السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

"التجمع اللبناني" يطلق عناوين برنامجه الاقتصادي: لا إصلاح من دون تغيير السلطة السياسية ولا تغيير من دون سيادة

"التجمع اللبناني" يطلق عناوين برنامجه الاقتصادي:  لا إصلاح من دون تغيير السلطة السياسية ولا تغيير من دون سيادة
"التجمع اللبناني" يطلق عناوين برنامجه الاقتصادي: لا إصلاح من دون تغيير السلطة السياسية ولا تغيير من دون سيادة
A+ A-

أصدر "التجمع اللبناني" برنامجه الاقتصادي، في عناوينه وفصوله العريضة، وهو على الوجه الآتي: 

لا إصلاح ولا نمو اقتصادي من دون سيادة. فقدان السيادة يؤدي حتماً إلى فساد السلطات. السيادة اللبنانية منتهكة بوجود ميليشيا تعمل خارج نطاق القانون والسلطات الشرعية، خاضعةً علناً لسلطة أجنبية. وفي الوقت نفسه، تستبيح هذه الميليشيا الحدود وتقيم اقتصاداً موازياً معفى من أي ضرائب.

الفساد ليس ظاهرة قائمة بذاتها، بل هو ظاهرة سياسية تنتجها السلطة السياسية القائمة. أموال الفساد مصدرها نفقات الموازنة والمؤسسات العامة، كما المؤسسات شبه العامة، ككازينو لبنان، والإيرادات غير المحصّلة، كما في الجمارك وإيرادات الضريبة على القيمة المضافة. لا فساد من دون قرار سياسي. ضبط الفساد لن يكون من دون ضبط ممارسات هذه السلطة أو تغييرها.

الوضع الاقتصادي في لبنان سيئ ويتجه نحو مزيد من التدهور. من الصعب تمييز أي قطاع اقتصادي لا يعاني مشاكل كبيرة أو حتى خطيرة. فالنمو الاقتصادي المستمر ضعيفاً منذ سنوات لا يحمل فرص عمل جديدة، وفي الأخص إلى الشباب وذوي المهارات. وإذ تتجنب السلطة إجراء إحصاء رسمي عن البطالة منذ أكثر من عشر سنين، إلا أن شحّ فرص العمل واقع ظاهر من خلال تعثر العديد من المؤسسات التجارية وطلبات العمل وسفر الشبان والشابات. الشبان والشابات يهاجرون، وأصحاب المهارة والشهادات الجامعية يهاجرون. تزيد الوضع سوءاً، منافسة اليد العاملة الأجنبية، وفي الأخص السورية، غير القانونية، لليد العاملة اللبنانية في قطاعات اقتصادية عديدة، كما منافسة المؤسسات السورية الصغيرة التي تنشأ في لبنان في مواجهة المؤسسات اللبنانية الشبيهة. الفقير السوري ينافس الفقير اللبناني. ويحدث كل هذا خلافاً للقوانين.

السلطات اللبنانية لا تطبّق القوانين المتعلقة بالعمالة الأجنبية، وهي غائبة تماماً عما يجري، كأن البطالة المتزايدة لليد العاملة اللبنانية لا تعنيها. هذا الواقع القائم ضد العمالة اللبنانية والمؤسسات الصغيرة، يستند إلى تفاهم ضمني بين السلطة السياسية والمؤسسات التجارية اللبنانية التي تستفيد من وفر كلفة استبدال عمالة لبنانية بعمالة أجنبية، بأجور متدنية ومن دون توفير ضمانات اجتماعية. لا توجد دولة في العالم تتصرف كما الدولة اللبنانية إزاء مواطنيها العاملين والعاطلين عن العمل.

الوضع المالي والنقدي يستمر في التدهور وينذر بأزمة خطيرة. حتى صندوق النقد الدولي يطلق صفارات الإنذار، ولا مَن يسمع أو يريد أن يسمع مَن المسؤولين. فالدَين الحكومي مستمر في التصاعد. المشكلة الكبيرة في الدَين ليست في مستواه المرتفع وتصاعده، بل تكمن أساساً في كونه ناتجاً من نفقات جارية وليس من نفقات استثمارية كما يجب. استناداً إلى الأرقام الرسمية، كانت مجمل نفقات الموازنة وملحقاتها خلال 1993-2016 نحو 210 مليار دولار. أما حصة النفقات الاستثمارية، بما فيها الهدر والفساد، فكانت نحو 8% فقط من مجمل النفقات، في حين استأثرت الرواتب وملحقاتها والفوائد على الدَين بثلثي النفقات، علماً أن جزءاً كبيراً من كلفة الرواتب سببه توسّع التوظيف السياسي في مختلف المؤسسات الحكومية حتى أصبحت الإدارة العامة في لبنان منتفخة تدين بولائها لسياسيين أتوا به، وليس للدولة. أما باقي النفقات فيتوزّع على التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان (9%) وتحويلات إلى مؤسسات عامة وخاصة، والأخيرة جلّها مؤسسات أو شبه مؤسسات غامضة تحظى بمنافع الأموال العامة لأهداف سياسية بحتة. وبالرغم من الأخطار المتزايدة والإنذارات المتكررة بالنسبة إلى الوضع المالي المتردي، يأتي مشروع موازنة عام 2018 مكرّساً عدم مسؤولية المسؤولين ولامبالاتهم الفاقعة، إذ يتعدّى العجز المقترح، وبعد تعديلات هامشية، 6 مليار دولار، ومن دون أي بند أو توجّه إصلاحي.

أما السياسة النقدية وما يصاحبها من "هندسات مالية" مستمرة حتى الساعة، فلا تحمل سوى منافع غير اعتيادية لقلة ضئيلة من المصارف والأشخاص، تمثّلت في توزيع عمولات-أرباح بالليرة توازي أكثر من 5 مليار دولار في النصف الثاني من عام 2016 فقط، وهذا بتأكيد صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير عن لبنان. و"الهندسات المالية" مستمرة حتى الساعة. وما من سؤال من أي مسؤول عن هذا الأمر.

تعمل السياسة النقدية ضد القطاع الخاص والنشاط الاقتصادي في لبنان. فالفوائد المرتفعة التي يوزّعها مصرف لبنان في هندساته المالية حوّلت المصارف إلى وسطاء ماليين بين المودعين ومصرف لبنان، بتجاهل النشاط الاقتصادي عامة. فقروض المصارف للقطاع الخاص في لبنان لا تمثّل سوى 25% من مجمل موازنة المصارف. ويتدنى حجم هذه القروض فعلياً منذ العام 2015، إذ ترتفع قيمتها بأقل من الفوائد المترتبة عليها، ما يعني أن القطاع الخاص اللبناني لا يحصل على أية قروض جديدة، نتيجة السياسة النقدية وعكس الإدعاءات.

إن الواقع القاتم للاقتصاد اللبناني بكل قطاعاته هو، بدرجة كبيرة، نتيجة غياب الإصلاح واستشراء الفساد. هذا مع العلم بأن الرؤساء الثلاثة يتكلمون باستمرار عن الفساد القائم، لا بل استُحدثت وزارة خاصة لمكافحة الفساد. فماذا فعلت السلطة حتى الآن ضد الفساد والفاسدين؟ لا شيء. تقول مقدمة الدستور إن لبنان "جمهورية ديموقراطية"، أي أن مصدر السلطات هو الشعب. ممارسات أصحاب السلطة يجب أن تخضع للمساءلة والمحاسبة من ممثلي الشعب أو منه مباشرة، كونه مصدر السلطة والتفويض. هذا بحسب الدستور. أما الواقع في لبنان فمخالف تماماً لهذه القاعدة الديموقراطية والدستورية الأساسية.

بالفعل، فمن أهم مؤشرات الفساد في لبنان، الغياب شبه الكامل للمساءلة والمحاسبة لكل المؤسسات العامة. على سبيل المثل، لا ينشر مصرف لبنان منذ العام 2002 حساب الأرباح والخسائر (وهي خسائر) كما كان يفعل سابقاً منذ تأسيسه، ولم يسائل الحاكم الحالي لا مجلس النواب أو مجلس الوزراء عن أي أمر منذ تسلّمه مهامه قبل ربع قرن. ولا تنشر مؤسسة كهرباء لبنان، كما تقريباً كل المؤسسات العامة، حسابات مدقّقة منذ سنوات عديدة، وما من سؤال. أما مراسيم عقود النفط والغاز، المقدّرة بعشرات مليارات الدولار، التي ستوقّع بعد أسابيع لفترة تلزم الدولة لأكثر من 30 عاماً، فلم يطلع عليها مجلس النواب، بل أُقرّت بسرعة فائقة في أول جلسة لمجلس الوزراء لهذا العهد. وتتم نفقات الدولة عادة بالتراضي، خلافاً للقانون. ويؤكد رئيس دائرة المناقصات في التفتيش المركزي أن المناقصات الكبيرة تجري بمعزل عن إدارة المناقصات.

تطبيق القانون في لبنان أصبح عملية انتقائية بحسب الحاجة. فقد ابتدأ هذا العهد السياسي بمخالفتين دستوريتين واضحتين: إقرار موازنة العام 2017 من دون قطع حساب، وعدم إجراء انتخابين فرعيين في العام 2017. وقد تمت المخالفات الدستورية طبعاً، من دون أي سؤال أو مساءلة.

إنها سلطة تنفق أموال الناس وتستدين باسمهم من دون حساب أو محاسبة، ولا تعير أي اهتمام لتلويث أرضهم ومياههم وهوائهم. تربط النزاع بين أركانها لتنصرف إلى تقاسم صفقات بمليارات الدولارات من أموال الناس، ولا يطالهم حتى سؤال عما يفعلون. خلافاً للقانون، لا ينشرون حسابات أو تقارير عن أعمالهم ولا أحد يحاسبهم لأنهم يفرضون في أجهزة الدولة الموظفين الذين من المفترض أن يحاسبوهم. الدولة أصبحت ملكية خاصة للسياسيين يزرعون فيها أفراد عائلاتهم وأتباعهم، ويحصدون منها أموال الناس ومستقبلهم. لذلك، علينا كمواطنين مطالبة السلطة بنشر الحسابات المدقّقة عن الموازنة وحساب الأرباح والخسائر لكل المؤسسات العامة. هذا أمر يفرضه القانون ولا تلتزمه السلطة لأنها تريد إخفاء ما تفعله، وهو حق قانوني وطبيعي لكل مواطن لكي يعرف ما تفعله السلطة بالأموال العامة، أي بأموال المواطنين، ويدقّق فيها.

قد يستطيعون ضبط الوضع السياسي والأمني، لكنهم لن يتمكنوا من ضبط الأخطار المتصاعدة لتدهور مالي ونقدي من جراء سياساتهم، لأنهم غير مهتمين بأي إصلاح، أو بالمصير الاقتصادي للناس. مهتمون فقط بالمحاصصة. لذلك، تعطي الانتخابات النيابية المقبلة المواطن اللبناني الفرصة الأولى منذ تسع سنوات للمحاسبة على رغم أنه تمّ تعطيل امكان التغيير باختزال الحياة السياسية بأحزاب طائفية وبقانون مفصّل على قياس مذهبي. أقلّه، نأمل الإتيان ببضعة نواب يكونون باكورة الذين يحاولون الحدّ من الفساد، ويعملون للمصلحة العامة وليس للمصلحة الخاصة.



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم