الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الـ"أوسكار" العجوز تجاهلت أندرسون ونولان: الغزو المكسيكي لهوليوود مستمر!

المصدر: "النهار"
الـ"أوسكار" العجوز تجاهلت أندرسون ونولان: الغزو المكسيكي لهوليوود مستمر!
الـ"أوسكار" العجوز تجاهلت أندرسون ونولان: الغزو المكسيكي لهوليوود مستمر!
A+ A-

غزو المكسيكيين لهوليوود قفز إلى مرحلة جديدة هذا الصباح، بفوز المخرج المكسيكي الكبير غييرمو دل تورو (٥٣ عاماً) بجائزة أفضل فيلم وأفضل مخرج عن "شكل المياه" في الحفل التسعين لتوزيع جوائز الـ"أوسكار" التي تمنحها أكاديمية فنون الصور المتحركة وعلومها في لوس أنجليس (صالة دولبي).  

هذه الفانتازيا السينمائية لأحد أكثر المخرجين ثقافةً وفهماً بالشاشة وتاريخها وأسرارها، خرجت من السباق بأربعة تماثيل ذهب (أفضل فيلم وإخراج وموسيقى وإدارة فنية) من أصل ١٣ ترشيحاً، مع العلم ان منذ العام ٢٠١٥، لم تذهب جائزتان (الفيلم والإخراج) لعمل واحد.

منذ أربع سنوات، ثلاثة مخرجين من المكسيك سُلِّطت عليهم أضواء الـ"أوسكار": عام ٢٠١٤ عندما أُسنِدت إلى ألفونسو كوارون (وهو صديق دل تورو) جائزة أفضل مخرج عن "جاذبية"، وفي العام التالي ذهبت الجائزة نفسها إلى مواطنه أليخاندرو غونزاليث إينياريتو عن "بردمان"، وهي جائزة عاد وتسلّمها مرة جديدة في العام الذي تلاه عن إخراجه لـ"المنبعث"، وها ان دل تورو يختم اليوم هذا النصر الثلاثي. 

"شكل المياه" فاز في أيلول الماضي بـ"أسد" البندقية ثم في الشهر الماضي مُنِح "غولدن غلوب" أفضل مخرج. هذا عمل ينهل من ينبوع الخيال وقد هتفت له قلوب النقّاد منذ اللحظة الأولى لعرضه في الـ"موسترا". القصة عن علاقة غرائبية تربط كائناً برمائياً بموظفة بكماء (سالي هوكينز)، خلال الحرب الباردة، المرحلة الزمنية التي مدّت الفيلم بتفاصيل: جو كابوسي، ألوان تميل إلى الإخضرار، ضغط نفسي، الخ. الديناميكية الإخراجية التي اعتمدها دل تورو تحبس الأنفاس وقد أمعنت في ربط الفيلم بإيقاع مشدود، وحده دل تورو يعرف كيف يصنعه، وليست ألحان ألكسندر دسبلا (أفضل موسيقى) بمعزل عن حال التسلسل المدهشة في الأفكار. بالتأكيد، يُضاف إلى هذا، نصٌّ أوريجينال ومونتاج متداخل لا يترك أي فراغ. القصة تنطوي كذلك على احالات سينيفيلية، اذ ثمة مقاربة لتيمة التوحش في السينما، مع شيء من الفيتيشية المحببة التي تجعل فتاة طيبة القلب تقع في حبّ مخلوق برمائي. على الرغم من حرفته العالية وجرأته في صناعة فيلم خارج الموضة، لا يناقش دل تورو قضية ملحّة، الا ان اسناد الـ"أوسكار" إليه، يمكن قراءته كلفتة جميلة لسينما الـ"جانر" الذكية، التي غالباً ما تعتم عليها "سينما المؤلف". 

في تشرين الأول الماضي، كان دل تورو من عداد المدعوّين إلى مهرجان لوميير في ليون الفرنسية، هناك تحدث مطولاً عن كلّ ما صنعه عبر السنوات، سواء دلّ تورو الشخص أو الفنان. من التربية الكاثوليكية الصارمة التي نشأ عليها إلى الوحوش التي ستعجّ بها أفلامه لاحقاً. قال: "ما أنا عليه اليوم هو نتيجة تربية، مزيج من القصص المتسلسلة ومجلدات الفنّ والكنيسة الكاثوليكية". 

جائزة أفضل ممثل ذهبت، كما كان متوقعاً، إلى البريطاني غاري أولدمان الذي جسّد دور وينستون تشرشل في "الساعة الأخطر" لجو رايت. تسلم كازوهيرو تسوجي للماكياج (فاز بجائزة الماكياج) كان شرط أولدمان الوحيد للموافقة على الاضطلاع بالدور. عمل تسوجي على "كوكب القردة" لتيم برتن وعدد من الأفلام منها "مان إن بلاك"و”بنجامن باتن” وكُلِّف في بداياته تحويل جيم كاري إلى غرينتش. يقول أولدمان لمجلة "فالتشر" انه الوحيد في العالم الذي يصلح لهذه المهمة.  

المشكلة ان الرجل كان يحاول اعتزال المهنة منذ أكثر من عشر سنين، وبدأ يعمل نحاتاً في السنوات الأخيرة. لكنه استسلم لطلب الممثل وإلحاحه. سبب آخر جعله يقبل: طوال عمره كان مفتتناً بصورة لديك سميث (وجدها في مجلة حين كان طفلاً) وهو يعمل على هال هولبروك لتحويله إلى أبراهام لينكون. التحدي كان ضخماً لأن أولدمان لا يشبه تشرشل، لا من حيث حجم الوجه وتقاسيمه أو موقع الأنف والعينين والفم فيه، فهو نقيضه في كلّ شيء. استخدم تسوجي أنواعاً عدة من المواد، منها شعر الأطفال الرضّع، وتطلبت التجارب ستة أشهر، وولدت منها ثلاث نسخ مختلفة، ويقول في هذا الصدد ان لكلّ شيء حدوداً، فالماكيور مهما كان فناناً لا يستطيع تعديل بعض الأشياء.

"ثلاث لوحات إعلانية خارج إيبينغ، ميزوري" للإيرلندي البريطاني مارتن ماكدونا، اكتفى بجائزتين تمثيليتين، بالرغم من انه كان من المتوقع فوزه بأكثر من ذلك، وخصوصاً بعد خروجه من حفل "غولدن غلوب" الأخير بأربع جوائز. فرانسز ماكدورمند ("أوسكار" أفضل ممثلة) تضطلع بدور أم مفجوعة تحاول التعايش مع واقعة مقتل ابنتها المراهقة بعد اغتصابها، لكنها تشتكي من المماطلة التي تعاني منها عملية سير التحقيقات. أمام تخاذل الشرطة المحلية، لا تجد صديقتنا ميلدريد الا حلّاً واحداً يبدو سوريالياً للوهلة الأولى، لكنه سيكون مسرحاً للأحداث المتعاقبة بوتيرة جنونية: استئجار ثلاث لوحات إعلانية لكتابة إتهام موجه إلى رئيس الشرطة، والتهمة هي الفشل في العثور على المجرم. طبعاً، هذه حجة تقحمنا في معمعة طويلة، حيث شخصيات تختفي وأخرى تظهر داخل نصّ محكم البناء، يعرف إخراج ماكدونا كيف يمسك بعصبه طوال الوقت. شلّة من الممثلين البارعين يجسّدون أدواراً كُتبت بعناية: وودي هارلسون، سام روكويل ("أوسكار"أفضل دور ثانوي)، آبي كورنيش وغيرهم.

جائزة السيناريو الأصلي كانت من نصيب فيلم "اخرج" للأميركي جوردان بيل، على رغم وجود منافسين قويين له هما ماكدونا ودل تورو. أما "أوسكار" أفضل سيناريو مقتبس، فذهبت إلى التسعيني جيمس أيفوري (يُقال انه أصبح منذ اليوم الفائز الأكبر سناً) وأفلمته لرواية أندره أسيمان، "نادني باسمك"، وأخرجه الإيطالي لوكا غوادانينو، حيث لجأ إلى ترسيخ "ناتورالية" موريس بيالا وجرأة برناردو برتوللوتشي ضمن سينما عواطف مكبوتة محسوسة يمكن اعتبارها ذروة في الفنّ والجمال والحسيّة والبساطة المكثفة والاغواء وبدايات الوعي على المشاعر واكتشاف الذات من خلال آخر. انه دعوة للبحث عن الجمال في الجمال، ولافت كيف يتأخر الفيلم على لحظات صغيرة، علاقات مكلومة مع جوهر الحياة، ليحيطنا في الأخير بين ذلك الإحساس الرهيب بالأشياء، وعي بماهية الإنسان. يعرف غوادانينو كيف يلتقط هذا الضوء!  

هذا فيلم باهر كان المفضّل لديَّ ضمن لائحة الأعماء المرشحة، فضلاً عن "الخيط الوهمي"، رائعة بول توماس أندرسون (لنا عودة مفصلة اليه) الذي خرج من الحفل بجائزة واحدة: أفضل ملابس. اللافت ان أعضاء الأكاديمية لم يقعوا في اغواء تكليل دانيال داي لويس في دور الخياط المهووس بالتفاصيل (وبأشياء أخرى)، بعد اعلان اعتزاله التمثيل نهائياً في العام الماضي، بالرغم من انه أهلٌ لها، حتى لمرة رابعة.

معظم الجوائز التقنية (مونتاج، مونتاج صوت، ميكساج صوت) لمّها "دنكرك" للبريطاني كريستوفر نولان (بعد تجاهله كمخرج لمرة جديدة)، فيلمه الحربي الكببر الذي لا ينطوي سوى على لحظات ذروة، وهو بأكلمه عن عملية سحب القوات البريطانية من شاطئ دنكرك، التي تمت بعد تصاعد خوف تشرشل من الألمان. أما المفاجأة التي أثلجت صدر الكثيرين فهي إسناد "أوسكار"أفضل تصوير للبريطاني المعلم روجر ديكنز (٦٨ عاماً) عن عمله في "بلايد رانر ٢٠٤٩" لدوني فيلنوف. هذه أول "أوسكار" لأحد أسياد الضوء في العالم. في مهرجان كانّ، قبل ثلاثة أعوام خلال مقابلة مع "النهار"، سألته اذا كان يشعر بأسى أو بخيبة أمل جراء عدم نيله أي "أوسكار"، فقال: "لا. أفعل ما يحلو لي، هذا الأهم! الكثير من الأفلام العظيمة لم تنل أي جائزة. في الحقيقة، لا أكترث. "ظلال" لكاسافيتيس واحد من أروع الأفلام التي أُنجزت، هل أعطاه أحدهم "أوسكاراً"؟ ٩٩ في المئة من هوليوود يجهلون حتى هذه الأفلام. يا للخسارة!".  

شكّل حصول "أمرأة رائعة" للتشيلياني سيباستيان ليليو على "أوسكار" أفضل فيلم أجنبي مفاجأة مدوية. المرشحون الأربعة البقية للفئة نفسها، ومن بينهم اللبناني زياد دويري الذي شارك بـ"قضية رقم ٢٣"، عادوا بلا شيء. مارينا (دانيال فيغا)، مغنّية غير مكرّسة تخرج مع أورلاندو (فرنسيسكو رييس)، صناعي يكبرها بسنوات، وهما يخططان للعيش معاً، بعدما تخلى الرجل عن زوجته وأولاده من أجلها. إلا أنّ موته المفاجئ يضع مارينا أمام واقع جديد تجهل كيفية التعامل معه. فثمة من جهة رجل عليها أن تصون ذكراه، ومن أخرى خصومة عائلته التي تريد إبعادها بأيّ ثمن، وخصوصاً حين يتبيّن أنّ مارينا رجل تحوّل امرأة. مع هذا الفيلم، يحكي ليليو حكاية التهميش الاجتماعي في المجتمع اللاتيني، إلا أنّ وجه ذلك التهميش أوضح وأكثر صراحة هنا من فيلمه السابق "غلوريا"، فمَن تتعرّض له ضحية جاهزة. ليليو يعالجه برقة كبيرة. بحميمية بالغة يرسم تفاصيل نضال مارينا، وغالباً يمرّر الأفكار على نحو يمنح الانطباع بأنّ ثمة شيئاً يتسرّب إلى الفيلم. لن تُعطى مارينا فرصة لتضميد جراحها، لا بل لتقوم بحدادها كما ينبغي، فهي تجد نفسها بسرعة وسط معركة يفترض عليها خوضها. 

كالعادة، كانت السهرة طويلة جداً تخلّلتها لحظات ملل وتكرار. لحسن الحظ، مداخلات جيمي كيمل رفعت من الإيقاع الرتيب المثير للنعاس خصوصاً لجمهور يعيش في الجزء الشرقي للكوكب ويريد معرفة النتائج قبل ان يخلد إلى النوم. رؤية الاسطورة إيفا ماري سانت وهي في الرابعة والتسعين كانت لحظة مبهجة. كلّ محاولات نبش موضوع #هارفي_واينستين لم تنجح سوى للغرق في المزيد من الخطب الذي من الواضح ان القائمين على الحفل أرادوا الحدّ منها خشية من نفاد صبر المتلقي. فنحن في النهاية في عاصمة الـ”شوبيز” لا في حرم جامعي، حيث عدد من النجوم جاؤوا برفقة أمهاتهم. خلال الاستعراض الكبير المنضبط بأدق تفاصيله، تدبّر كيمل لإمرار بعض الرسائل الملغومة، فأشار إلى تمثال الـ”أوسكار” الضخم، وبدا معجباً بعدم وجود أي إحليل يتوسط هذ الذكر اللطيف العفيف. هل يكون المرشح المثالي في الأعوام المقبلة؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم