الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"فاغنر"... "قوّة صدم" روسيّة في خدمة مصالح بوتين والأسد

"فاغنر"... "قوّة صدم" روسيّة في خدمة مصالح بوتين والأسد
"فاغنر"... "قوّة صدم" روسيّة في خدمة مصالح بوتين والأسد
A+ A-


في تشرين الاول الماضي، وزع تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) شريط فيديو مدته 42 ثانية ليؤكد اعتقاله رجلين روسيين: رومان سيرغييفيتش زابولوتني المولود عام 1979 والذي اعتقله التنظيم الجهادي خلال هجوم مضاد قرب بلدة الشولا، ورفيقه غريغوري تسوركام الذي بدا أنه تعرض للضرب وتورّمت عينه اليسرى.  

سارعت وزارة الدفاع الروسية الى نفي فقدان أي من جنودها في سوريا، الا أن شقيق تسوركانو أطل على وسائل الاعلام الروسية ليقول إن شقيقه ذهب للقتال في سوريا، لا مع الجيش الروسي وإنما مع شركة للمرتزقة تعرف باسم "فاغنر" سبق لها أن ارسلت مقاتلين الى أوكرانيا.

وتضطلع الشركة العسكرية الخاصة التي اعتبرت الرديف الروسي لشركة "بلاكووتر" الاميركية التي صار اسمها "أكاديمياً"، بدور كبير في الحرب السورية. وقد خرج هذا الدور الى العلن مراراً في السنوات الاخيرة. ويخطر القانون الروسي الشركات العسكرية الخاصة، لكن موقع "فونتانكا.رو" الروسي أفاد أن ضابطاً سابقاً في القوات الخاصة الروسية يدعى ديميتري أوتكين يجنّد جنوداً سابقين أقوياء للعمل مع الشركة.

ويعتقد أن المجموعة التي تعد نحو 2500 رجل شاركت بكثافة في عمليات حول تدمر عام 2016، "قوات صدم" الى جانب الجيش السوري، كما أفاد الخبير في الامن الروسي في معهد العلاقات الدولية ببراغ مارك جاليوتي. ومع أن الجيش الروسي لا يقر بوجود "فاغنر"، نشرت صورة لأوتكين مع بوتين في استقبال في الكرملين تكريما للضباط العسكريين في يوم أبطال أرض الاجداد. والصيف الماضي، اضافته الولايات المتحدة الى المسؤولين المدرجين على لائحة العقوبات لتورّطهم في النزاع الاوكراني حيث يعتقد أن المجموعة نشطت في بداياتها.


كبرى خسائر فاغنر

في وقت متقدم من مساء السابع من شباط الجاري ، وخلال الساعات الأولى من الثامن منه، منيت "فاغنر" بكبرى خسائرها في سوريا خلال الهجوم الفاشل الذي شنته قوات موالية للنظام السوري للاستيلاء على أحد معامل التكرير في حقل الحصبة للنفط والغاز بدير الزور وهي المحافظة التي كانت توفر معظم الثروة النفطية لـ"داعش" في سوريا. ففي هذا الهجوم، يعتقد أن القوات الأميركية في سوريا قتلت أكبر عدد من أفراد القوات الروسية منذ انتهاء الحرب الباردة، بما يتجاوز 200 مقاتل.

وفي ظروف أخرى، كان يمكن حصيلة كهذه أن تثير حرباً عالمية. لكن الحادث كاد أن يمر دونما تداعيات، واكتفى ذوو الضحايا الذين رفعت وكالة "رويترز" الجمعة عددهم إلى أكثر من 300 روسي بين قتيل وجريح، بدفن أبنائهم بصمت، بعدما تنصلت موسكو منهم وقبلت واشنطن شهادة البراءة. وبدا التواطؤ الروسي - الاميركي واضحاً في احتواء تداعيات الحادث على الجانبين. فعلى رغم تبرؤ القيادة الروسية العسكرية الروسية في سوريا من الهجوم، أعرب مسؤولون أميركيون تحدثوا الى موقع "بلومبرغ" عن اقتناعهم بأن الجيش الروسي كان على علم بالهجوم على دير الزور. وقالت نائبة مساعد وزير الدفاع السابقة لشؤون روسيا إيفلين فركاس إن "المرتزقة الروس، سواء في أوكرانيا أو في سوريا، يعملون لحساب الحكومة الروسية". الى ذلك، يدرك الروس تماماً ان ثمة جنوداً أميركيين في دير الزور. وثمة اتفاقات عدة بين الجانبين تنص على ذلك.


الصراع على النفط

وصرح الباحث الروسي أنطون مارداسوف لـ"النهار" بأن الضفة الشرقية للفرات هي منطقة تماس بين القوات الحكومية و"قوات سوريا الديموقراطية" (قسد)، لذا كان مفترضاً ايلاء المنطقة مزيداً من الانتباه. الى ذلك، تزايد حجم القوات هناك تدريجاً، ورافقت العملية معلومات من مصادر موالية للنظام مفادها أن "قسد" تنوي تسليم جزء من المناطق الى النظام، في محاولة للتأثير على المفاوضات بينه وبين القبائل.

وتتطلع دمشق وموسكو وطهران الى استعادة حقول دير الزور الغنية بالنفط والغاز والخاضعة حالياً لسيطرة "قسد" والقوات الاميركية. من هذا المنطلق، رأى مارداسوف أن قوات الدول الثلاث اختبرت في الهجوم الاخير قوة "قسد" ونيات واشنطن، الا أن موسكو نأت بنفسها عن الهجوم علناً.

وكان واضحاً أن الجميع يسعون الى تجاوز ما حصل بأقل صخب ممكن. وعلى رغم أن جميع المتحاربين في المنطقة أقروا بحصول هجوم على قاعدة في دير الزور، وأن قوات موالية للنظام حاولت الاستيلاء على قاعدة نفطية، قبل أن تتكبد خسائر بشرية كبيرة نتيجة غارة جوية أميركية، الا أن هوية العدد الاكبر من القتلى لم تكشف الا قبل أيام، وتحديداً مع نشر موقع "بلومبرغ" أن نحو 200 من الضحايا روس من المرتزقة الذين يعملون لدى شركة أمنية خاصة.

عندما تدخلت روسيا مباشرة في الحرب في أيلول 2015، تحدث المسؤولون في موسكو عن عملية جوية قصيرة، مستبعدين ارسال جنود وتورط طويل الامد في المستنقع السوري، خصوصاً أن الغزو السوفياتي المكلف لافغانستان لم يمح بعد من أذهان الروس. لكن محللين عسكريين أقروا في حينه بأن ارسال مقاتلين عسكريين مستقلين ظاهراً كقوات برية يتيح للجيش السوري وسيلة لتحقيق أهدافه والتبرؤ من الخسائر عند الضرورة.

رسمياً، احصت القوات الروسية خسارة 41 جندياً تقريباً حتى نهاية 2017، بينهم جنرال قتل في قصف لدير الزور في أيلول. الا أن صحافيين ومدونين مستقلين رصدوا مقتل عدد كبير من مرتزقة "فاغنر" خلال القتال. ونقلت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية عن نائب مدير معهد التحليل السياسي والعسكري الكسندر خرمشيخين، إن القوة تعمل على الأرض كشركة عسكرية "شبه خاصة"، بتوجيه من الجيش الروسي.

وفي ما يتعلق بالهجوم الاخير في دير الزور، قال الخبير في السياسة الروسية للشرق الاوسط يوري بارمين لـ"النهار" إن الرد الروسي على الهجوم يشير الى أن مقاتلي الشركة الامنية تورطوا فيه من دون علم موسكو، مشيراً الى تعليق المسؤولين الروس على الحادث بأن القوات الروسية شنت الهجوم على منشآت "قسد" من دون تنسيق مع المركز في حميميم ، لذا تعرّضت لهجوم من الاميركيين.


لماذا غاب الرد الروسي؟

واعتبر أن ثمّة وجهين لغياب أي رد روسي على رغم الحصيلة الكبيرة للضحايا، الأوّل أن موسكو تسعى الى ابقاء الاسد منسجماً سياسياً مع استراتيجيتها في سوريا. ففي ظل انتهاء التهديد العسكري له من المعارضة، تراجعت درجة اعتماده على روسيا، لذا فهي تبحث عن طرق لاعادة فرض نفوذها على الرئيس السوري. من هذا المنطلق، يثير الهجوم الاميركي على مقاتلي الشركة الامنية الخاصة شعوراً بالخطر للحكومة السورية، ويضع روسيا في موقع الحامي الوحيد للنظام السوري. لذا يمكن أن تكون روسيا استفادت منه ما دام قد وفّر لها طرقاً اضافية للضغط على الاسد، وخصوصاً في ما يتعلق بالعملية السياسية.

أما الوجه الثاني للصمت الروسي، فربطه المحلل بالانتخابات الرئاسية في سوريا، قائلاً: "للصمت الروسي أيضاً علاقة بأن الروس يتوجّهون الى انتخابات رئاسية في غضون أسابيع، وأي تصعيد مع الولايات المتحدة في شأن الحادث سيكون له أثر محلياً. فالحادث يقوض فكرة النصر الذي اعلنه بوتين في سوريا في كانون الاول 2017. وبدورهم، ليس الاميركيون مهتمين بالتصعيد في شأن الهجوم. لذا فإن من مصلحة الجانبين تقليل شأنه".

كذلك رأى مارداسوف أن من مصلحة موسكو اقناع الروس عشية الانتخابات الرئاسية بأن بلادهم تتكبد خسائر قليلة جداً في سوريا. ولفت الى أن روسيا حريصة على عدم التدخل علناً في النزاعات بين الاكراد والاتراك وبين الايرانيين واسرائيل، لئلا تتورط في الحرب وتواصل تقديم نفسها وسيطاً. وفي شأن ما حصل في دير الزور، لاحظ أن لموسكو مصلحة في السيطرة على حقل النفط لتقوية الاقتصاد السوري، لكنها ترى أيضاً أهمية الحفاظ على تواصل مع الولايات المتحدة.

ثمة شعور متزايد لدى متابعي الشأن السوري بأن موسكو تخسر بعض النفوذ لدى الاسد. لذا توقع مارداسوف أن يغتنم الكرملين الفرصة للضغط على دمشق من دون اظهار ذلك علناً. وفي حادثة دير الزور، تقلل موسكو الخسائر التي تكبدتها فاغنر أو تتنصل منها، بينما تستفيد مما حصل، للضغط على النظام السوري.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم