السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

الجريدة الرسمية تحتاج اشتراكاً... أي أسباب؟

المصدر: "النهار"
م. ب.
الجريدة الرسمية تحتاج اشتراكاً... أي أسباب؟
الجريدة الرسمية تحتاج اشتراكاً... أي أسباب؟
A+ A-

لطالما اشترى المواطن اللبناني الجريدة الرسمية الورقية مقابل الحصول على معلوماتها. اختلف الموضوع في زمن "الديجيتال"، إذ بات تصفّح الجريدة الرسمية الإلكترونية مجانياً، إلى حين. اختلفت الأحوال راهناً، مع تسعير الجريدة الرسمية الإلكترونية مقابل بدل مادي سنوي يدفعه كلّ من يرغب في تصفّحها.  

تأتي خطوة كهذه، في ظلّ لجوء غالبية المواقع الإلكترونية إلى سياسة تشفير محتواها والإفادة منه مادياً، إسوةً بالمطبوعات الورقية.

ويكمن الفرق بين الجريدة الرسمية والمواقع الإلكترونية في أن الأولى لا تبغى الربح، وشراءها ورقياً مقابل بدل، ارتبط بتكاليف الطباعة والنشر التي انتفت راهناً في زمن الحبر الإلكتروني "السحري". ويبقى احترام المعلومات المقدمة في الجريدة الرسمية والتأكيد على جديتها ونوعيتها عاملاً يتيح تثمينها مادياً ويشرّعه، على أن يحمل البدل المادي المقطوع صفة الرمزي.


ويعتبر تشفير معلومات الجريدة الرسمية، خطوةً ذات بعد إصلاحي، من شأنه أن ينظم كيفية الحصول على المعلومات واحترامها، بدلاً من اتاحتها لكلّ من يرغب في التنزه داخل الموقع بغرض التسلية أو تصفح المكتوب، ما يؤدي إلى الضغط على الشبكة والتأثير على نوعية المعلومات المقدّمة وبطء الخدمة المقدمة، وهي كلّها عوامل من شأنها التاثير سلباً على المواطن الذي يحتاج إلى الإفادة من المعلومات المدوّنة.

ولكن النظر إلى النصف الفارغ من الكوب، يحتمّ مقاربة تثمين الجريدة الرسمية من منطلق سلبي. ذلك أن الوصول إلى الجريدة الرسمية كان متاحاً بموجب الدخول إلى الموقع الإلكتروني لرئاسة الوزراء بصورة مجانية، وأضحى اليوم مدفوع البدل. وينعكس ذلك، صورة سلبية يأخذها المواطن عن دولته التي لم تراعِ حقّه في الوصول إلى المعلومات، خصوصاً أن الجريدة الرسمية معنية بنشر القوانين والمراسيم.


مقاربة قانونية

ويضيء الخبير الدستوري الدكتور عادل يمّين على تثمين الجريدة الإلكترونية مقابل مبلغ مادي من زاوية دستورية. ويقول لـ"النهار" إن " قانون تعزيز الحق في الوصول إلى المعلومات الذي أقره مجلس النواب السنة المنصرمة، يفرض نشر المعلومات اللازمة في الجريدة الرسمية ومنها المعلومات المتعلقة بالأسباب الموجبة لأي قانون، وهي تالياً معلومات تعني العموم، ومن المفترض الوصول اليها بصورة مجانية، خصوصاً أن القوانين والمراسيم التي تنشر لها طابع إلزامي".

ويتساءل يمّين: "كيف يعلم المواطن إلى أي قانون يخضع ويحاسب في حال المخالفة إذا لم يتمكن من الوصول مجاناً إلى الجريدة الرسمية؟ الأهمية في أن يكون لدى المواطن القدرة على معرفة حقوقه وواجباته ومعرفة القوانين والمراسيم التي نشرت، كما أن بعض مهل الطعن تسري منذ تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية. من هذا المنطلق، كان من الأحق أن تحافظ الجريدة الرسمية على صورتها المجانية، لا أن تقيد بثمن".


اقتصادياً 

ويقاربُ الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة تثمين الجريدة الإلكترونية الرسمية من وجهة نظر اقتصادية. فهل من سبب مقنع للتشفير؟ يجيب بأن "الموضوع له اتجاهين. لا بد لضمان حسن الاستعمال من فرض رسم معين على الجريدة الرسمية، وهي مسألة معتمدة عالمياً. الدخول إلى أي موقع ليس مجانياً مئة بالمئة. ولكن لا بد من فرض مبلغ متواضع يقتطع وليس مبلغاً كبيراً. لست ضد فرض مبلغ مادي، ذلك يؤدي إلى احترام المنشور من جهة وتخفيف الضغط على الموقع الإلكتروني بدلاً من الدخول اليه لأغراض عشوائية لا تعود بالمنفعة على صاحبها وقد تعرقل الشبكة بغرض التسلية".

لا شك في أن المتصفّح يدفعُ مبلغاً مادياً زهيداً مقابل طلب الحصول على أي معلومة عالمياً. يعني ذلك احترام المضمون والمساهمة في التكاليف، خصوصاً تلك المتعلقة بالتوزيع والنشر. ولكن حبيقة يسلط الضوء على مسألة أكثر حساسية، متعلقة بالمدخول الذي يؤمن إلى خزينة الدولة من جراء اعتماد البدل المادي. ويقول إن "النشر الإلكتروني لا يحمل أعباء وتكاليف على الدولة. وتدفع أجور موظفي الدولة فقط، وهم في النهاية موظفو دولة. ويمكن تأمين الكلفة الإلكترونية بطرق أخرى مثل الإعلانات التي تنشرها الشركات على موقع الجريدة الرسمية أو تأمين التمويل المادي".

من هذا المنطلق، لا يجب أن يتجاوز البدل السنوي للاشتراك في الجريدة الرسمية الإلكترونية 50 ألف ليرة، لأن الهدف ليس التمويل وتحقيق الأرباح، بل احترام الوصول إلى المعلومات من خلال تحمّل عبء كلفة ضئيلة لا تتجاوز 50 الف ليرة، ويمكن اضافة الاعلانات التجارية التي من شأنها تأمين عائدات إلى الخزينة وتغطية الكلفة. وبذلك لا يكون الهدف تجارياً، بل تحافظ الجريدة الرسمية على هدفها بإعلام المواطن بما يحصل في الدولة من دون عوائق أو موانع من تخفيض الكلفة. ولا يمكن مقارنة الاشتراك الورقي بالاشتراك الإلكتروني، ذلك أن الطباعة الورقية مكلفة بخلاف النشر الإلكتروني شبه المجاني.

الارتدادات

يٌلزم عدد كبير من المواطنين دفع مبلغ مادي مقابل الحصول على معلومات الجريدة الرسمية. ومنهم من يعنيهم الوصول اليها كالمحامين والأساتذة الجامعيين والموظفين الذين ينتظرون صدور المراسيم. ويؤمن الاشتراك عائدات إلى خزينة الدولة. فهل يعكس الاشتراك السنوي المدفوع ارتدادات سلبية؟ يجيب يمين بأن "الهدف من تثمين الجريدة الرسمية تأمين المزيد من الإيرادات لخزينة الدولة. لم تكن الجريدة الرسمية الورقية مجانية في أي وقت، ولكنها تحولت إلى مجانية عندما تحولت إلى إلكترونية على الموقع الخاص برئاسة الوزراء. وتالياً، كان يفترض الاستمرار في المجانية، التي تؤمن وصول كلّ المواطنين إلى المعلومات من باب الضرورة، لأن الأحكام والنصوص القانونية التي تنشر فيها والأحكام القضائية التي تبلغ لمجهولي محل الإقامة، تعني جميع المواطنين، الأغنياء منهم والفقراء، ويحق لكل مواطن الوصول اليها بصورة مجانية".

ويختم يمّين: "يعتبر الاشتراك السنوي مصدر ايراد للخزينة، ولكن الدولة لا يجب أن تتصرف من باب الربح، لأنها ليست صاحب عمل خاص، بل إنها دولة رعاية عليها تأمين الخدمة مجاناً، وليست شركة إلكترونية، كما تؤمن الخدمات في الجامعة الرسمية والمستشفى الحكومي، عليها تأمين الجريدة الرسمية مجاناً. وفي أحدث دول العالم كما في فرنسا مثلاُ، المواقع الإلكترونية القانونية التابعة للدولة يمكن الوصول اليها مجانا".


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم