الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"البلد المفلس" والإفلاس السياسي أيضاً!

المصدر: "النهار"
ابراهيم حيدر
ابراهيم حيدر
"البلد المفلس" والإفلاس السياسي أيضاً!
"البلد المفلس" والإفلاس السياسي أيضاً!
A+ A-

غطى كلام البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، على كل كلام آخر. ارتفع فوق نفير المنافسات الإنتخابية ومعاركها ولوائحها. "البلد مفلس"، هذا واقع الحال. التوصيف لرئيس الجمهورية ميشال عون والإعلان من البطريرك الذي قال الأمور ببساطة ليتحمل الجميع مسؤوليته في بلدنا الذي يتجه نحو الخطر. 

الكلام عن الإفلاس ليس بعده كلام، وإن كان الراعي أكد أن ما يقوم به رئيس الجمهورية والحكومة والمؤسسات الدستورية، "عزز الثقة الدولية بلبنان الذي على رغم صغره، فإنه عنصر استقرار في المنطقة ونقطة لقاء، ويجب ان يبقى كذلك"، داعياً اللبنانيين الى العمل لتوفير الاستقرار السياسي والامني والاجتماعي والاقتصادي، ولافتاً الى ان الرئيس عون يحمل هماً كبيراً لجهة النهوض بالوضع الاقتصادي في البلاد. لكن ان يقولها البطريرك علناً، فهذا مؤشر الى ما تواجهه البلاد من أخطار مالية واقتصادية، وقد يستحيل الإفلاس واقعاً ما لم تكن هناك نقلة نوعية في الأداء السياسي والاصلاح ومكافحة الفساد ووقف الهدر ومحاسبة من تسبب بجعل لبنان من الدول الأكثر مديونية في العالم.

جاء الكلام عن افلاس البلد ليترك تداعيات سلبية، وإن كان البطريرك الراعي لم يفسر ما قصده الرئيس عون في هذا الموضوع، فقد يكون البلد يعاني إفلاساً سياسياً أيضاً، لكن مصادر مطلعة على أجواء اللقاء أشارت إلى أن البطريرك طرح موضوع المدارس الخاصة والمشكلات التي تعانيها، داعياً الى مساهمة الدولة بالتمويل أو المساعدة اجتناباً لكارثة اجتماعية تطال المعلمين والأهل، فكان موقف الرئيس عون متحفظاً في الجانب الذي له علاقة بالتمويل من دون رفض المبدأ، ومن هنا جاء الحديث عن البلد المفلس الذي لا يستطيع اليوم تغطية الحاجات في ظل أوضاعه المتعثرة على الصعيد المالي. وهذا ما يفسر وفق المصادر كلام البطريرك المكمل والذي قال أن "هناك هماً كبيراً نحمله جميعا، ويحمله الرئيس. فصحيح أن هناك عطفا دوليا على لبنان، ودولاً تريد مساعدتنا، ولكن هذه المساعدة هي قروض، ولو كانت ميسرة، وديون على لبنان ان يحملها. وفي المقابل، الرئيس عون يتكلم دائما عن الاقتصاد الانتاجي، خصوصا ان الفقر يزداد والمشاكل تتفاقم". وفي هذا الموضوع اوضح الراعي ان مجلس الوزراء سيدرس المشكلة ولديه طروحات عدة لحلها و"ما يعنينا ان تبقى المدرسة، وان يتمكن الاهالي من تعليم اولادهم، ويحصل الاساتذة على حقوقهم، من دون صرف احد منهم بسبب اغلاق بعض المدارس لأبوابها. تصلنا الى بكركي رسائل من مدارس عدة تشتكي من عدم تمكنها من فتح ابوابها العام المقبل. نحن امام كارثة اجتماعية معيشية. ذكرت ذلك امام الرئيس، وعلينا ان نعرف كيف نحافظ على الاهل، والاستاذ، والتلميذ، والمدرسة". لكنه قال إن للرئيس نظرته حول الموضوع.

قال البطريرك نصف الكلام، ولم يشر إلى من يتسبب بإفلاس البلد، فإذا كان من يحكم البلد منذ 30 سنة لا يتحمل مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع، فمن المسؤول؟ تذكر المصادر بكلام للبطريرك قاله في لقاء للبطاركة واتحاد المؤسسات التربوية في الأول من شباط الماضي، وجاء فيه "أنه لا يحق للمسؤولين السياسيين عندنا التذرع بأن "الخزينة فارغة". فهذه إدانة لهم، لكونهم يشهدون هم أنفسهم على أنفسهم، مؤكدين مسؤوليتهم عن إفراغ الخزينة، وعجزهم في ممارسة الحكم وتدبير الشأن العام. كيف في إمكانهم أن يملأوا الخزينة من دون أية مكافحة للفساد المتنامي في الشكل الظاهر في هدر مال الخزينة والسرقة والرشى وفرض الخوات والتلكؤ عن جمع الضرائب والمستحقات من جميع المواطنين؟ وكيف يملأون الخزينة من دون السعي الجدي، تخطيطا وتنفيذا، إلى إجراء النهوض الاقتصادي في كل قطاعاته؟ وكيف يملأون الخزينة بمشاريع إنمائية واقتصادية وصناعية تؤمن فرص عمل وإنتاج، فيما التشريع عتيق، والمعاملات الإدارية مملة ومرهقة ماليا، والنافذون في المناطق يفرضون حصصهم اللاشرعية مخالفين القانون والعدل ومعطلين الأحكام القضائية؟ وكيف السير بالبلاد تعاوناً مع الدول الصديقة، من أجل أن يملأوا الخزينة، وهم فاقدو الثقة والتعاون في ما بينهم، يواصلون يوماً بعد يوم خلافاتهم السياسية، الشخصية والحزبية والمذهبية، وإساءاتهم المتبادلة. والكل على حساب الخير العام وسير المؤسسات، وقهر الشعب وإفقاره. والأخطر من ذلك شخصنة الدولة والمؤسسات والدين والمذهب. ليس هكذا تبنى دولة تحترم نفسها، وتسعى إلى استعادة مكانها ومكانتها وسط الأسرتين العربية والدولية. وليس هكذا نستعد لإجراء الانتخابات النيابية المنتظرة منذ سنوات، ولا هكذا يستعد الطامحون إليها. فليترشح كل من يحسب نفسه قادرا على الخروج من هذا "العجز"، ومتحليا بالقيم الأخلاقية والوطنية. وليصوت الناخبون للقادرين الأسخياء الفعالين المتجردين.

البطريرك كان صادقاً في نقل الصورة، وكلامه عن عجز الدولة مؤشر لمن يتحمل المسؤولية، ويؤكد الإفلاس السياسي الذي يأخذ البلد من خلال المحاصصة الى المجهول!


[email protected]

twitter: @ihaidar62


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم