الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

التمثيل بجثة بارين وغصن الزيتون التركي

المصدر: "النهار"
مسعود عكو - كاتب كردي
التمثيل بجثة بارين وغصن الزيتون التركي
التمثيل بجثة بارين وغصن الزيتون التركي
A+ A-

لو كان يدري المخرج الراحل مصطفى العقاد أنه ستكون هناك أفلام واقعية وحقيقية لشق بطون القتلى، والتمثيل بجثث الموتى خلال الحرب السورية، لما احتاج إلى مشهد وحشي في فيلم الرسالة، حيث يشق بطن حمزة عم الرسول. 

امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي، بصور واسم "بارين كوباني" الاسم الحركي لأمينة مصطفى عمر، المقاتلة الكُردية في صفوف وحدات حماية المرأة المعروفة اختصاراً باسم (YPJ) وذلك بعد نشر مقطعي فيديو يظهر فيهما تمثيل مقاتلين تابعين لـ"الجيش السوري الحر" أو "الجيش الوطني السوري" المدعوم تركياً بجسد المقاتلة، في إطار العدوان التركي على عفرين الكُردية، أو ما يعرف بعملية "غصن الزيتون".

المقطعان المصوران من قبل مقاتلين سوريين يظهران التمثيل بجسد المقاتلة "بارين كوباني" بعد أن فارقت الحياة، حيث تم أسرها من قبل جنود أتراك في قرية قورنة التابعة لناحية بلبل في ريف عفرين الشمالي. ومن ثم جرى تعذيبها وقتلها والتمثيل بجسدها والدوس على صدرها، والتقاط صور السيلفي مع جسمها العاري، والتحرش بها ميتة. إذ يظهر الفيديو أحد المقاتلين وهو يشد ثديها المقطوع بفعل التعذيب الوحشي، والتمثيل بجسد الضحية.

(ا ف ب).

لم تكن الجريمة البشعة بحق المقاتلة "بارين كوباني" هي الأولى التي يرتكبها هؤلاء باسم "الجيش السوري الحر" ثوار الحرية والكرامة. سبقتهم كتائب نور الدين الزنكي في حلب بذبح الطفل الفلسطيني "عبد الله عيسى". وكذلك ألقوا جنود النظام من فوق بناية البريد في بلدة الباب في حلب. ولا يُنسى أبداً كيف شق الإدلبي "خالد الحمد أبو صقار" بطن أحد جنود الأسد القتلى ولاك قلبه.

تتهم أوساط سورية ثورية أن وحدات حماية الشعب المعروفة اختصاراً باسم (YPG) مثلت بجثث مقاتلين تابعين لهم في موقعة عين دقنة. لم يكن المقاتلون الحماصنة الذين لقوا حتفهم جراء أعمال عسكرية ومعركة شرسة في عين دقنة مع (YPG) في نزهة، بل كانوا غزاة معتدين، ولو قدر أن انتصروا، لكنا شاهدنا مئات الجثث يمثل بها كما جثة المقاتلة "بارين كوباني". مع كل ذلك اعتذرت (YPG) عن عرض جثث قتلى المعركة، وكذلك نددت الأوساط الكردية كافة وشجبت هذه الفعلة اللاإنسانية. ودعا المثقفون والناشطون الكرد مقاتلي (YPG) بضرورة احترام النفس البشرية، خاصة بعد وفاتها، وعدم الانجرار إلى الأعمال الانتقامية المنافية للقيم والأخلاق الكردية وخاصة المقاتلين الكرد. إذ لم يذكر في كل الصراعات الكردية مع الأنظمة المحتلة لكردستان أن قاموا بالتمثيل بجثث القتلى أو حتى الإساءة للأسرى.

لطالما ارتكبت الفظائع بحق السوريين خلال سنوات الحرب الأهلية السبع، ولطالما انتهت هذه القصص وكأنها لم تكن أبداً. فلم يحاسب أي قاتل أو مجرم ارتكب شتى الموبقات بحق السوريين مدنيين وعسكريين، معتقلين أو أسرى حرب. هذه الفظائع اليومية التي ترتكب أمام أعين المجتمع الدولي، غير الآبه بما يجري طالما مصالحه مصانة، ولا تقترب الحرب من حدوده. السوريون الذين ارتكبت بحقهم جرائم يندى لها جبين الإنسانية، باتوا يرون أي جريمة أخرى أنها فعل عادي، ولمَ لا؟ فنحن في حالة حرب، وكل ما في الحرب مباح.

ينسى المقاتلون السوريون، أن للحرب أيضاً قواعد وقوانين يجب احترامها. لطالما كان القتل في الحرب مباحاً، ولكن حتى ذلك القتل تنظمه قوانين يجب احترامها من قبل جميع أطراف النزاع العسكري. إذ ترتكب كافة القوى العسكرية في سوريا المجازر والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب دون أن يرف لها جفن، أو تخشى يوماً من المحاسبة، أو حتى تشعر بأنه يجب احترام القوانين الناظمة للاقتتال في الحروب. ولإن الحرب السورية أصبحت نزاعاً داخلياً مسلحاً، مع مشاركة قوى إقليمية ودولية فيها، بات من الواجب بل من الإلزام لجميع الأطراف احترام القانون الدولي الإنساني أو (قانون الحرب) في خضم المعارك.

القتلى، والجرحى، والأسرى، والضحايا المدنيين وخاصة النساء والأطفال والشيوخ، والأعيان المدنية، والبنى التحتية، ودور العبادة، والمشافي، والمدارس، وغيرها من الأشياء المستهدفة خلال الحرب يجب مراعاة القانون الدولي في ذلك. إذا يحق للأطراف المتصارعة استخدام القوة، ولكن مع تدارك التناسب وحجم الضرر جراء الاستهداف. ناهيك عن تحييد ما سبق ذكره خلال الصراع، إذ لكل فئة من تلك، حقوق حتى خلال الاعمال العسكرية المستمرة. ولكن مع كل ذلك لا طرف يحترم هذه القوانين، ولا يتقيد بها وإن حصل أمرٌ ما، سرعان ما تندد الأطراف العسكرية، به ولكن دون الالتزام والضمانة بعدم العودة إليه مرة أخرى.

إن المقاتلين السوريين المعارضين باختلاف تسمياتهم الكثيرة يعرّفون عن أنفسهم بـ"الجيش السوري الحر" يتلقون اليوم أوامرهم العسكرية من الدولة التركية، ويقومون في هذه الأثناء بالمشاركة مع الجنود الأتراك في الهجوم على مدينة عفرين الكُردية، تركوا دورهم وأهليهم واستسلموا للنظام السوري بغية الحفاظ على حياتهم، وخرجوا من مدنهم بصفقات إلى إدلب وجرابلس والباب. تركوا اليوم ثورتهم وحربهم من أجل "الحرية والكرامة" ضد النظام السوري، وأصبحوا أداة قتل بيد تركيا للهجوم على الكُرد والانتقام من "الملاحدة والكفار" على حد توصيفهم في كل مقطع فيديو أو تصريح يدلون به.

 هؤلاء يحملون "غصن الزيتون" التركي في عدوانهم على عفرين، وهؤلاء سيجلبون الحرية والكرامة والأمان للشعب السوري ولعفرين وأهلها. إن كانت فعلتهم مع القتلى هكذا، فماذا هم بالأحياء فاعلون؟!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم