السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

أشهر أمراء "ريتز كارلتون" الرياض إلى الحريّة... حملة مكافحة الفساد في السعودية إلى أين؟

أشهر أمراء "ريتز كارلتون" الرياض إلى الحريّة... حملة مكافحة الفساد في السعودية إلى أين؟
أشهر أمراء "ريتز كارلتون" الرياض إلى الحريّة... حملة مكافحة الفساد في السعودية إلى أين؟
A+ A-


فُتحت أخيراً أبواب فندق "ريتز كارلتون" الرياض الذي تحول منذ تشرين الثاني من العام الماضي السجن الأفخم في العالم، ليخرج منها رئيس شركة المملكة القابضة الوليد بن طلال، الامير الاوسع شهرة بين عشرات آخرين احتجزوا في سياق حملة مكافحة الفساد في السعودية. 

جاء اطلاق الامير الوليد بعد ساعات من اطلالته الاعلامية الاولى عبر وكالة "رويترز" التي أعلن فيها أن "هناك سوء فهم يجري توضيحه"، وأن قضيته أوشكت أن تنتهي، وسيستعيد حريته قريباً.

وأعادت الاطلالة المفاجئة تلك تركيز الضوء على حملة مكافحة الفساد التي أطلقتها السعودية أخيراً واعتبرت اختباراً للقيادة الجديدة في المملكة التي دشنت تحولات كبيرة في السياسة والاقتصاد والمجتمع السعودي. كما أثار اطلاق الوليد تساؤلات عما بعد صفحة "ريتز كارلتون" الفندق الشهير الذي تحول طوال أكثر من 80 يوماً سجناً بخمس نجوم.

وكانت مصادر متطابقة أعلنت الجمعة اطلاق سلطات المملكة رجل الأعمال مالك مجموعة "إم بي سي" وليد بن ابرهيم آل إبرهيم، وخالد التويجري، رئيس الديوان الملكي السعودي خلال عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، اللذين كانا موقوفين أيضاً في اطار الحملة. وأفرج كذلك عن الأمير تركي بن ناصر بن عبدالعزيز.

وفي ما اعتبر انقلاباً أبيض، احتجزت السلطات السعودية عشرات الأشخاص، بينهم أمراء ووزراء حاليون وسابقون ورجال أعمال، في الرابع من تشرين الثاني بعدما أعلن الملك سلمان بن عبد العزيز، تشكيل لجنة مكافحة الفساد برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وعضوية رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس أمن الدولة.

 ومذذاك، كثرت التقارير عن تحقيقات واتهامات بالرشى وتبييض اموال وابتزاز مسؤولين أعقبتها مفاوضات وتسويات بين السلطات والمحتجزين. وقد توصل بعض الموقوفين إلى تسويات لم تعرف تفاصيلها مع السلطات وأفرج عنهم، بينهم الأمير متعب بن عبد الله الذي أطلق بعدما احتجز أكثر من ثلاثة أسابيع. وقالت تقارير إنه وافق على دفع أكثر من مليار دولار أميركي.

 ويوم الاربعاء الماضي، أعلن المدعي العام الشيخ سعود المعجب أن المعتقلين الذين وجهت اليهم اتهامات ورفضوا "تسويات مالية" أحيلوا على النيابة العامة، وأن "التسويات التي وافق عليها غالبية الموقوفين تضمنت مبالغ نقدية وعقارات وأصولاً أخرى". وأوضح أن اللجنة استدعت 350 شخصاً، وأن بعض الموقوفين وافقوا على تسويات، بينما أسقطت التهم عن 90 موقوفاً وأطلقوا، فيما لا يزال 95 آخرون موقوفين.

  وفي تغريدته على "تويتر" أكد المدعي العام عدم وجود أي انتهاكات في حق الموقوفين، وأن جميعهم مُكنوا من الاستعانة بمحامين، وأن لا قيود على تحركات الذين أطلقوا.

وتعتقد السلطات السعودية أنها قادرة على جمع نحو 100 مليار دولار للحكومة من خلال تسويات مالية مع رجال الاعمال المحتجزين، وهو ما يمثل مكسباً كبيراً للمملكة بعدما تقلصت مواردها بفعل انخفاض أسعار النفط.


ماذا بعد "الريتز"؟

في أي حال، تشير القرارات التي اتخذت في الايام الاخيرة إلى أن الحملة، أو على الاقل مرحلة "ريتز كارلتون" اقتربت من نهايتها، الا أن أسئلة كبيرة أثيرت منذ البداية ستبقى عالقة، وخصوصاً ما اذا كان ما حصل هو بداية نهاية الفساد الذي تشكو منه المملكة، أم أنه تعزيز للقبضة السياسية للأمير محمد بن سلمان على السلطة.

ففي سياق المشهد السياسي الجديد في المملكة والتغييرات البنيوية في الحكم، أقر الباحث في معهد "أتلانتيك كاونسيل" محمد اليحيى بأنه من الصعب المجادلة بأن حملة قاسية كهذه لا تكتسب أبعاداً سياسية. ومع ذلك رأى أن تبعاتها الاقتصادية ذات دلالات كبيرة للبلاد، خصوصاً أن استئصال الفساد ضروري للاستمرار السياسي والاقتصادي للدولة السعودية.

وفي رأي مؤسس الشركة الاستشارية "غالف ساليت أناليتيكس" جيورجيو كافيرو أن "ثمة احتمالاً كبيراً أن يكون (اطلاق الوليد بن طلال) نهاية المرحلة الاولى، وأن مزيداً من الاعتقالات سيحصل في وقت لاحق من هذه السنة".

وثمة تقارير عن الفساد في السعودية، الدولة الغنية بالنفط. من مشاريع تكلف أكثر من قيمتها الحقيقية بملايين الدولارت، الى أخرى يستغرق انجازها اضعاقاً مضاعفة من الفترات المحددة، مع ما يكبد ذلك الخزينة من أموال اضافية. وغالباً ما كانت السلطات تغض الطرف عن هذا الفساد، إما لان المستفيدين منه هم من الاسرة الحاكمة، وإما لأن الاموال الكبيرة المتوافرة قادرة على تغطية التكاليف وأكثر.

ولكن مع تراجع أسعار النفط، واتجاه المملكة الى تنويع اقتصادها ووقف الهدر، بات الفساد يشكل عائقاً كبيراً أمام الاستدامة السياسية والاقتصادية.

وقال اليحيى إن كل ما ورد ونشر عن فساد وهدر في المملكة ليس إلّا رأس جبل الجليد، ونادراً ما ذهب عميقاً في كشف طبيعة ثقافة الفساد على كل المستويات الادارية منذ بدء تدفق عائدات النفط في السبعينات من القرن الماضي. وأضاف أن البدء من قمة الهرم في مكافحة الفساد يكتسب دلالات سياسية ورمزية كبيرة، فهو ليس الا الخطوة الاولى الضرورية لما يفترض أن يكون مسيرة طويلة لاجراء تغييرات بنيوية ترمي الى استئصال الفساد من البيروقراطية الحكومية الاوسع.

وفي ما يتعلق بثروات النخبة التي يعتقد أن جزءاً منها حق لخزينة الدولة، قد تواجه السلطات السعودية عقبات قانونية وسياسية في استعادة أموالها. ففيما يعتقد أن غالبية المشتبه فيهم الذين احتجزوا في فندق "ريتز كارلتون" اختلسوا مليارات الدولارات من عقود حكومية أو تورطوا في عمليات تبييض أموال أو فساد بطريقة أو بأخرى، يرى خبراء أن استعادة تلك الاموال لن يكون بالامر السهل، إذ إن غالبية الاثرياء أودعوا ثرواتهم مصارف خارج البلاد، بعيداً من متناول السلطات التي سيكون عليها تجاوز عوائق قانونية وسرية مصرفية لاستعادتها.

الى هذه الاموال، أشار اليحيى الى ثقافة الفساد في الادارات الحكومية والتي تكلف المملكة مبالغ طائلة ويصعب استئصالها، موضحاً أن بعض الكيانات الحكومية يستنزف أموالاً نتيجة تسجيله أعداداً ضخمة من موظفين زائفين لم تطأ أقدامهم مكاتب تلك الكيانات، ويكونون احياناً موظفين في منظمات حكومية أخرى ويتقاضون منها رواتب أيضاً، الامر الذي يؤدي الى خسائر لا يمكن تحملها.

 ثمة اجماع على أن ما حصل في السعودية في الرابع من تشرين الثاني 2017 كان خطوة جريئة بلغت مستوى الانقلاب الابيض الذي كسر المحرمات واخترق دهاليز الفساد التي بقيت طويلاً بمنأى عن الحساب. فثمة محاولات سابقة لمكافحة الفساد في المملكة بقيت عند مستويات حكومية متدنية ولم تتجرأ على الرؤوس الكبيرة التي كانت محمية وكان بعضها متورطاً حتى الاذنين في هذه الآفة.

من هذا المنطلق، وجهت حملة اعتقالات "ريتز كارلتون"، على حد قول اليحيى، رسالة مفادها أن الحكومة الحالية ستطارد "الاوزان الثقيلة" والمسؤولين الكبار. وسواء أكانت دوافعها سياسية أم غير ذلك، فانها تظهر التزاماً للحد من الفساد على مستوى عال، لكن مستوى متابعة هذا الالتزام سوف يحدد اتجاه التحول الكبير في المملكة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم