السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

إمكانيّة تنسيق بريطانيّ مع "الشيطان" في الشرق الأوسط؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
إمكانيّة تنسيق بريطانيّ مع "الشيطان" في الشرق الأوسط؟
إمكانيّة تنسيق بريطانيّ مع "الشيطان" في الشرق الأوسط؟
A+ A-

فقد دعت عبر بيان الحكومة البريطانيّة إلى التوقّف عن توجيه الاتّهامات إلى الآخرين وإلى الانضمام بطريقة مستقلّة للمسار الديبلوماسيّ من أجل إيجاد حلّ سياسيّ للنزاع في سوريا. واتّهم البيان بريطانيا بدعم المعارضة السوريّة المسلّحة وبتشجيع مستمرّ للأعمال الهادفة إلى الإطاحة بحكومة دمشق. كما اتّهمها بدعم الخوذ البيضاء – "منظّمة تتصرّف كمنتِج ماهر للأخبار المزيّفة عوضاً عن تأمين المساعدة الإنسانيّة".


"سبوتنيك" تفتح دفاتر قديمة

منذ اتّهام بريطانيا للروس بتسميم الجاسوس المزدوج سيرغي سكريبال على أراضيها، تتّخذ العلاقات الثنائيّة منحى سلبيّاً. وأتت دعوة جونسون الأخيرة لفرض #موسكو ضغوطات على الإيرانيّين كي تفتح دفاتر قديمة نسبيّاً بين البلدين. ففي اليوم نفسه على التصريح، كتبت وكالة "سبوتنيك" تقريراً تذكّر فيه ب "تأرجح" مواقف الوزير تجاه النزاع السوريّ. واستحضرت مقالاً له في كانون الأوّل 2015 نشرته صحيفة "ذا دايلي تيليغراف" البريطانيّة تحت عنوان: "فلنتعامل مع الشيطان: يجب علينا أن نعمل مع فلاديمير بوتين وبشّار الأسد في سوريا". ودعا حينها إلى "وضع عقليّة الحرب الباردة الخاصّة بنا جانباً"، واصفاً الفرنسيّين الذين يريدون فتح حوار مع الروس بأنّهم "محقّون بشكل واسع". ومع أنّه لم يبدِ إعجابه بالرئيسين الروسيّ والسوريّ تحدّث بإيجابيّة عن دور موسكو في محاربة داعش. وأضافت الوكالة أنّ كلّ ذلك تغيّر حين أصبح وزيراً للخارجيّة.


"بروباغندا روسيّة"

سواء أكانت الأسباب التي دفعت #جونسون لتغيير موقفه داخليّة مرتبطة بمنصبه أم خارجيّة متعلّقة بتغيّر الأوضاع الدوليّة، يبقى أنّ التوتّر الديبلوماسيّ بين الدولتين قد لا يعرف هدوءاً في المدى القريب. فقضيّة سكريبال دافع أساسيّ لهذا التوتّر لكنّها ليست الدافع الوحيد. فبريطانيا كانت جزءاً من التحالف الثلاثيّ الغربيّ في الهجمات التي قادتها الولايات المتّحدة ضدّ البرنامج الكيميائيّ السوريّ ردّاً على استهداف #دوما بالسلاح المحرّم دوليّاً. ومن اللافت للنظر كيف ذكر بيان السفارة دعم بريطانيا للخوذ البيضاء، وهو اتّهام سبق أن وجّهته موسكو الشهر الماضي، حين قالت إنّ لديها "دليلاً" على أنّ لبريطانيا "مشاركة مباشرة" في "تنظيم هذا الاستفزاز في الغوطة الشرقيّة"، قاصداً بذلك الهجوم الكيميائيّ الذي تعتبره روسيا "مزيّفاً". هذا الأمر استدعى ردّاً من السفيرة البريطانيّة في الأمم المتّحدة التي قالت إنّ الاتهام هو "جزء من أسوأ قطعة من الأخبار المزيّفة التي شهدناها حتى الآن من البروباغندا الروسيّة".


ليس حلّاً

على الرغم من شنّ الدولتين حملات اتّهام متبادلة، قد لا يكون تنسيق مستقبليّ بينهما مستبعداً تماماً. ويرى بعض الباحثين أنّ هنالك العديد من المصالح التاريخيّة والحاليّة المشتركة التي توجب على الدولتين فتح قنوات التواصل بينهما.



منذ أقلّ من شهر، كتب المدير العام للمجلس الروسي للعلاقات العامّة أندري كورتونوف ونائب المدير العام للمعهد الملكي للخدمات المتّحدة مالكولم تشالمرز مقالاً في صحيفة "الغارديان" البريطانية شدّدا فيه على ضرورة الحوار والتعاون بين البلدين. وكتبا أنّ "العزل المتبادل ليس حلّاً"، فروسيا تحتاج للأسواق الأجنبيّة لصادراتها وتحتاج أيضاً للتكنولوجيا كي تغذّي تطورها الاقتصادي المستقبلي. واستفادت بريطانيا من الاستثمارات الروسيّة ومن المساهمات الاجتماعيّة للقاطنين الروس على أراضيها. وذكّرا قرّاءهما بأنّ البريطانيّين والروس حاربوا جنباً إلى جنب في الحربين العالميّتين الماضيتين.


نظرة مشتركة لأحد جوانب أستانا؟

إذا كانت قراءة كورتونوف وتشالمرز ترتبط بالأسس النظريّة للمصلحة المشتركة بين الدولتين، فقد تعطي تطوّرات قليلة في الشرق الأوسط، مجالاً عمليّاً لاحتمال تعاون مشترك. بالعودة إلى بيان السفارة الروسيّة في بريطانيا، كان هنالك تذكير من موسكو ب "إيجابيّة" مسار أستانا الذي يقوده الكرملين. في أحد أوجهه، يضمن هذا المسار نفوذاً مؤثّراً لتركيا في شمال #سوريا، وقد برز ذلك في #إدلب حيث وضعت تركيا أكثر من عشر نقاط مراقبة في المحافظة. وظهر النفوذ التركيّ بشكل أفضل في "الضوء الأخضر" الذي أعطته موسكو لأنقرة من أجل شنّ عمليّة #غصن_الزيتون كي تخرج مقاتلي وحدات حماية الشعب الكرديّة من منطقة #عفرين.

لا شكّ في أنّ الموقف البريطاني تميّز عن الموقف الغربيّ بشكل حادّ في ما يتعلّق بتلك الحرب. ففي حين تراوحت مواقف الحكومات الغربيّة بين الصمت والدعوة إلى ضبط النفس، كانت لندن الوحيدة التي أعلنت تأييدها العلنيّ للتحرّك التركيّ بشكل لا لبس فيه. فقد قال ناطق باسم رئيسة الحكومة البريطانيّة تيريزا ماي إنّ بلاده "تعترف بأنّ لتركيا مصلحة مشروعة في (ضمان) أمن حدودها. المملكة المتّحدة ملتزمة بالعمل عن كثب مع #تركيا وحلفاء آخرين من أجل إيجاد حلول تؤمّن الاستقرار، توقف تصعيد الموقف وتحمي مصالح تركيا الأمنيّة". وإذا كان للندن وموسكو الحدّ الأدنى من نظرة مشتركة عامّة للوضع التركي في شمال سوريا، فإنّ موقفهما من الاتّفاق النوويّ أيضاً يمكن أن يؤسّس لمرحلة تفاهم بين الطرفين.


"الصدق والصراحة"

تؤيّد #بريطانيا و #روسيا الاتّفاق النووي مع #إيران والذي انسحبت منه الولايات المتّحدة مؤخّراً، فيما تعمل الأولى بالتعاون مع حلفائها الأوروبّيّين على ضمان نجاة الاتّفاق ببقاء الاتّحاد وإيران ملتزمين ببنوده. وتدرك موسكو من جهتها أنّ الاتّفاق النوويّ رفع العقوبات عن طهران ممّا سمح بتعزيز قوّتها في سوريا وضمان بقاء الرئيس السوريّ في منصبه. وقد يتشكّل تحالف دوليّ بين أوروبّا من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى للعمل على إعادة التوازن الذي اختلّ بخروج واشنطن. لذلك، من الممكن أن يكون التفاهم الروسيّ البريطانيّ مدخلاً لهذا التحالف.

لا تعني هذه التطوّرات تأكيداً على توجّه الدولتين إلى تنسيق في سوريا خصوصاً أنّ تسميم الجاسوس سكريبال والملفّ الكيميائيّ السوريّ لا يزالان يعرقلان التقارب البريطانيّ الروسيّ. لكن قد يكون تشالمرز وكورتونوف محقّين في ما كتباه: "في هذه الظروف بالتحديد، يكون الصدق والصراحة أكثر أهميّة من أي وقت مضى".










الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم