السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

الخلاف الاميركي - السعودي: ثورة غضب موقتة أم تداعيات أكبر؟

A+ A-

منذ أكثر من نصف قرن، تشكل العلاقات الاميركية - السعودية حجر أساس لسياسة واشنطن في الشرق الاوسط، وما يحصل حالياً ليس الا انعكاساً لرؤيتين متناقضتين للتحولات الكبيرة في المنطقة.


منذ سنوات بعيدة، ربطت واشنطن والرياض شركة وثيقة في الحرب على تنظيم "القاعدة" وامدادت النفط . ولكن منذ أزمة حظر النفط في "حرب أكتوبر" عام 1973، شهدت تلك العلاقة مراحل من المد والجزر في مواجهة تحديات كبيرة: من الغزو السوفياتي لافغانستان، والحرب العراقية - الايرانية التي دعم خلالها الجانبان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الى حرب تحرير الكويت. ومن جبهتين مختلفين، واجهت "الشركة" السعودية - الاميركية كل مراحل عملية السلام المتعثرة. وعلى رغم تباعد مواقفهما، لم يتسبب الانحياز الاميركي لاسرائيل والحماسة السعودية للفلسطينيين بفك تلك العلاقة. وكادت هجمات 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة تنهي الشركة السياسية بعدما أثار غضب الاميركيين خوف السعوديين وزعزع ثقتهم في أهم علاقات ديبلوماسية لهم.


تجاوز الجانبان تلك الخضة، بعد جهد كبير. ومنذ سنتين تقريباً بدأ صدع آخر يضرب العلاقات وأخذ في الاتساع من دون أن يحاول أحد احتواءه الى أن بلغ مداه الاسبوع الماضي.


كان واضحاً منذ البداية أن قرار الرياض رفض المقعد الذي فازت به في مجلس الأمن رسالة الى حليفتها، واشنطن، لا الى الأمم المتحدة. وإذ بررت المملكة موقفها بما سمته الفشل الدولي في وقف الحرب السورية وإقامة دولة فلسطينية، بدد التكهنات التقرير الذي نسبته "رويترز" عن رئيس المخابرات السعودية الامير بندر بن سلطان.


وأبلغ بندر الى ديبلوماسيين أوروبيين بحسب التقرير الذي لم تنفه الرياض، أن بلاده تفكر في "تغيير كبير" في علاقاتها مع واشنطن احتجاجاً على عدم تحركها في شكل فعال، في ما يخص الحرب السورية ومبادرتها للتقارب مع طهران. وعلى ذمة الوكالة، لمح المصدر إلى أن التغيير المقرر في العلاقات بين السعودية وأميركا سيكون له تأثير واسع النطاق، بما في ذلك صفقات السلاح والنفط.


وعلى رغم ظهور علامات استفهام في واشنطن في شأن ما إذا كان الامير بندر يتحدث باسم القيادة السعودية أم يعبر عن وجهة نظره الشخصية، نسبت "رويترز" الى مصادر ديبلوماسية في الخليج إن هذه الرسالة لا تعكس آراء الأمير بندر المعروف بتشدده في قضايا الشرق الأوسط، بل أيضا آراء العاهل السعودي والقيادات السعودية. وتضيف المصادر ان خيبة أمل السعودية في واشنطن حقيقية وتدفعها الى تفقد بدائل لاعتمادها منذ نحو 70 سنة على هذا التحالف الاستراتيجي.


وفي رواية أخرى تكشف توتراً في العلاقات، كتب ديفيد اغناسيوس في "الواشنطن بوست" أمس أن العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز أبدى استياءه من السياسة الاميركية خلال غداء في الرياض الاثنين مع الملك عبدالله الثاني بن الحسين وولي العهد الاماراتي محمد بن زايد. ونقل عن مسؤول عربي مطلع أن العاهل السعودي "مقتنع بأن الولايات المتحدة غير جديرة بالثقة".


الى ذلك، يروي اغناسيوس أنه عندما كان وزير الخارجية الاميركي جون كيري في المنطقة قبل أسابيع، طلب زيارة الامير بندر، الا أن الامير السعودي رد بأنه في طريقه الى خارج المملكة، وأنه يمكن كيري مقابلته في المطار، في رد فاجأ مسؤولين أميركيين.


مصر وايران


وفي أي حال، ركزت الانتقادات السعودية ، العلنية غير المعتادة وغير العلنية، الضوء على استياء المملكة من واشنطن في ضوء تغير المصالح المشتركة التي كانت أساساً للعلاقات الاستراتيجية بين الجانبين.


تعود بذور التوترات الاخيرة الى ما قبل سنتين ونصف سنة، وتحديدا الى "ثورة 25 يناير" في مصر. في حينه، أخذت الرياض على واشنطن وحلفاء آخرين لها اخفاقهم في دعم الرئيس السابق حسني مبارك، الا أنها لجأت الى القنوات الديبلوماسية لتمرير رسائلها بهدوء. وزاد الخلاف بين الجانبين في مصر عندما رفضت واشنطن اطاحة حكم "الاخوان المسلمين" في مصر في تموز، بينما مدت الرياض الخزينة المصرية بخمسة مليارات دولار وتعهدت تعويض أية خسائر أجنبية أخرى، في تلميح الى التهديدات الاميركية في حينه بقطع المساعدات لمصر.


وقبل أن تسوى الخلافات على مصر، برزت الى الواجهة ايران التي تختلف معها السعودية في أكثر الصراعات الكبيرة الدائرة في المنطقة، بما فيها في لبنان والعراق والبحرين واليمن وسوريا.ومنذ الثورة الاسلامية عام 1979، شكلت طهران جزءا حيوياً في علاقات واشنطن والرياض وعدوا مشتركاً تعاونتا لتطويقه. ولكن الوضع تغير، أو هو على وشك التبدل وسط أجواء التفاؤل في شأن احتمالات تسوية بين واشنطن وطهران.وتخشى المملكة أن تكون تكون الادارة الاميركية مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة في أية مفاوضات تجريها مع خصمها الرئيسي في الشرق الأوسط.


وتنقل تقارير اعلامية عن مصدر ديبلوماسي أن السعوديين يخشون من الاستعداد الكبير الذي تبديه الإدارة الأميركية للوثوق في الرئيس الايراني حسن روحاني في تعهده تحسين العلاقات والتعامل بشفافية أكبر في ما يتعلق ببرنامج إيران النووي.
وقال: "إنهم يخشون أن يُخدع الأميركيون"، وأن تسمح واشنطن لإيران "بأن تصير على أعتاب أن تكون قوة نووية" بالسماح لها بالاحتفاظ بقدرات تكنولوجية يمكن تحويلها لاحقاً إلى الاستخدام العسكري.
ومن الاحتمالات المقلقة خصوصاً بالنسبة الى دول الخليج عموماً أن توجه إسرائيل ضربة منفردة الى مواقع نووية إيرانية إذا لم تتعامل واشنطن مع طهران،في حرب قد تجد نفسها في وسطها.


سوريا


وبين مصر وايران، ثمة حلقة ملتهبة بين الجانبين تتعلق بالملف السوري.فمع أن واشنطن والرياض تقفان في جبهة واحدة ضد نظام الرئيس السوري بشار الاسد، تأخذ المملكة على واشنطن تلكؤها في دعم المعارضة السورية، وتراجعها عن تنفيذ ضربة عسكرية لاهداف سورية وانضمامها على نحو منفرد ومن دون استشارة الدول الكبرى في المنطقة الى المبادرة التي أطلقتها موسكو لتفكيك الترسانة الكيميائية السورية.
قبل مصر وسوريا وايران، كان العراق سبباً لتوترات كبيرة بين الجانبين.فبعدما فتحت السعودية أراضيها للقوات الاميركية منذ 1990، وهو ما تسبب بنقمة شعبية ضدها،غادرت أميركا العراق تاركة خلفها حكومة شيعية تحظى بدعم واشنطن ولا تربطها علاقات جيدة بالمملكة.
مع تراجع الرؤية المشتركة للرهانات التي كان الجانبان يواجهانها، ثمة من يرى مزيداً من التحديات التي تواجه أسس العلاقة الخاصة بين واشنطن والرياض.فمع قرب انسحاب القوات الاميركية من أفغانستان السنة المقبلة، يفقد الجانبان ساحة مشتركة كانت ميدانا للتعاون بينهما منذ الغزو السوفياتي عام 1979 وبعد اطاحة نظام" طالبان" عام 2001، وإن كانت مصلحتهما في القضاء على الميليشيا الاسلامية وتنظيم"القاعدة" هناك سيحتم عليهما تبادل المعلومات الاستخباراتية ونشاطات الارهاب المضاد.


الطاقة


وليست بعيدة من الاهتزاز التي يصيب المصالح المتبادلة بين الجانبين "ثورة الطفل الصفحي" (shale revolution).فالولايات المتحدة تبرز بسرعة كمنتج عالمي للطاقة مما يقلل اعتمادها على نفط الشرق الاوسط.


ولكن ليس واضحا بعد مدى تأثير الخريطة النفطية الجديدة حول العالم على العلاقات الدولية.
وفي ذروة هذا التوتر بين الرياض وواشنطن، لا يجزم أحد بان التعاون السعودي مع واشنطن سيتوقف، ولا انهيار العلاقة الاستراتيجية بين الجانبين.
ومع أن البيت الابيض جازف كثيراً بالعلاقات مع حلفائه من أجل تجنب التدخل العسكري في سوريا والسعي الى توقيع اتفاق نووي مع ايران، بذل المسؤولون الاميركيون جهدا كبيرا لتجنب ترك انطباع بأنهم لا يأخذون الهواجس السعودية مأخذ الجد.
وأقر الناطق باسم البيت الابيض جاي كارني بوجود خلافات مع السعودية، لكنه قال "نحن نسويها بطريقة صريحة ومباشرة لاننا نصون الاسس الرئيسية لعلاقة في غاية الاهمية".


وتتفاوت تقديرات المسؤولين الاميركيين الحاليين والسابقين التحذير لمستقبل العلاقات بين الجانبين. ففيما يعتبرها البعض "ثورة غضب موقتة" لن يكون لها أثر على العلاقات الثنائية ، "وخلاف عائلي لكنه خلاف خطير" ، ثمة من يتوقع تداعيات أكبر.
...وسط المشهد الاقليمي المتبدل، وفي ظل شعور سعودي متزايد بأن واشنطن تتجاهلهم، يقول اغناسيوس أن “أحدا (مسؤولاً أميركياً) يجب أن يصعد الى طائرة فورا ويتوجه للقاء الملك.وينقل عن مسؤول أميركي سابق لا يسميه أن عقلية العاهل السعودي "قبلية جدا" وهو يعتبر أن"كلمتك هي التزامك".



[email protected]
twitter:@monalisaf

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم