السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

ما كان شعور الوزير باسيل؟ ماذا سيكون شعور الرئيس بري؟

المصدر: "النهار"
غسان صليبي
ما كان شعور الوزير باسيل؟ ماذا سيكون شعور الرئيس بري؟
ما كان شعور الوزير باسيل؟ ماذا سيكون شعور الرئيس بري؟
A+ A-

قد يكون الوزير جبران باسيل صوّت للرئيس نبيه بري أو وضع ورقة بيضاء. لا يهمّ.

المهم أن الحزب الذي يترأسه، قرر دعم ترشيح الرئيس بري، بالانتخاب أو بالورقة البيضاء.

لا فائدة سياسية لهذا الحدث، ولا انعكاسات برلمانية أو حكومية له.

فعلاقة "التيار الوطني الحر" بالرئيس بري يحددها تمسك "التيار" بـ"التفاهم" مع "حزب الله" وليس بشيء آخر. وهذا التمسك يوازي في اهميته حرص "التيار" على بقاء "العهد" واقفا على رجليه.

ما يهمّني أكثر، هو انعكاس هذا التأييد على الوزير باسيل شخصياً، ونفسيا.

الوزير باسيل ليس وحده من بين السياسيين، الذي يمكن أن يفعل عكس ما يقول، أو يقول عكس ما يفعل.

لعل هذه الصفة هي أكثر ما يجمع بين افراد الطبقة السياسية اللبنانية.

لكن انتخاب الوزير باسيل وبعض نواب حزبه الرئيس بري، رئيسا لمجلس النواب، بعدما وصفه بـ"البلطجي"، يبدو عملاً فاقعاً.

ليس فقط لأن الاتهام لم يمض عليه وقت، وقد تسبب بأعمال شغب في الشارع.

بل لان "البلطجي" هو، بالتعريف، من يقوم بأعمال مخالفة للقانون. وها هو الوزير باسيل ينتخب الذي وصفه بـ"البلطجي" على رأس المؤسسة التي تضع القوانين.

"التنافر المعرفي" Cognitive Dissonance في علم النفس، هو حالٌ من التوتر او الإجهاد العقلي او عدم الراحة يعاني منها الفرد الذي يحمل اثنين أو أكثر من المعتقدات أو الأفكار أو القيم المتناقضة في الوقت نفسه، أو يقوم بسلوك يتعارض مع معتقداته وأفكاره وقيمه.

تركّز نظرية ليون فستنغر حول "التنافر المعرفي" على كيفية سعي البشر إلى خلق حالٍ من الانسجام الداخلي، بحيث يحرص الفرد الذي يواجه "التنافر المعرفي" على الحد من هذا التنافر.

بحسب فستنغر، الشخص الذي يقوم بعمل ما يتناقض مع موقفه، سيلجأ حكما الى طريقة للحد من هذا التنافر، من بينها:

تبرير السلوك او الإدراك.

تغيير السلوك او الإدراك بإضافة مدركات جديدة.

نعرف كيف حاول الوزير باسيل الحد من "تنافره الادراكي" قبل الانتخابات.

لكن يبدو أن ما قاله باسيل من ان بري تنطبق عليه مقولة الرئيس القوي لم يكن يكفي وحده لإقناعه بضرورة تغيير موقفه من بري.

بعد ان اضطر لتبرير تغيير موقفه، الى اللجوء الى مقولة ان الاقوياء في طائفتهم من حيث حجمهم التمثيلي، هم الذين يجب أن يتمثلوا في أعلى المسؤوليات، ها هو يستعين بمفهوم القوة ايضا، لكن هذه المرة في الشارع، ليبرر سر "تعقله" وتسوية "المشكل" مع الرئيس بري.

للاسف، القوة هنا وهناك، هي السبب المستخدم، من أجل تبرير تغيير المواقف. لا يبدو أن للقناعات مكان في هذه "السياسة".

ليس صعباً على الوزير باسيل التعامل مع التناقضات في مواقفه. فهو قادر ان يكون مع العلمنة ومع "القانون الأرثوذكسي" المذهبي في وقت واحد. او أن يكون مع محور الممانعة من جهة، ومع اعتبار ان لا مشكلة ايديولوجية مع إسرائيل، من جهة ثانية.

مجددا، الوزير باسيل ليس الوحيد من بين السياسيين الذين تعج مواقفهم بالتناقضات. بل ربما هو الأقل قدرة على إخفاء هذه التناقضات.

وهي تناقضات ولّدها خضوع معظم أفراد الطبقة السياسية، لتفاهمات وتسويات، فرضتها موازين القوى، وليس القناعات السياسية.

وليست مصادفة ان تكون منتجات هذه الطبقة السياسية هجينة، كقانونها الانتخابي مثلا. فالتلاقح القسري بين الاضداد، ينتج منه أفكار وأعمال هجينة.

في بلدٍ اصبحت فيه التناقضات في الفكر والاعمال في صلب الممارسة السياسية، لا بل في صلب التكوين الشخصي للسياسيين، كيف يمكن تطبيق نظرية "التنافر المعرفي" على السياسيين؟

هل لا يزال السياسي اللبناني يشعر بالتوتر او بالاجهاد العقلي او بعدم الراحة، عندما تجتمع في شخصه، التناقضات في القيم والمعتقدات والافكار؟

هل يسعى كأيّ فرد عادي آخر، للحد من هذه التناقضات؟

ليس الجواب سهلاً حتى على ليون فستنغر.

وحدهم السياسيون اللبنانيون يمكنهم ان يساعدونا في الاجابة، اذا ما كشفوا عن تناقضاتهم بمهارة الوزير باسيل وصراحته.

ماذا تراه كان شعور الوزير باسيل بعدما صوّت للرئيس بري؟

لست من الذين سيعلمون.

جلّ ما أتمناه هو ان يكون الوزير باسيل خرج من هذه التجربة أكثر تواضعاً، وأكثر وعياً لأخطار حصر الاعتماد في السياسة، على وهم القوة.

لعلني أبالي أكثر بشعور الذين انتخبوا الوزير باسيل لأنه تهجم على الرئيس بري.

كم أشفق عليهم.

في انتظار معرفة شعور الرئيس بري اذا ما اضطر مستقبلاً لانتخاب باسيل رئيساً للجمهورية، كم اخاف على أولادي وعلى مستقبلهم، في بلد لم يعد فيه لا قيم ولا ومبادئ.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم