الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هشاشة الوطن

المصدر: "النهار"
هشام ملحم
هشام ملحم
هشاشة الوطن
هشاشة الوطن
A+ A-

عندما غادرت لبنان في حزيران 1972 للدراسة في الولايات المتحدة، لم أفعل ذلك كمهاجر، لأنني كنت أنوي العودة الى الوطن بعد انتهاء دراستي واكتشافي لهذه القارة الكبيرة التي بهرتني منذ صغري بموسيقاها وأفلامها وحتى أدبها الذي قرأته مترجما إلى اللغة العربية، والتي كنت أعارض معظم سياستها الخارجية. في 1975 بدأت الحرب الأهلية في لبنان، أو حرب الآخرين، أو دخول أو اجتياحات الجيوش الأجنبية كفاتحة أو منقذة، وفقا لميول وانحيازات القوى والطوائف اللبنانية، لأنه لم يدخل لبنان جيش أجنبي ولم يجد من يرحب به. هل نستطيع ككل أن نصنع وطنا – وهذا يفترض التطلع الى المستقبل – واللبنانيون لا يزالون أسرى الماضي، لأنهم لم يتجرأوا حتى الآن على محاسبة انفسهم على ما فعلوه ولم يفعلوه خلال الحرب، التي لا تزال كالجمر تحت الرماد، تحرقنا بين وقت وآخر عبر تشنجات وانفجارات عنيفة واشتباكات أهلية وأعمال إرهاب. 

هل نستطيع أن نتحدث عن صنع وطن حقيقي، بوجود طرف سياسي - عسكري (حزب الله) أقوى من الدولة الهشة يدين بالولاء لدولة أجنبية لا تربطها حتى حدود برية مع لبنان؟ وهل يمكننا أن نتحدث عن المواطنة اليوم على خلفية التوترات الشعبية الناتجة عن "بلطجة" حركة أمل والتيار الوطني الحر؟ ممثلو القوى المتقاتلة خلال العقود الماضية وأولادهم وأحفادهم يقودون لبنان اليوم. لا يمكن بناء وطن طالما بقيت الدولة تتعامل مع اللبناني كعضو في طائفة، شاء أم ابى، وليس كمواطن له حقوقه الكاملة من دون أي تمييز ديني أو عرقي أو جنسي، والتي يضمنها دستور عصري.

وطنك هو أبعد من المكان الجغرافي الذي تعيش فيه وتمارس حريتك دون خوف مع مواطنين آخرين. أن تكون مواطناً في دولة ما، هو أن تتشارك مع الآخرين في الانتماء الى أخلاقيات وروحيات وقيم Ethos صاغت بدورها على مر السنين ذاكرة جماعية سياسية وثقافية وروحية ينتمي اليها بشكل عام جميع المواطنين. الفئات اللبنانية لها رؤى مختلفة لهوية لبنان، ولدوره في المنطقة وفي العالم، ورؤى متضاربة لمن هم اصدقاء وحلفاء لبنان ومن هم خصومه وأعداؤه. طبعاً هذه أسئلة قديمة، ولكن اللبنانيين الذين جعلوا من نكران الواقع فناً راقياً، لا يتجرأون على حسم هذه الأسئلة بشكل نهائي. هذا كله يدعوني إلى القول إنه ليس هناك ذاكرة جماعية لبنانية حتى الآن، ولذلك لا أرى إمكانية لبناء مفهوم المواطنة الحقيقية في لبنان من دون تغيير مفاهيمي وجوهري في بنية الدولة ومفاهيم مكونات المجتمع، لكي نتخطى هشاشة وطن تدّعي أكثرية اللبنانيين أنها تحبه وتعتبره ملجأها الوحيد والأخير.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم