الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الملك حسين وافق على مسيرة السلام في سرعة

المصدر: "النهار"
Bookmark
الملك حسين وافق على مسيرة السلام في سرعة
الملك حسين وافق على مسيرة السلام في سرعة
A+ A-
يروي وزير الخارجية الاميركي الاسبق جيمس بايكر في هذا الجزء (الثاني) من الفصل ال25 من مذكراته تفاصيل عن اشد محادثاته انهاكا مع الرئيس السوري حافظ الاسد ثم مع رئيس حكومة اسرائيل اسحق شامير الذي لم يبد تساهلا الا مرغما، متابعا عرض علاقة الولايات المتحدة مع الاردن والسعودية ودورها في دفع هذين البلدين الى القبول بمفاوضات السلام والضغط لتليين عقدة المشاركة الفلسطينية في المؤتمر ولتأمين تغطية عربية واسعة له. وهذه الحلقة هي الثامنة والعشرون تنشرها "النهار" والزميلة "الشرق الاوسط": بعد اللقاء مع الفلسطينيين مجددا قررت ان اتوقف في الاردن، الامر الذي كنت أحاذره في زيارات سابقة للمنطقة، نظرا الى استيائنا الناتج من دعمه للعراق. توجهت بالطائرة الى ميناء العقبة الواقع على البحر الاحمر حيث استضافني الملك حسين على الغداء في قصره الصيفي. وكان الملك حسين احد معارفي القدامى، فضلا عن انه صديق حميم للرئيس بوش. وفي بداية عام 1977، بعد وقت قصير من عودتنا الى هيوستن، انا وهو، في اعقاب انتخاب جيمي كارتر، كان حسين ضيف الشرف في حفل عشاء اقيم في منزل جورج وبربارة بوش. ولعل الصلات الشخصية التي نشأت بينهما خلال عقدين من الزمن تقريبا هي التي جعلت تأييد الملك لصدام حسين خلال الحرب يبدو عملا من اعمال الخيانة الشخصية التي تسببت للرئيس بقدر كبير من الاسى. كما انها استثارت قدرا غير متوقع من غضب رجل يفضل ان يحسن الظن بالصديق والعدو على حد سواء. وقد كان الرئيس مغتاظا من حسين الى حد انه رفض طلبات عدة من الملك للاجتماع به، بينما كنت شخصيا أقل استياء من حسين بقليل. ولم يقبل أحد منا في الحكومة وصفه غير المتوقع، للجيش الاميركي خلال الحرب بأنه عبارة عن "مجرمين وقتلة". لكننا أدركنا انه لن تكون هناك عملية سلام بدون مشاركة الاردن الفعالة وان دور الملك خصوصا سيكون اساسيا في اقناع الفلسطينيين بالجلوس الى مائدة المفاوضات. ويضاف الى ذلك اننا كنا قد اصبحنا مدركين الان ان الولايات المتحدة اصبحت تتمتع بقدر يعتد به من النفوذ الذي تستطيع ان تمارسه. كما ان الملك الجالس على عرشه المهدد كان يشعر دائما بقدر اكبر من الامان مع وجود عناق اميركي. واكثر من هذا فان الاقتصاد الاردني كان في حال بائسة، والسعوديون، رعاته الماليون السابقون كانوا اشد منا شعورا بالغضب تجاهه، فضلا عن ان ديونه الخارجية تفاقمت الى حد كبير. وثمة اكثر من 000ر300 لاجىء فلسطيني اصبحوا يسكنون في المخيمات بعد الحرب، مستنزفين موازنته المحاصرة من كل مكان. لقد كان الملك ببساطة في حال افلاس ويحتاج الى مساعدة اميركا في اقناع مموليه القدامى في الرياض باخراجه من المأزق. بل لعل الاسباب العملية كلها كانت تدعو الى الاعتقاد بأن الملك سيكون مستعدا لعمل اي شيء تقريبا يضع حدا لعزلته السياسية ويفلح في استعادة صداقة الولايات المتحدة. والواقع ان الملك رجل بالغ التهذيب، وقد استقبلني في منزله المطل على البحر بحرارة. وبعدما تبادل مرافقونا عبارات الترحيب المعتادة قبل الغداء، فكرت في نفسي: ها هم أناس قالوا عنا اشياء شنيعة ويتصرفون الان كأن شيئا لم يحدث. ولكنني كنت معنيا بتحريك عملية السلام، فقررت ان احيط الملك علما بأننا مستعدون للمضي خطوة بعد اخرى من اجل نسيان الماضي. وذلك بشرط ان يسهم الاردن في مبادرة السلام الاميركية بفاعلية. وقبل تناول طعام الغداء ب15 دقيقة اختليت به على انفراد لكي اشرح له الواقع الجديد، ولأبسط امامه شروط المصالحة المرتقبة. قال الملك: "ارجو ان تقدم افضل تحياتي للرئيس". أجبت: "سأفعل ذلك يا صاحب الجلالة. ولكن عليك ان تعلم ان اصلاح العلاقات بين الاردن والولايات المتحدة لن يكون سهلا. وان من الصعوبة بمكان فهم بعض الاشياء التي قيلت. لا اريد العودة الى ما يفرق بيننا. انا هنا لأحاول معرفة هل نحن قادرون على التحرك نحو السلام. لكن في الولايات المتحدة قدرا كبيرا من الشعور بالاستياء. آمل ان نتغلب على ذلك، لكن هذا سيستغرق بعض الوقت". واضفت اننا رغم الخلافات بيننا "سنفعل كل ما في وسعنا من اجل مساعدتكم على اصلاح الامور بينكم وبين السعوديين". اطلعني الملك على صور جديدة لسلاح صودر من ارهابيين دخلوا الاردن من اجل القيام باغتياله. وقال انه بدوره ملتزم السلام واصلاح علاقاته المتدهورة مع الولايات المتحدة. ولم يحاول ان يبذل محاولة جادة لتبرير تأييده لصدام. ومع ذلك سارع خلال الغداء الى تقديم عرض عقلاني يفسر سلوكه خلال الحرب، وجد اعضاء وفدنا انه لم يكن مقنعا على الاطلاق. وقد وصل به الامر الى حد الادعاء ان صدام يفكر الان باقامة نظام سياسي اشد ديموقراطية، في العراق. ولهذا لاحظت في برقية للرئيس ان "العادات القديمة لا تزول الا ببطء". ولكنني ابلغته انني وجدت الاجتماع "مشجعا جدا" فمنذ بداية الغداء كان واضحا بالنسبة الي ان الملك أدرك دينامية المعادلة البسيطة: من اجل ان نساعده الان عليه ان يلعب وفق شروطنا. وسرعان ما وافق على فكرة المؤتمر واعلن (وعلى نحو غير مناسب كما شعرت آنذاك) ان الاردن سيحضر حتى لو لم تحضر سوريا. كما وافق على فكرة شامير حول الوفد الاردني الفلسطيني المشترك من حيث المبدأ، وعلى الحل الوسط الذي اقترحته حول وضع الامم المتحدة بصفة مراقب، وتعهد ابلاغ منظمة التحرير ضرورة عدم البروز، وتشجيع الفلسطينيين على التمسك بالتزاماتهم حيال عملية السلام. وعندما طلبت منه ان يبلغ الصحافة بشيء يتعلق بكسر المحرمات القديمة فعل ذلك على الفور. وقد اغفل الصحافيون الذين رافقوني في رحلتي ملاحظة وقع بيانه ولكنني حاولت استغلاله بكل طاقتي عندما تحدثت هاتفيا مع شامير قبل مغادرة العقبة لاخبره ان آراء الملك كانت اقرب الى آرائه من الرئيس الاسد. واخيرا ارسلت هذاالموجز الى الرئيس: "لقد اصبحت أشد شعورا بالامل حيال قدرتنا على التعامل مع المشكلات الرئيسية بعد لقاءات اليوم، مما كان عليه الامر بالامس. ولكنني اعتقد ان نجاح الديبلوماسية الاسرائيلية - الفلسطينية - العربية يكمن في الاعتراف بوجود ارتفاعات ومنخفضات، وبأن علينا ان نحسن العبور من خلالها. اننا لا نتعامل فقط مع مخاوف كثيرا ما تنزع نحو التغطية على الامال، ولكننا نتعامل ايضا مع قدر كبير من التردد ازاء الاقدام على تقديم التزامات ملموسة، ولعل الطريقة الافضل للتعامل مع المشكلة تكمن في مواصلة دفع الجميع نحو موقف يكونون فيه اشد عملية في استمرار". في 21 نيسان التقيت الرئيس مبارك في القاهرة مرة اخرى، لأطلب منه مساعدتي في مهمتي مع السعوديين والسوريين، قلت له: "لقد وصلت الى نقطة لا نستطيع تجاوزها ما لم تتخذ الحكومات العربية قرارات. اريد مساعدتك ومساعدة الملك فهد. اريد المساعدة في ما يتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية. يمكنك ان تطلب من عرفات الا يعرقل العملية". قال مطمئنا: "الفلسطينيون يعلمون ان هذا هو السبيل الوحيد المتاح. انهم يفهموننا". كان مبارك كما هو شأنه دائما، كريما في عروضه بأن يقنع اولئك الذين كان يطلق عليهم "اخواني" بدون تمييز. فقد عرض الاتصال بشامير لابلاغه ان عقد مؤتمر مستمر للامم المتحدة لن يضر باسرائيل في شيء. كما تبرع ايضا بارسال اسامة الباز مستشاره لشؤون الامن القومي في طائرته الخاصة لزيارة الرئيس...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم