاوزه الزمن عندما تدخلت السعودية وأودعتنا مؤتمر الطائف وما نجم عنه من اتفاقات اسست لجمهورية جديدة ختم بدمه اول رئيس جرى اختياره لحكمها الرئيس الشهيد رينه معوض ذخيرة "الجمهورية – الوديعة"... ولا نعرف بعد ما اذا كان وراء اغتياله وماذا كان قبل مما تسبب بالاغتيال الذي حال دون استقرار حكم الطائف على ما كان يراد منه وما كان المرتجى(...).

(13-10-2008)  

مطلوب حكومة لا توزّع "حقائبها" جوائز على المتحاربين

(...) المسألة كانت تهون لو انحصر الأمر بوزارات "الخدمات"، لكن تركيز الصراع بين المستوزرين وموزّريهم على ما ابتكروا له وصف "الوزارات السيادية" هو الطامة الكبرى اذ يؤدّي الى تقسيم ما يفترض فيه أن يكون عنوان وحدة الحكم والوطن... فمثلاً كيف إذا حزّبنا "الخارجية" تستمر تلزم سياستها الحزب المناوئ لحزب "وزير الحقيبة"؟ وماذا عن "مالية" الكتائب، مثلاً، لو فاز حزبها بهذه الحقيبة التي يطمح اليها – حتى لا نقول يطمع بها – الجنرال عون... هل يعني ذلك ان النظريات المالية الكتائبية أو العونية هي التي تسوس مالية البلد، بمعزل عن اقتصاد ظفر بحقيبته مثلاً وزير اشتراكي؟

والطامة الكبرى تكون إذا "نال" هذا الحزب او ذاك، او طوّفت هذه الطائفة أو تلك وزارة الدفاع الوطني التي قيل إن رئيس الجمهورية يصرّ على أن تسند إلى أحد الوزراء اللاحزبيين من حسابه... ماذا اذذاك؟ هل ننتظر أن يكون وزير الدفاع في مرتبة الملائكة، فلا يتأثّر باعتبارات طائفته أو حزبيته ومواقفها بل مصالحها وما ترتّبه على استعمال الجيش في حفظ الأمن بين "جماعته" واية جماعة أخرى تصطدم معها؟

وماذا عن كل شؤون الجيش الأخرى؟ انتشاره وثكنه، والتطويع ونسبه "السكانية" والترقيات والقيادات و"المديريات"، إلى آخر "المسؤوليات" التي نخشى أن تصير اذذاك مصالح لا مسؤوليات ولا مديريات!!!

ويصير لبنان وأمنه وسلامته في مهب رياح العواصف الحزبية والطائفية الهوجاء، وتولد من كل حرب "أهلية" حروب وحروب، بل من كل حادثة محلية تولد حرب تهدّد وحدة الجيش وسلامته وصدقيته العسكرية.

ماذا ننتظر من الرئيس المكلّف ان يفعل والحال هذه ؟

ان يعلن وقف التهافت على الحقائب وكأنها مغانم وأسلاب الحروب التي وقعت والتي قد تقع إذا استمرّت الحال هكذا، والحقائب، عدداً وطبقات، هي التي تتسبّب بالحروب التي لم تقع بعد، لكنها آتية لا محالة.

والمطلوب من رئيس الجمهورية، انسجاماً منه مع قسمه بالمحافظة على الدستور ووحدة الوطن واستقلاله وسيادته، وتقيداً منه مع خطبة القسم – المطلوب من الرئيس أن يدعو رئيس الحكومة المكلّف إلى أن يقفل البازار ويعلن أنه ينوي تأليف حكومة تحكم لا حكومة حرب داخلية (في صفوفها) سرعان ما تشعل نزاعاتها حروباً في الشارع كنا نقول متفائلين إنها مستحيلة لو لم "يسبق الفضل" ولم تتمكّن الحكومة من وقف التدهور إلاّ بفعل الوساطات الاقليمية والدولية.

(16-6-2008)

عجلوا في الحوار ... بديل الكلام فالحرب  

(...) بصراحة؟

الطريق التي نقف كلنا، موالين (لمن؟) ومعارضين (لِمَ؟) على مفترقها لا تتحمّل المزيد من التردد... أو نصير كلنا، والشرق الأوسط معنا، الى هلاك عظيم.

أية خطة سير نقترح؟

الاقتحام... أي اقتحام الحوار، قبل ان يفلت زمام الحرب من المهوّلين بها، الجاهلين انهم سيكونون أول من يدفع ثمنها، يميناً ويساراً، وقد لا يسلم منها سوى واحد من الذين قد يخيل اليهم انهم سيكونون هنا لحساب الأرباح والخسائر، فلا يجدون سوى مجموعات من الجثث لا تحتاج الى احصاء، واولاها الدستور الذي سمح بعضنا لنفسه بالمشاركة في زجّه في "العصفورية" التي صرنا نعيش، بمعية رئيس العهد التعيس، المتوجّه، مرِحاً وفرِحاً، الى نيويورك وهو لا يعرف الظلمات التي تنتظره هناك!

عملياً، ماذا يمكن؟ ماذا نفعل؟

أولاً وقبل كل شيء نتوقف عن مهرجان التصريحات، الهادئة منها قبل المجنونة، ونتوقف عن "الزجل" السياسي المتلفز القبيح التعابير وفي غيابها العقيم النتائج...

وفي يد الرئيس بري، قبل سواه، ان ينقلنا من هذا المهرجان الى الكلام العقلاني المسؤول، فيسأل كل فريق، ماذا يريد وما هي حدود تحمّله للحلول التوافقية وأية حلول يقترح؟

يشجعنا على البحث في ذلك كون المرشحين للرئاسة الذين اختاروا الادلاء ببياناتهم (في غياب الآلية الدستورية النظامية المطلوبة للترشح والترشيح – وهذا ما لا ننفك نقترح اشتراعه، ولا من يجيب!) كانوا كلهم على سباق في الاعتدال... ويعرف الرئيس بري – بما له من حنكة وطول باع وطويل خبرة – ان الذين لم يتكلموا بعد سيرددون العبارات ذاتها، ولا قدرة ولا قِبَلَ لأحد على سوقنا في دروب التطرف وتحمّل ما ينجم عن ذلك.

فلننتقل اذاً من مسارح المباريات الخطابية الى الاجواء الحوارية الحقيقية، الأجواء الحميمة حيث يمكن رئيس المجلس الذي دعانا

في الاصل الى "طاولة الحوار" ويتسابق على اختطاف رعايتها من لا قدرة لهم على لملمتها بحيث لا تخرج على الممكن والمقبول والمعقول... نقول: حيث يمكن الرئيس بري ان يسمي الأمور باسمائها و... أسماء رجالاتها،

ونخرج من الجدل العقيم حول قواعد اقتراع برلماني نعرف ان اختيار الرئاسات والعهود كان دائماً يتم خارجه، فيأتي "الاقتراع" تكريساً للاختيار "الوطني" المجال، الدوليّ "المباركة".

نقول "دولي" المباركة، نلفظ الكلمة ولا نخاف انتقاداّ لأننا نعرف ان المكابرين سيترددون كثيراً قبل القفز في مجهول، بل في "أتون" كبريت التدويل الآخر، تدويل الحرب!

واستلهام الشرعية الدولية هو وحده البديل من الحرب لأنها حصانة لبنان وسوريا في آنٍ واحد. وهو حماية الوطنين من العدو المشترك اسرائيل، المتربص بنا من الحدودين "المتكاملين"، الجنوب والجولان. فحذار اللعب بالنار يا مدّعي حراسة تلك الحدود والولاء لهذه!...

وحذار الدخول في لعبة العدو الاسرائيلي ومشاركته موضوعياً وخدمة مآربه القريبة والبعيدة، بينما ندّعي العكس بما تعتمر به عقولنا من جهالة، وما تجيش به قلوبنا من غضب وأحقاد!

(17-9-2007)

صورة للمستقبل ... أي ارهاب يرسمها؟

(...) ذات صباح - يتذكر عشاق فلسطين - فوجئ اهالي حيفا بعصابة نزلت من سيارة في ساحة المدينة و"زنّرت" السرايا العثمانية (التي كانت قد تحوّلت مبنى للبلدية) بحزامٍ من أصابع الديناميت، ثم اشعلت فتيلها والشرطة تنظر اليها مذهولة... فهرولت هاربة... ... لحظات وانهارت السرايا بمن فيها من المدنيين! اعضاء العصابة؟... ما غيرهم، عصبة شارون، بل العصابة التي ينتمي اليها: "الايرغون" و"الشتيرن" وربما بالذات قائداها آنذاك مناحيم بيغن واسحق شامير اللذان صارا رئيسي حكومة وخلّفا، من جيلهما، شارون! أما العرب - بالوصف الذي اكتشفته اميركا تمييزاً لـ"المقاومة" عن الارهاب - العرب كانوا آنذاك "يقاتلون" مواجهة، فقط يقاتلون!] - وبعد، غني عن التصريح ان ما يقال عن سياسة دمشق الفلسطينية المرجوة العتيدة، يصح قول مثله عن سياستها اللبنانية وأكثر: لن يجدي سوريا ان تدخل مجلس الأمن وفي حسابها تكرار "بازار" انضمامها الى "عاصفة الصحراء"... ذلك ان لا عاصفة مهيأة لصحراء لبنان، هذه المرة، كما كان لصحراء العراق... انما قد تهب "العاصفة"، ولن ترحم حدوداً متى انطلقت وهبّت، اذا ظنّت سوريا ان في وسعها تحريك جبهة هنا او "تسخين" جبهة هناك، علّ ذلك يفيد هذا الحليف او ذاك، فيجني من مغازلاته الخاصة مع أهل العاصفة مكسباً ليس لسوريا، في النهاية، ولا للعرب منه مصلحة أو حصة... ان سوريا، اذا هي اسلست لنفسها القياد في مثل هذه السياسة - لمجرّد انها تعودتها! - ستزرع الشك في ارض عواصم القرار العربية كلها، فضلاً عن انها ستقع في شرك تحويل موقفها من فلسطين، مثلاً، او تحويل موقفها في لبنان - مثلاً، مثلاً، مثلاً... - سبب تمحور عربي تظنُّه، ظاهرياً، لمصلحتها، وينقلب سحره في النهاية على سحرتها الصغار! هل من حاجة الى مزيد؟ نعم... ستخسر سوريا الدور العربي الممكن ارتقابه، بعد نهاية "الحرب على الارهاب": شركة مع اوروبا وروسيا المتقرّبة أكثر فأكثر من أوروبا، في عالمٍ تقلع أميركا عن الانفراد في حكمه والتحكم فيه "من فوق" - من جو الصواريخ وقاذفات القنابل غير المنظورة. ذلك أن صورة العالم غداً لن يرسم خطوطها ارهاب القوة "المتفوقة"، إنما الفائقة الهشاشة، ولا ارهاب بن لادن او أي ارهاب "بن لادني" - صامتاً كان او متنكراً - يمكن ان "يُشبَّه له" ان مستقبل الانسان هو في العودة الى جاهلية الكهوف المكلَّسة...

(15-10 2001) 

"حلم عربي" جديد... إنما مسيحي!

(...) ماذا في وجه الوهم الاسرائيلي عند العرب؟

النموذج اللبناني، وهو بطبيعة تكوين لبنان، موئل الحوار الحي المتعايش يومياً بين الأديان والثقافات.

واذا تفجّر هذا النموذج، وتركنا تعدّديته تنزل من مجالس الشورى الى مزالق التظاهرة الشارعية بما فيها مخاطر المنازلات المسلحة، انتهى بنا الأمر الى جولة جديدة من "حروب الآخرين"... والآخرون المعروفو الهوية والعداوات، لا يزالون يتربصون بنا يريدون نقل عداواتهم من جديد الى أرضنا والعقول، رغم فشل حروبهم في ازالتنا من الوجود الحر المستقل طوال ثلاثين سنة وتزيد.

والرسالة التي نرجو ان يحملها، اليوم، السيّد البطريرك اللبناني الى الرئيس الفرنسي وعبره الى المسيحية في العالم هي مثلثة:

أولاً: ان انقاذ المسيحية المشرقية لا يكون بالاستعداد لاحتضان اعضاء الكنائس الاعرق في ارض الغربة، بحيث تتحول "الارض المقدسة" محجّات سياحية مفرغة من وجود الشهادة الانسانية الحية فيها!

ثانياً: ان الحفاظ على النموذج اللبناني وانماءه – محصّناً بشرعية دولية لاستقلاله وسيادته ومؤسساته الدستورية هي نقيض الترتيبات الكولونيالية في وجه الامبراطورية العثمانية – الحفاظ على هذا النموذج هو ضرورة عربية، بل اسلامية في كل مكان للإسلام، لكي يبقى افق التاريخ المستقبلي فسيحاً أمام نهضة عربية جديدة تخلّص الدول العربية، بل الاسلامية كلها من الانزلاق على مهالك "اصولية جهادية" غريبة عن طبيعة الاسلام، بل هي نقيضه لأنها على صورة الصهيونية التي زرعت الارهاب في ارضنا ونكاد نقول درّبتنا عليه، وهي – أي الصهيونية - التي تسعى بكل الوسائل، من الكتب والمقالات الى الافلام التلفزيونية والسينمائية، الى نشر الشك في الاصول الايمانية المسيحية.

ثالثاً: ان لا "حلف بين الحضارات" يبقى ممكناً اذا لم تنجح الرسالة اللبنانية، فتصير هي – لا اسرائيل – خميرة الديمقراطية في المشرق بكل دياناته، بما فيها اليهودية... ولعلها الأحوج الى التحرير من رواسب العنصرية التي انتقلت من اعدائها اليها... وابرز مظاهرها حائط الخوف والذل الذي تسيّج به دولتها!

 (15-5-2006)

13 نيسان ...آه ..عيد الجنون !

في الساحة الكبيرة، حيث كانت تقام الاستعراضات العسكرية، ايام زمان، كانوا امس، ثلاثة، أربعة ينتظرون...

سأل واحد: اين الجيش؟ تأخر...

وتطلعوا الى السماء، لعلهم كانوا بعد يظنون انه لا يزال للبيت سقف!

قال آخر: نحن في القنيطرة...

اجابوه: لا، بل هذه بيروت لكنك لم تعد تعرفها... هي ساحة الشهداء!

- اي شهداء؟ تكاثروا علينا!

- اي شهداء؟... اي شهداء؟...

ما همك؟ نحن لم نعرف مرة شهيدا لا نستمر نحزّ به حتى بعد الشهادة!

ومضوا يفتشون عن الاستعراض.

- اوليس اليوم عيدا؟

- بلى... ذكرى 13 نيسان!

- 13 نيسان؟... آه... عيد الجنون!!!

ما اغلاه هذا الجنون، وما اكفركم جميعا.

- في القنيطرة نحن؟ سأل واحد...

- لا، بل في السويس، او بور سعيد...

اجاب ثالث: مثلنا مثلهم الآن... ظننتم يا مجانين ان لبيتكم سقفا، وان في وسعكم ان تضحكوا على التاريخ الى الابد... ان تعيشوا سلما بلا ثمن، وترفا بلا حساب... ترفا فكريا كالترف الاقتصادي، كالترف السياسي... بلاد بلا وطن، ودولة بلا حكم، ودستور بلا حكومة، وحكومة بلا رجال، بل رجال بلا رجال، وشرائع بلا بوليس ولا جيش، ولا، ولا، ولا...

- ها هو الجيش، جاء للاستعراض!

- مجنون... هو جيش القتلى... القتلى من سواه طبعا... انظره، لم يكن مرة بهذا العديد... ما اجمل الشهداء يعودون للاستعراض... هم اتحدوا هناك... وانظر المشوهين والمعتوهين والجرحى وكل المتوجعين عنا... هؤلاء جيش!

وسأل آخر: هل يحتلوننا، ام هم هنا للاستعراض في العيد؟

اجابوا كلهم معا: لا... الاموات لا يحتلون الاموات... ارضنا باتت لها الآن حرمة الموت... الا تسمع السكون الرهيب؟

واستطرد واحد:

- خطيئتنا التاريخية اننا ظننا انه كان يمكننا الدفاع عن الارض بالنار التي تحرقها، وعن الوطن بالآلات التي تدمره، وعن السيادة بطرحها في اسواق الحمايات الوهمية والضمانات الواهية!

سأل آخر: لعل الجيش ينتظر الرئيس للاستعراض!

- رئيس الاموات؟ جمهورية ام مقبرة؟

- ها، ها، ها... (ضحك الموت) رئيس جمهورية الموتى... جميل اللقب

ومر بالفعل جيش حقيقي، لكن احدا لم يستعرضه... (...)

(13-4-2005)

__________________

"إرفعوا أيـديكم عن لبنان" … و"اتركوا العرب تعيش!"

الشعار الذي أطلقه الرئيس المغفور له أنور السادات، متوجها به الى عرب معينين كانوا قد وضعوا أيديهم على لبنان (فلم يرفعوها… الى أن قامت ثورة في لبنان بعد ثلاثين سنة)!.

هذا الشعار، يعود زمنه اليوم، وتعود الحاجة إليه، إنما معممة… وما دمنا في استذكار الشعارات، فأحرى أن نستعيد الشعار – الصرخة الذي أطلقه لبنان في مجلس الأمن بعد اجتياح اسرائيل الكبير الأول، عام 1978، فلبّى مجلس الأمن وكان القرار 425 الذي أنجب، بعد الاجتياح الثاني، قرارات أخرى لم تردع إسرائيل حتى كانت حرب تموز الأخيرة عام 2006، وكان القرار 1701.

فإلى الجميع، نعود نكرّر: "اتركوا لبنان يعيش"!…

***

ولا يفوتنا ان الدعوة قد لا يلبيها الذين صار واضحاً (إسرائيل وسواها) ان المطلوب بالنسبة إليهم هو العكس: يجب ان يزول لبنان الذي هو بمثابة "الحصرمة في العين"، وغصّة في القلب… وأبعد من الرسالة – العبرة التي تبرهن ان نظامه هو النظام الأمثل الذي يشكّل، ما بقي، تحدّياً للدول الدينية – العنصرية، كإسرائيل، والدول المزوَّرة الديموقراطية، وما أكثرها، إسرائيل وعرباً كذلك!!!

ولا نستغربن ان يكون ثمة تحدّ تاريخي لدول الشرق الأوسط كلها في مجرد قيام الدولة الصغيرة، فكيف باستقرارها، نيّرة، متمادية النهوض ولا موارد لها غير التفوّق في الانماء الانساني والخلق الثقافي والعطاء الحضاري – وتصير هذه الدولة المختبر الكوني لحوار الحضارات وتعايش الديانات بحرّية، وقد ولّدت ديمقراطيتها نهجاً دستورياً توافقياً يمكّنها من ان تحتوي في تعددية فريدة في العالم ما يزيد عن 17 متّحداً طائفياً وعرقياً وتاريخياً، وتستمر تستقطب الأقليات المضطهدة في المنطقة، من الأرمن وصولاً الى الأكراد والكلدان.

***

لماذا هذان الشعاران اليوم؟

حتى يكون في متناول الأمين العام للجامعة العربية ما ينادي به لا في "مشاوراته" مع الأفرقاء اللبنانيين، بل كرسالة من الجامعة العربية الى محيطها الاقليمي والى محرّكي النزاعات الاقليمية – الدولية التي تعلن، ولا خجل ولا وجل، – تعلن وتفعل – أنها تريد استباحة الوطن النموذجي الصغير ساحة لحربها – مثلاً، كما تصرّح إيران – على أميركا… (وهذا ما أعلنه المرشد علي خامنئي أكثر من مرة ولم ينفه ولا مرة عندما تصدّى له ممانعون يقولون إن أميركا ليست في لبنان كي يحاربها هنا).

***

من هذا المنطلق، نتوجّه الى سيادة الصديق الأمين العام الأستاذ عمرو موسى قائلين ان مهمته الكبرى ليست الوساطة بين الرئيسين البري والسنيورة، ولا هي في مناشدة "حزب الله" أو أي حزب لبناني آخر، بل في التوجّه، باسم الجامعة، كما فعل في مجلس الأمن طارحاً مشروع السلام العربي كصفقة واحدة متكاملة لطي صفحة ما سُمّي مجازاً "قضية الشرق الأوسط" وهو في الواقع الصراع العربي – الاسرائيلي الذي صار الآن يحتضن صراعات متكاثرة، بين العواصم العربية وبين إيران وتركيا وسواهما، فضلاً عن النزاع الاسرائيلي – الإيراني، ولو بالواسطة…

…وغداً ربما، من يدري، ساحة "حرب فاترة" انما سهلة التسخين بين الجبابرة العالميين المتكاثرين، وكلهم يتحدّون "الاحادية الاميركية" التي زال "مجدها" قبل ان تستكمل ذاتها امبراطوريةً خليفةً للعثمانيين الذين تمرّد عليهم العرب ما يزيد على خمسة قرون.

***

"اتركوا شعبي يعيش"؟

لا، بل: "اتركوا العرب تعيش" هو الشعار الأصح الذي نأمل من الأمين العام أن يرفعه باسم الجامعة التي لم تعد تجمع شيئاً ولا توحّد بين "أحد" وأحد… فكيف لا تزول؟

"اتركوا العرب تعيش". نعم دونك يا ايها الأمين العام هذا الشعار، تحمله باسم لبنان الدامي الممزّق إلى العرب أجمعين ومن بعدهم إلى العواصم الغربية والشرقية وصولاً إلى الصين، بل تجوب به العواصم الأقرب، كطهران… و"الاقربون أولى بالمعروف".

وبصورة عملية، في الزمن الذي تتسابق فيه المراجع الأوروبية وحتى الأميركية الى دعوة بعضها البعض للحوار مع إيران، لماذا لا يكون المنطلق حواراً عربياً مع طهران؟

حواراً باسم جميع العرب، بل باسم من يُظنّ انه الأبعد، اي السعودية ومصر، فلا يستمر الحوار الإيراني – العربي محاولة استئثار بالصداقة الإيرانية في متناول عاصمة عربية دون سواها، ولا يتحوّل كما يحاول البعض، أو هكذا يخشى، تمنيناً بردعٍ لخطر إيراني(!!!) على هذه الدولة أو الإمارة العربية دون سواها.

***

بكلام صريح فصيح: لا تضيّع وقتك يا سيادة الأمين العام هنا في بيروت حيث معظم الأفرقاء ليسوا أسياد مصيرهم ولا صنّاع قرارهم.

دونك رأس النبع.

ودونك الكلام الصريح الذي تتقن أكثر من أي مسؤول عربي، وهو في متناولك، بل هو مسؤوليتك قبل الآخرين.

بلور الرسالة العربية الجديدة، قبل ان تفوت الفرصة في الدعوة الى "رفع الأيدي عن المصير العربي"…

نعم، "المصير العربي" لا مصير لبنان وحده الذي قد يستحيل صورة لما ينتظر العربَ من المحيط إلى الخليج!

وكرّر للحكّام، والمعارضين ذلك، وللمرشدين والثائرين، كرر تحذير أم عبدالله لابنها عشية ضياع الأندلس:

لا تبكوا كالنساء، دولاً لم تعرفوا كيف تحافظون عليها كالرجال!

ولبنان هو الامتحان لانه أندلس العرب اليوم!.. ويكاد يُزال لولا الاعجوبة فيه التي تجعل من الممكن ان تتزامن عنده، في السرايا ذاتها صلوات المسلمين والمسيحيين، وفي ساحة السرايا دعوات مسعورة الى الثورة، وعلى مسافة أمتار منها مهرجان موسيقي لفيروز خلاصته كاريكاتور لحاكم أضاع خاتم الحكم وشعبه يقول له ان الحكم لا يضيع، فيلقاه عائماً على سطح المياه في البئر حيث سقط "الخاتم". وكل واحد يصفّق لذلك على هواه ويفسّر كما يتمنى!

ثم… ثم، قبل الظهر سباق ماراتوني دولي يقطع شرايين الحياة في المدينة بينما القادمون الى ساحة الثورة يجدون إليها طريقاً وهم يهزجون!

(4/12/2006)

______________________________

"عائدون" إلى فلسطين "القضية" أما الأرض، فمؤجّلة؟!

هل كنا نحتاج الى نصف قرن ويزيد من القمم العربية المتكاملة حيناً ثم تتناطح أحيانا، حتى ندرك أن القضية الفلسطينية وحدها تبقي اجتماعنا… نقول "القضية" ولا نقول الأرض، لأننا نستمر كلما حاولنا استعادتها، نجهز عليها تبديداً وتقسيماً… بينما الثنائي الامبراطوريّ الحنين التركي – الفارسي ينساب الى قلب عروبتنا، مترقباً دعوته ربما للتوسط بيننا، وبين الفلسطينيين الذين تعجز جامعتنا عن الجمع بينهم، فيقفزون الى هذه العاصمة حيناً ثم الى تلك أحياناً بحثاً عن أرض حوار كان يجب أن يدور على أرضهم هم لا أرض سواهم!!!

***

…ويرتفع شعار "عائدون"، إلا أنه لا يعني العودة المرتقبة الى الأرض بل فقط الى نبش الاختلافات. وفي أحسن الأحوال ابتكار قواعد مصالحات مستحدثة وحوارات غنية فقط بالآمال و"التفاؤل بالخير" ولو لم نجده؟

…رغم طول الانتظار والتفاؤل المعتصم بالصبر!

***

وإذ تفشل القمة في تحويل غزة الى لبنان آخر، يطمئن لبنان الى أنه لن يكون الوطن البديل الذي يستوطنه الفلسطينيون الذين يحلم نتنياهو بتهجيرهم اذا، اذا استقر له الحكم الذي لا يزال يطمح اليه.

وهكذا، بمصادفة تاريخية رائعة ربما تحولت زيارة الرئيس اللبناني لباريس مناسبة ليؤكد الرئيس الفرنسي ما سبق له أن قاله من أن نظرة فرنسا الى لبنان شيء مختلف عن نظرة سائر الدول الكبرى الى الدول الصغرى.

لأن فرنسا ملزمة بكونها الدولة التي أعلنت عام 1920 اعتراف "عصبة الأمم" آنذاك بأن لبنان المنسلخ من الامبراطورية العثمانية هو دولة تستحق "انتداب" عصبة الأمم لرعاية استقلالها وقيادتها الى التمتع بهذا الاستقلال كاملا ناجز السيادة.

(16/3/2009)

________________________________

نحو رؤية استراتيجية لبنانية تشكل جسراً بين آسيا والغرب

هل تستمر الانتخابات اللبنانية "بلدية" في عهدة الرقابة الأوروبية التي أودعتنا صناديق اقتراع "رمزية" الشفافية حتى يرى كل ناخب منا كيف ان الورقة التي كتب عليها اسماً لن يفسح أمامه في مجال ممارستها.

… وتظل الاسماء مسمّرة في مكانها تنتظر ان تصنّف في الاستفتاء التي يريدونها ان تصير التعبير الدولي عنه الاكثرية "الحاكمة" التي ترعاها واشنطن بكثير من الخفر وهي تشدّها الى قمة غربية التوجه تريدها ان تكون موئل سلام الشرق الذي تمنع اسرائيل قيامه باستمرارها في معارضة دولة للفلسطينيين تشارك في قدسٍ غير مقتسمة تكون عاصمة الدولتين معاً، والعاصمة العالمية لكل الديانات السماوية.

***

في نظرنا، لبنان هو الدولة العربية المؤهلة عضوياً بل كيانياً لأن تكون منطلق هذه الرؤية الاستراتيجية التي تنادي أوروبا لبنان لتعهدها توثيقاً لانتسابه الاوروبي. ووحده لبنان اذا فعل يمكنه ان يدعو في المقابل الى التجاوب مع القمة "الآسيوية" التي تدعو اليها ايران وترعاها موسكو باليد اليسرى وتحويلها من قمة حرب الى قمة تكامل السلام باستيعاب "حزبية الله" وتحويلها من الحرب على مؤمنين بالله اياه انما بغير تحزب، مما يمكّن القمة الآسيوية هذه من محاولة احتضان الموقف الباكستاني الداعي حتى بالعنف الى منع استمرار وانتشار الارهاب الاسلامي و"الطالبانية" كما لا احد… غير الجبهة الباكستانية وامتداداتها الاستراتيجية المعلنة وغير المعلنة.

***

ماذا يمنع بيروت من أن تتجرأ وتفاتح وزير خارجية الروسيا عندما يزورنا، إن لم تقنعه بالعدول عن زيارتنا، لسبب من عندياتها، ثم تبيع ذلك لواشنطن التي قد يناسبها الأمر في مقابل ثمن سوري ما!

__________________


ستشهدُنا من بعدك كلّ نهار
يا ابني، يا حبيبي!
 

أمضي، في الفراغ الذي تركتَ من بعدك في دنيا الحياة، أسألك: لماذا، لماذا؟

أسأل طيفك الذي يحوم حولي ويُثقل الفراغ بصوتك الذي لا يهدأ، مروراً بقَسَمك حاملاً صداه هدير جماهير "ساحة الشهداء" إياها، وكأنها امتدّت وتمتدّ بنا وبالسابقين واللاحقين من قرن إلى قرن: لماذا لم تخف من الموت؟ لماذا كسرت التنبيه وهرولت الى الشهادة وكأنك على موعد مع القتلة الذين كنا وكنتَ تعرف أنهم ينتظرونك؟ لماذا ذلك الزهد بالذات وبالحياة؟…

أحمل على شفتيّ وهج القبلة التي لم أجد جبينك لأطبعها عليه قبل أن يلفّك التراب، ولا تركوني ألمس وجهك الضاحك لأغسل عنه بدموعي آثار البارود الذي أحرقَك وأحرقَ قلبي وقلوب محبيك والمتعبّدين للوطن والحرية كلهم…


***


التراب الذي لم يبرد ولم يتحجّر من ثلاث سنوات ليس حاجزاً بيننا وبين الموت الذي تسكن! الموت صار هو حياتنا، فأعرف أنك تسمعني وأنك استمررت تنظر إلى كل ما صرنا إليه من بعدك…

لا عزاء لنا بعد… لكن العزاء آتٍ، لأن ليس في التاريخ – ولا القدر – منطق أو ناموس يسمح بأن تذهب الشهادة سدى… فاصبر وانتظر في كنف الحب المؤمن الذي يُدفئ غربتك، أعرف…

لن تنتظر إلى الأبد، لأن الأبدية صارت خلفنا ووراءك.
***

إفتح عينيك يا ابني، يا حبيبي.
ساعة اليقظة لا بدّ آتية، ويأتي لقاؤك مع المؤمنين بقَسَمك، فتراهم كيف يتجاوبون.
***

الشهداء لا يشعرون بيأس لأنهم يدركون بحماسة الشهادة أنهم يستمرون يستشهدوننا معهم بفرحٍ إلى ساعة القيامة الآتية في تاريخٍ، إذا أردناه، هكذا ما كان منظوراً، فهو هو، لا سواه، المنتصر على الموت. ليس القتلة الذين ينتصرون ولو اغتالوا الشهداء ببربرية تحرق الأجساد…

ولو غرّروا بعقول الذين يصدقونهم.

فالروح الباقية أبداً أقوى من البارود ومن نار الجحيم الذي فتحوا أبوابه ليُطلقوا ناره… ستحرقهم هذه النار إياها لأنها سترتد عليهم… فلنؤمن معاً!

عهد علينا يا ابني كل نهار: لن نستسلم للنار مهما اشتعلت! ولن نخاف الموت الزائل أمام دفع الحياة.

الشهادة الدائمة الحياة تشترينا وتقيمنا حتى من الموت وتُحيينا.
فلنؤمن ولا نتردد!
 

12/12/2008


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم