الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

طرابلس التي تدفع الأثمان: متى المدينة الجامعية اللائقة؟

طلال خوجة
A+ A-

بضع سنوات فقط من تسعينات القرن الماضي كانت كافية لإنجاز مدينة رفيق الحريري الجامعية في الحدث. ومع أن الهيئة التنفيذية لرابطة أساتذة الجامعة اللبنانية، المجددة والمندفعة آنذاك، كانت قد رفعتها في مطلع برنامجها إلى حكومة رفيق الحريري الاولى، إلا أن إندفاعة الرجل وإمكاناته وعلاقاته كانت عاملاً أساسياً في إنجاز أهم مدينة جامعية في الشرق الأوسط في حينه.


هذا علماً أن الأرض التي قامت عليها الجامعة كانت مهيأة أصلاً منذ عقود حيث أن البناء بدأ فيها منذ الستينات فأنجزت كلية العلوم الرائدة بإشراف عميدها الفذ حسن مشرفية، وقد كنت من أوائل روادها في بداية السبعينات قبل أن يتوقف كل شيء مع إنفجار الحرب الأهلية سنة 1975.
كنا ثلاثة شماليين في الهيئة حين طرحنا على الرئيس الشهيد ضرورة تشييد مجمع جامعي في الشمال، وتحديداً على تلة المون ميشال الرائعة الجمال والمشغولة من الجيش اللبناني في رأس مسقا، فتجاوب الرجل وأنشأنا لجنة سرعان ما توقفت مع إبعاد الرئيس الشهيد عن رئاسة الحكومة ودخول البلاد في مرحلة من الكيدية والتشفي ومع النظام الأمني السياسي السيئ السمعة.
ومع بداية الألفية الثالثة وعودة الرئيس الشهيد الى رئاسة الحكومة بعد انتخابات الألفين، إنطلقت الحركة من جديد، ومن كلية العلوم التي شكلت رافعة لحركة مجتمع أكاديمي ومدني متنوع أدت لتأسيس لجنة المتابعة،الواسعة التمثيل والتي قطرت كل القوى السياسية الشمالية في حراكها رغم حجم الإنقسامات التي وصلت حدود الإنشطار.
لا نريد أن نخفف من حجم الإنجاز في المون ميشال، خصوصاً أننا انطلقنا من الصفر تقريبا، فكان علينا أن نخوض معارك نقل الملكية واستملاك أراضي ومن ثم تلزيم وإنجاز الدراسات، وما رافق كل ذلك من صراعات وحسابات لبنانية وشمالية وطرابلسية، جرى فكفكتها وتجاوزها، نتيجة إصرار المجتمعين الأكاديمي والمدني واستقلاليتهما وصلابتهما وخلفهما رغبة شمالية جامحة في إنجاز أول مشروع إنمائي شمالي فعلي منذ الطائف.
ورغم زلزال إغتيال الحريري ورفاقه وتداعياته الكارثية، أعيد إطلاق الحراك المدني عبر لجنة المتابعة ومن ثم بدأ العمل في "حفرة" العلوم في 2007 بقرض من الصندوق السعودي، ومن ثم تلزيم كليتي الهندسة والفنون بقرض من بنك التنمية الإسلامي في أواخر 2008. وفي بداية 2013 بدأ العمل متأخرا بمبنى العلوم، بعد صراع وحراك من أهل الكلية والمجتمع المدني مع الحكومة لتنفيذ مناقصتها المفضوضة منذ سنوات. كما أن كلية الصحة المكملة للقسم العلمي من المدينة الجامعية وضعت على السكة بدعم من بنك التنمية الإسلامي منذ أكثر من سنتين.
لم يكن زالزال الإغتيال يتيماً فقد ضربت لبنان زلازل آخرى كحرب تموز وإنفجار الإنتفاضات العربية. وطرابلس كالعادة تدفع الأثمان مضاعفة، ومع ذلك نرى أنه من غير المعقول أن يدفع الشمالييون أثماناً باهظة وهم ينتظرون سنوات طويلة ليتحقق حلمهم في مدينة جامعية لائقة، خصوصاً أنهم لطالما عانوا من سوء تنفيذ المشاريع وبطئها، على قلتها، ولهم في الطريقة المأسوية لتنفيذ مشروعي البنية التحتية والإرث الثقافي في طرابلس مؤشر سيىء.
ومع أن تنفيذ الشركة التركية مبنيي الهندسة والفنون يتم بحرفية فنية، على ما يقول أصدقاؤنا المهندسون، إلا أن المشاكل التي عوّقت التسليم في السنة الماضية تفاقمت وأدت إلى شبه توقف في العمل، كما أن العمل في مبنى العلوم يسير ببطء شديد ينذر بمزيد من الإحباط، أضف إلى ذلك أن قضية كلية الصحة لم تتقدم كثيراً، فضلاً عن تجاهل لكليات الآداب والحقوق وإدارة الأعمال والعلوم الإجتماعية، ما يعني أننا على مسافة زمنية غير واضحة من بدء التدريس، وعلى مسافة زمنية غير منظورة حتى إنهاء المجمع، علماً أن هناك قضايا أخرى كالكهرباء والطرقات والتجهيزات والصيانة وخلافه.
كما أن هناك قضية مركز البحوث والبيوتكنولوجيا، والذي يشكل صلة الوصل بين الجامعة والأسواق، وهو يشغل حالياً بضع طبقات من بناية عادية في المدينة. وإذا أضفنا الى ذلك قضية كلية الزراعة في عكار وقضية كلية السياحة ومعهد التكنولوجيا، نستطيع أن نتصور حجم المهمات الملقاة على عاتق المجتمعين الأكاديمي والمدني، خصوصاً أن سياسيي الشمال عموما غير مهتمين جدياً بقضية البناء الجامعي الموحد، وربما بغيرها من القضايا الإنمائية.
لذا نرى أن على المجتمع المدني أن يستدير نحو هذا الموضوع الحيوي، عوض الإستمرار بالبحث عن جنس الملائكة بين شياطين المجالس البلدية وعفاريت المجالس السياسية والإدارية، فحين نضيء الشموع، نستطيع أن نلعن الظلام بطريقة أفضل.
ومع أن عناصر المشكلة تبدو مشدودة بين مجلس الإنماء والإعمار والشركات المتعاقدة والشركة الإستشارية بالنسبة للهندسة والفنون وإلى حد ما للعلوم، إلا أن وضع هذه المشكلة على سكة الحل والعمل من أجل بقية الكليات والمعاهد والمراكز، يتطلبان إستنفاراً فعلياً والضغط على جميع القوى والمسؤولين لإستنباط الحلول.


إن البدء بتشغيل المدينة الجامعية يساهم في:
1 - إعادة الثقة بالجامعة اللبنانية، ليس فقط لبعض الفئات التي نزحت إلى الفنار والحدث والجامعات الخاصة، بل لفئات واسعة من الطبقة الوسطى، والتخلص من نظرية جامعة الفقراء التي تؤدي الى مزيد من التشنج والإنقسامات في المجتمع، خصوصا حين تجنح الفروع الى نوع من "الصفاء" المذهبي.
2 - إن المدينة الجامعية ستشكل مساحة أكاديمية وثقافية وديموقراطية وتوحيدية، فضلا عن دورها الإنمائي، وستساهم في إطلاق لغة الحوار وإبراز غنى التنوع والتعدد ومنافعهما، خصوصا أنها قد تجذب الطلاب من بلاد جبيل لسهولة الوصول إليها.
3 - إن بدء تشغيل المدينة الجامعية يساهم في إطلاق النقاش حول إستقلالية الفروع الشمالية بالتوازي مع النقاش العام حول اللامركزية الإدارية.
4 - إن النجاح في معركة البناء الجامعي والذي قطع أشواطاً مهمة سيزيد من ثقة المجتمع المدني والنقابي والأهلي وشهيته من أجل القضايا الأخرى كمطار القليعات والمنطقة الإقتصادية والمعرض وغيرها من القضايا الإنمائية في طرابلس وعموم الشمال.
5 - إن بدء الإنتقال إلى المون ميشال سيعيد الأمل لأبناء القرى والمناطق الشعبية، خصوصا أبناء التبانة وبعل محسن، ذلك أن العمل في منطقة جميلة وأبنية جامعية فعلية بعيدا عن مناخ التوتر والضغط النفسي سيهيئ مناخا أكاديميا مختلفا وسيخلق بيئة حوارية تعيد وصل الشباب والصبايا حول مواضيع وقضايا مشتركة.


استاذ في الجامعة اللبنانية

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم