خمسة وسبعون عاماً مضت على نشوء صيغتنا اللبنانية الفريدة. تأسست شرقي المتوسط، قلما غابت عنها الشمس، فأحيت باللبنانيين دائما الشعور بالأمل، والحياة الأفضل، وللسبب عينه، قصدها الزائرون من مختلف أصقاع الأرض.
نشأت صيغتنا الوطنية على التنوع، والتعددية، وقبول الآخر المختلف، ولم يتخلف اللبنانيون عن الترحيب بالصيغة الفريدة من نوعها في العالم، فعاشوا هذا التنوع، وتقبل الآخر، واندمجوا في بوتقة وطنية قل نظيرها.
لكن موقع لبنان المناخي المعتدل في نقطة تكاد تكون مركز دائرة العالم، جعله ممراً للعواصف والأنواء الجيو- استراتيجية، فلم تكن الرياح التي كانت تهب بين فينة وأخرى، تعطي فرصة طويلة للبنانيين ليتعايشوا مرتاحي البال في ما بينهم، وليبنوا وطناً موحداً، ودولة حديثة تؤمن المستقبل الزاهي لأبنائها. فكانت التطورات، والتدخلات الخارجية من مختلف دول العالم، وصراعات الحدود، والمصالح، والاقتصاد، تدفع باتجاه هبوب رياح، غالباً ما كانت عاتية، فاثرت على لبنان، وأدخلت فئات منه في صراعات أهلية، منعت توحده التام، وتأسيس دولته الحديثة، حتى وصلنا منذ منتصف السبعينيات إلى سلسلة من الحروب الأهلية المفتوحة التي لا تتوقف.
استفادت القوى العالمية والإقليمية المتصارعة من التركيبة الطائفية المتنوعة للبنان، وبدلاً من أن تكون تجربته نموذجاً غنياً للعالم، تحولت بشقوقها، وتصدعاتها، إلى وبال يمنع تكوين دولة ووطن يؤمن الحياة الكريمة لأبنائه، فهاجرت أدمغته، وقواه العاملة، وضعفت بنيته، متهالكة تحت وطأة التطورات الطويلة.
نحن اليوم أمام تحدٍ جديد لبناء وطننا بصيغة قابلة للتوحد، بقيام دولة مدنية، علمانية، تكون الكفاءة فيها المعيار الأساس، بالتشارك بين مختلف أبناء الوطن، مرددين قول أستاذنا وملهمنا جبران تويني:
"نقسم بالله العظيم، مسلمين ومسيحيين، أن نبقى موحدين، إلى أبد الآبدين".