الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

عدو الإسلاميين والرقم الصعب في التوازنات السياسية... ماذا ينتظر ليبيا بعد حفتر؟

عدو الإسلاميين والرقم الصعب في التوازنات السياسية... ماذا ينتظر ليبيا بعد حفتر؟
عدو الإسلاميين والرقم الصعب في التوازنات السياسية... ماذا ينتظر ليبيا بعد حفتر؟
A+ A-


حفتر مات... حفتر لم يمت... حفتر أصيب بتلف دماغي... حفتر يعود قريباً. على وقع هذه التقارير المتضاربة عن الوضع الصحي لقائد "الجيش الوطني الليبي" المشير خليفة حفتر، انزلقت ليبيا أكثر الى المجهول الذي دخلته قبل أكثر من سبع سنوات، وصارت البلاد التي تنتقل من فوضى الى أخرى مشرعة على فوضى جديدة.  

قبل ان يحسم مصير الرجل الذي يعتبر العدو اللدود للاسلاميين، وتنقسم الآراء فيه بين "رجل يهوى الانقلابات"، و"الرقم الصعب في التوازنات السياسية"، بدأت ترد التقارير عن صراع على خلافته وهو ما يمكن أن يؤجج الصراع بين الفصائل المتنافسة، الامر الذي ينذر بمزيد من التمزق للبلاد.

منذ عشرة ايام، تتضارب الأنباء عن الوضع الصحي لخليفة حفتر. وتنتشر في ليبيا شائعات وأخبار متضاربة في هذا الشأن، بينها أن حفتر البالغ من العمر 75 سنة يعاني جلطة دماغية لا يتوقع أن يشفى منها. وذهبت مصادر إلى حد القول إنه توفي. وبعد نفي متكرر، أقر ناطق باسم "الجيش الوطني الليبي" بادخال المشير أحد المستشفيات في فرنسا لاجراء بعض الفحوص الطبية من غير أن يدلي بمعلومات تحسم الوضع الصحي للرجل.

وصدر الكلام الأوضح عن وزير الخارجية الفرنسي جان - إيف لودريان الذي قال أخيراً أمام الجمعية الوطنية إن حفتر في وضع صحي مستقر، وإنه يخضع للعلاج في مسشتفى عسكري فرنسي.

ولا شك في أن مصير الرجل القوي في ليبيا الذي سطع نجمه مجدداً منذ 2014، سيؤثر إلى حد كبير على حسابات اللاعبين الكبار، المحليين والاقليميين، في الساحة الليبية. ويقول الباحثان في معهد "أتلانتيك كاونسيل" طارق رضوان وإليسا ميلر إن "موت حفتر سيشكل فرصة لإعادة إحياء الحوار السياسي، ولكن يمكن أيضا أن يؤجج الصراع بين الفصائل المتنافسة في ليبيا، مما يزيد سيطرة الاسلاميين وتمزق البلاد".

ويتحدر حفتر من مدينة أجدابيا الشرقية. تخرج من الكلية العسكرية في بنغازي عام 1966، وعُين في سلاح المدفعية. وهو كان إلى جانب الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، في عداد الكوادر الشابة لضباط الجيش الذين استولوا على السلطة بعد اطاحة العاهل الليبي الملك إدريس السنوسي عام 1969. وفي حينه، كافأه القذافي بتعيينه قائداً عاما للقوات التي خاضت المعارك مع التشاد تقديراً لولائه، الا أن تلك الخطوة كانت بداية سقوطه، إذ مُنيت ليبيا بهزيمة كبيرة على أيدي القوات التشادية في حرب تعرف باسم "حرب تويوتا"، واستطاع التشاديون أسر حفتر و300 من جنوده عام 1987.

وأواخر الثمانينات، انشق حفتر عن نظام القذافي، وسافر إلى الولايات المتحدة. وبعد الانتفاضة على النظام الليبي، عاد الى بلاده وسرعان ما أصبح - نظراً إلى خلفيته العسكرية - واحداً من القادة الرئيسيين لقوات المعارضة الليبية في شرق البلاد.

بداية، حارب حفتر في صفوف جماعات المعارضة الإسلامية خلال الانتفاضة التي أطاحت القذافي، قبل أن يتحول إلى عدو لدود لها. وتراجع دور المشير بعد اطاحة القذافي، ليعود ويسطع نجمه مجدداً عندما أطل في شباط 2014 ليرسم "خطة لإنقاذ البلاد"، داعياً الليبيين إلى النهوض في "وجه المؤتمر الوطني العام" (مجلس النواب المنتخب)، الذي تشكل بعد الانتفاضة.

وفي تموز 2014، أطلق حفتر ما سماه "عملية كرامة ليبيا" في بنغازي ضد جماعات اسلامية مسلحة منها جماعات مقربة من "الإخوان المسلمين". ونجح في تقديم نفسه على الساحة الخارجية بإعتباره خصم الاسلاميين في ليبيا، مما أكسبه دعم دولة الامارات العربية المتحدة ومصر.

هاجم مبنى البرلمان في العاصمة طرابلس، ووصف هذه العملية العسكرية بأنها انتفاضة على من سماها "الحكومة التي يسيطر عليها الإسلاميون". وفي آذار 2015، عينه مجلس النواب في طبرق قائداً عاماً لقوات "الجيش الوطني الليبي".

وقد تمكن من طرد الميليشيات الإسلامية من غالبية مناطق بنغازي، في شباط 2016.وبحلول منتصف نيسان من العام نفسه، طرد الإسلاميين من معاقلهم الرئيسية الى خارج بنغازي، وكذلك من بعض مناطق درنة، الواقعة على مسافة 250 كيلومتراً.

 في أيلول 2016، قاد عملية "البرق الخاطف" للسيطرة على منشآت النفط الرئيسية في الزويتينة والبريقة ورأس لانوف وسدرة، والتي تُعرف بـ"الهلال النفطي"، ونجح في انتزاع السيطرة عليها من قوات تابعة لحكومة الوفاق الوطني، وسلم مفتاح أهم صادرات البلاد إلى حليفه، برلمان طبرق.

 ولا يعترف حفتر بحكومة الوفاق الوطني، برئاسة فايز السراج، التي يعترف بها المجتمع الدولي. وعلى رغم اتفاق السراج مع حفتر في أيار 2017 على العمل معاً لإنهاء الأزمة التي تشهدها البلاد، لم يحرزا تقدماً يذكر.


محاولة اغتيال

وعلى رغم الغموض الذي يكتنف طموحاته السياسية، كان متوقعاً على نطاق واسع ان يكون له دور رئيسي في الجيش الجديد برئاسة حكومة الوحدة الوطنية، أو بشكل عام في قوات الجيش الجديد في حال نجاح الأمم المتحدة في إنهاء الأزمة في ليبيا. لكن غيابه الاخير وغياب مؤشر واضح لموعد عودته الى الساحة الليبية ووضعه الصحي، هزّت ليبيا. فيوم الاربعاء الماضي، تعرض موكب رئيس أركانه عبد الرزاق الناظوري لهجوم بسيارة مفخخة في بنغازي. ومع أن هذا القيادي نجا من محاولة الاغتيال المحتملة، صرح وليم لورنس، الخبير في الشأن الليبي والأستاذ في جامعة جورج واشنطن، لموقع "فرنسا 24" بأن الهجوم نفذه على الأرجح جهاديون يحاولون استغلال غياب حفتر لإيجاد فراغ في السلطة. وفي ظل المعلومات المتفاوتة بين وفاة حفتر، وقرب عودته الى البلاد، رأى محاولة متعمدة لنشر شائعات عن وفاته "لاختبار التحالفات في شرق البلاد وما قد يحصل".

وإذا لم يعد حفتر الى ليبيا أو تبين أنه حقاً عاجز عن معاودة مهماته قائداً لـ"الجيش الوطني الليبي"، قال لورنس إن هذا الغياب قد يمكن من تطبيق الاتفاق السياسي لليبيا، ولكن أيضاً يمكن أن يكون فرصة للجهاديين لتوسيع سيطرتهم في البلاد.

والى الناظوري، يتردد اسما ابني حفتر خالد وصدام لخلافته، وهما منحا منصبين رفيعي المستوى في "الجيش الوطني".


ميليشيات قبلية

الى ذلك، يمكن أن يزيد غياب حفتر التوترات بين الفصائل المختلفة داخل "الجيش الوطني الليبي" تفاقماً، ذلك أن المشير قد تمكن، بفضل شخصيته القوية، من توحيد ميليشيات قبلية مختلفة. فهو حفتر ينتمي الى قبيلة الفرجان الغربية، ولطالما عارضت قبائل برقة في الشرق، وتحديداً قبيلة العواقير قرب بنغازي سيطرة قبيلة الفرجان، وقد تحاول الاستيلاء على السلطة في غياب حفتر.

ولاحظ الباحثان طارق رضوان وإليسا ميلر أن الديناميات العامة تشير إلى فصائل متجذرة داخل "الجيش الوطني الليبي" الضعيف ترغب في التحرك ودفع اجندتها الخاصة إلى الأمام، ولكن على المستوى الإقليمي، تتطلع القوات المعادية للإسلاميين الى العمل من أجل دعم هذا الجيش. فإذا اختارت الميليشيات الإسلامية الهجوم، ستتدخل على الارجح مصر والإمارات عسكرياً، حتى وإن تدخلتا عبر عمليات عسكرية سرية، وخصوصاً أن موقفهما ضد الإسلاميين محفز كبير لهما للعمل ضد أي اتفاق سياسي يمكن أن يزيد نفوذ الإسلاميين. ووسط هذه المؤشرات لمزيد من الضحايا وانعدام الأمن والتشريد في ليبيا، وفتح الأبواب لمزيد من اللاجئين الذي يتدفقون عبر البحر المتوسط، والأوضاع التي يمكن أن تسمح للجماعات الإرهابية بالظهور مرة أخرى، يبقى الرهان الاكبر على اللاعبين الدوليين لمنع انزلاق البلاد الى مزيد من الفوضى والتشرذم.

ومن هذا المنطلق، خلص الباحثان الى أن مبعوث الأمم المتحدة الى ليبيا غسان سلامة أمام اختبار حاسم للمضي في المفاوضات بين حكومة الوفاق الوطني ومجلس النواب، والتي سيعول عليها الى حد كبير في محاولة الحفاظ على النظام في الشرق إذا ما تفكك "الجيش الوطني الليبي". ومع توقعات أن تصطدم المصالح الضيقة في ليبيا وتؤدي إلى إقطاعات مجزأة منخرطة في صراع على السلطة المحلية، أكد رضوان - ميلر أن فرصة ضيقة لتأمين مستقبل أفضل لليبيا أفضل من انعدامها تماماً.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم