الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

عندما يتكلّم البابا فرنسيس على "أخذ إجازة والتّنحي": وثيقة سرّية جدًّا، والقمّة طارئة

المصدر: النهار
هالة حمصي
هالة حمصي
عندما يتكلّم البابا فرنسيس على "أخذ إجازة والتّنحي": وثيقة سرّية جدًّا، والقمّة طارئة
عندما يتكلّم البابا فرنسيس على "أخذ إجازة والتّنحي": وثيقة سرّية جدًّا، والقمّة طارئة
A+ A-

كان #البابا_فرنسيس يشرح نصا انجيليا محددا. لكن ما لمّح اليه، شكّل في الساعات الماضية خبرًا تناقلته وكالات اجنبية ومواقع اخبارية غربية. "عندما أقرأ هذا، أفكر بنفسي، لانني اسقف، وعليّ ان آخذ اجازة واتنحى"، على ما قال. والتلميح ذكي. هل قصد البابا ان يشير الى قرب تقاعده، كما فعل قبله سلفه البابا بندكتس السادس عشر، ام اراد ان يوجه رسالة معينة؟ ومن أصاب بها؟


أسئلة اثيرت، وتتزامن مع قمة طارئة دعا اليها البابا فرنسيس اساقفة الكنيسة التشيليانية، عقب فضيحة الاستغلال الجنسي للاطفال التي تهزها. وفي الوشوشات، توقعات ان يقدم عدد منهم استقالتهم بعد القمة، مع اعتبار ان تلميح البابا الى "أخذ إجازة والتّنحي" ربما اراد ان يقصد به اساقفة تشيليانيين.  


العظة  

الثلثاء 15 ايار 2018. ككلّ صباح، احتفل البابا فرنسيس بالذبيحة الالهية في كنيسة دار القديسة مارتا في الفاتيكان، ملقيا كالعادة عظة من وحي القراءات المقدسة. لكن هذه المرة، استرعت الانتباه، لما تضمنت من توجيهات بابوية الى الاساقفة- والبابا لم يستثن نفسه منها- حول الساعة التي تستوجب منهم ان "يأخذوا اجازتهم ويتنحوا".


العظة البابوية ركّزت على مقطع محدد من سفر أعمال الرسل (20: 17-27)، لا سيما وداع بولس الرسول شيوخ أفسس، ليمضي الى اورشليم، "أسير الروح"، داعيا إياهم الى التنبه الى "انفسكم جميع القطيع الذي جعلكم الروح القدس حراسا له، لتسهروا على كنيسة الله...". ومما شرحه البابا، مستلهما عمل بولس: "إنها خطوة حاسمة، خطوة تصل إلى القلب. إنها أيضًا خطوة تُظهر لنا الطريق لكل أسقف، عندما يحين وقت ليأخذ إجازته ويتنحى".  

القديس بولس "قام بفحص للضمير إذا صح التعبير"، على قوله، "وأخبر الشيوخ بكل ما فعله من أجل الجماعة، تاركا لهم ان يحكموا على عمله هذا". "بولس يبدو فخورا بعض الشيء"، على ما يضيف، "لكنه في الواقع موضوعي جداً". وهو لم يتباهَ الا بأمرين فقط: "خطاياه، وصليب الرب يسوع المسيح الذي خلّصه".  


وبتوقفه عند شعور بولس بان "الروح يسير به الى اورشليم"، قال: "هذه هي تجربة الأسقف، الأسقف الذي يستطيع أن يميّز الروح، وعندما يكلمه روح الله، ويعرف ان يدافع عن نفسه عندما يكلمه روح العالم". 


افكار اخرى أبرزها البابا فرنسيس في عظته: "القديس بولس علم أنه متوجّه "نحو المحاكمات، نحو الصليب. وهذا الأمر يذكرنا بدخول الرب يسوع إلى أورشليم، اليس كذلك؟" "بولس قدّم نفسه الى الرب بطاعة تامة. قال انه "أسير الروح". الأسقف الذي يذهب دائما إلى الأمام، ولكن وفقا للروح القدس، هذا هو بولس". 

"الحب الكبير لبولس هو يسوع المسيح. حبه الثاني هو قطيعه. اعتنوا ببعضكم البعض وبالقطيع بأكمله. استمروا في السهر على القطيع: أنتم أساقفة لقطعانكم كي تعتنوا بها، وليس من أجل ان ترتقوا الى مناصب كنسية".

بولس تكلّم على انه "لم يشته مالا، ولا ذهبا لنفسه". "وصيته شهادة بقدر ما هي اعلان وتحد". "لم تكن وصيته ارضية، لانه لم يكن لديه ما يتركه للآخرين سوى نعمة الله وشجاعته الرسولية، ووحي الرب يسوع والخلاص الذي منحه إياه".

وفي الخلاصة مقصد الكلام. "عندما أقرأ هذا، أفكر بنفسي، لانني اسقف، وعليّ ان آخذ اجازة واتنحى"، على ما قال. وختم بهذه الصلاة: "أفكر في جميع الأساقفة. أرجو الرب أن يمنحنا جميعًا النعمة لنكون قادرين على أخذ إجازتنا والتنحي بهذه الطريقة (اي مثل بولس)، بهذا الروح، بتلك القوة، بتلك المحبة ليسوع المسيح، وهذا الإيمان بالروح القدس".

بندكتس والتنحي "غير السهل"

مقتطفات فقط من العظة وزعها الفاتيكان، لكنها كانت كافية لتثير تساؤلات عما قصده البابا بـ"أخذ اجازة والتنحي". في واقع الامور، هذه الفكرة تروق له. سلفه البابا الفخري بندكتس السادس عشر هو البابا الاول الذي يستقيل (شباط 2013) خلال اكثر من 700 سنة. وقد اثنى فرنسيس على خطوته الاستثنائية، بحيث وصفها عام 2014 بانها "مبادرة جميلة من النبل والتواضع والشجاعة"، معتبرا "أنها تمهد الطريق أمام البابوات اللاحقين لفعل الشيء نفسه".

وقد يكون في طليعتهم، علما انه دخل عامه الـ81. الحبرية "القصيرة" سبق ان تكلم عليها. عام 2015، قال في الذكرى الثانية لانتخابه، ان لديه "احساسا بأن حبريتي ستكون قصيرة. اربع او خمس سنوات. لا اعرف. او سنتين او ثلاثا... ينتابني شعور مبهم الى حد ما، وهو ان الرب اختارني لمهمة قصيرة" (مقابلة مع شبكة "تيليفيزا" المكسيكية التلفزيونية اعادت بثها "اذاعة الفاتيكان"). ورأى ان بندكتوس السادس عشر "فتح الباب بكثير من الاحترام امام البابوات الفخريين. لقد فتح بابا دستوريا".  

واذا كان فرنسيس يلمّح الى هذا التنحي، فهذا لا يعني اطلاقا ان استقالته قريبة، او انها ستكون سهلة ايضا. فباعتراف البابا الفخري بندكتس نفسه، في أحدث المقابلات التي اجريت معه ونشرت اخيرا في كتاب(*)، يؤكد ان تنحيه "لم يكن سهلا. بعد الف عام من دون ان يتنحى اي بابا- وكان هذا الامر اصلا استثنائيا خلال الالفية الاولى- لا نتخذ هذا القرار بسهولة، ونضطر الى ان نفكر فيه ونعيد التفكير فيه".

بالنسبة اليه، "يستوجب الامر، بإدراك المسؤولية التي نتحملها وخطورتها، فحصًا أدق، ويجب تقليبه مرارا وتكرارا امام الله وامام ذواتنا، نعم، بالتأكيد. لكن لا اقول ان ذلك شكل تمزقا لي". ويتابع: "كنت اعرف انه يتوجب علي القيام بذلك (اي تقديم استقالته)، وبانه كان الوقت المناسب لذلك. وقد قبل الناس الامر في النهاية".


في "آب" 2013، اتخذ البابا الفخري قراره بالاستقالة. ردا على سؤال، يؤكد انه "لم يكن مصابا بالاكتئاب، لكنني لم اكن في حال جيدة. وقد لاحظت ان سفري الى المكسيك وكوبا اتعبني جدا. الطبيب بنفسه نصحني بتجنب اي عبور جديد للاطلسي... لقد اردت الانسحاب في الموعد كي يتسنى للبابا الجديد ان يشارك في الايام العالمية للشباب في ريو دي جانيرو (2014). لقد أنضجت هذا القرار (الاستقالة) تدريجيا بعد سفري الى المكسيك وكوبا. والا كنت حاولت ان انتظر حتى عام 2014. لكن في ظل هذه الظروف، كنت اعرف ان ذلك سيتخطى قوتي".  


رغبة بابوية سرية  

كلامه يدحض شائعات رافقت استقالته، واوردت اسبابا اخرى دفعته اليها، منها تعرضه لضغوط. الاستقالة استقطبت اهتماما واسعا، لفرادتها وتوقيتها وابعادها الكنسية. شجاعة البابا بندكتس السادس عشر غير مسبوقة. ما أقدم عليه لم يتجرأ عليه اي من اسلافه، طوال قرون، وان أبدى بعضهم رغبة في ذلك، رغبة بقيت سرية جدا.

 وفقا للصحافي الفاتيكاني اندريا تورنييلي، "من المعروف جيدا ان عددا من البابوات في القرن العشرين فكّروا في التنحي: البابا بيوس الثاني عشر الذي خطّط الزعيم النازي ادولف هتلر لخطفه، البابا يوحنا الثالث والعشرون الذي كان مريضا، واخيرا البابا بولس السادس". مع الاخير (وهو معروف ايضا بالبابا مونتيني)، "أمكن ايجاد وثيقة مكتوبة تبيّن ذلك، على ما يكشفه الاب ليوناردو سابيينزا في كتابه "ذو بوت اوف بول" (اي قارب بولس) الذي يصدر قريبا".   

 في الوثيقة، نقرأ: "نحن، بولس السادس... نعلن انه، في حال المرض غير القابل للشفاء او المزمن... او في حال اعاقة خطيرة او طويلة الامد... نتنحى عن منصبنا". الرسالة السرية جدا تظهر بوضوح "خط البابا مونتيني". وهي مؤرخة في 2 ايار 1965، و"كتبها البابا عندما لم يكن مريضا، او متقدما في السن"، وفقا لتورنييلي، "وبعد سنتين فقط على انتخابه حبرا اعظم". بتعبير آخر، تظهر الوثيقة "مبادرة بعيدة النظر من بابا يريد حماية الكنيسة من عجز طويل محتمل".   

 
كتاب الأب سابيينزا يتضمن تعليقًا كتبه البابا فرنسيس على رسالة البابا مونتيني. "لقد ذُهلت بقراءة رسائل البابا بولس السادس التي تبدو لي شهادة متواضعة ونبوئية في المحبة للمسيح ولكنيسته، ودليل آخر على قداسة هذا البابا العظيم... ما كان يهمه هو حاجات الكنيسة والعالم. البابا الذي يمنعه مرض خطير، لا يمكن أن يمارس بفعالية كافية الخدمة الرسولية".  


اذا، انها مسألة "فاعلية"، في رأي البابا فرنسيس، فاعلية قد تنسحب ايضا على مختلف المستويات. في تفسير آخر لتلميحه في عظته الصباحية عن "أخذ اجازة والتنحي"، لم يستبعد مراقبون انه "كان ربما يشير أيضًا إلى الأساقفة التشيليانيين المتورطين في فضيحة التستر على الاستغلال الجنسي للاطفال".  


كنيسة التشيلي... في الفاتيكان 

التوقيت لافت. العظة الصباحية أعقبها، في اليوم نفسه، افتتاح فرنسيس قمة طارئة مع 34 اسقفا تشيليا، تستمر 3 ايام في الفاتيكان، في وقت تنتشر توقعات بأن "يقدم عدد منهم استقالته في نهايتها" (أ ب). في لقائه الاول معهم، "أعطاهم فرنسيس قائمة بالموضوعات للتأمل فيها"، مع تخصيص الوقت حتى الاجتماع المقبل اليوم الاربعاء "للتأمل والصلاة حصراً"، على ما افاد الفاتيكان. وسيتم عقد "لقاءين آخرين الخميس، قبل الظهر وبعده".   


البابا استدعى اساقفة الكنيسة التشيليانية إلى روما، بعدما استضاف، في مقر اقامته، ثلاث ضحايا لكاهن تشيلي متهم بالاستغلال الجنسي لاطفال، هو الاب فرناندو كاراديما. استمع إليهم "فترة طويلة"، على قولهم، ووعدهم باتخاذ تدابير "ملائمة ودائمة". وبناء على طلبه ايضا، انضم الى وفد الاساقفة التشيليانيين رئيس أساقفة سانتياغو الفخري الكاردينال خافيير إيرّازوريس الذي يتهمه ضحايا الأب كاراديما بعرقلة التحقيق الكنسي في سلوكه.  


وهناك ايضا الاسقف خوان باروس الذي يتهمه الضحايا بإخفاء افعال الاب كاراديما، والذي ادى دفاع البابا عنه، على هامش زيارته لتشيلي (كانون الثاني 2018)، الى الاعتذار لاحقا من ضحايا التعديات الجنسية، عن "تعابيري غير الموفقة"، ومن ثم ارساله محققين الى التشيلي. كلّ اساقفة كنيسة التشيلي في الفاتيكان... انها سابقة تنبئ بتغييرات.      

(*)Benoit XVI Dernières Conversations avec Peter Seewald, Pluriel, 2018

[email protected]



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم