الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

فيلم لبناني غير صالح للعرض!

المصدر: "النهار"
A+ A-

السينما في لبنان تعيش أزمة. هي أشبه برجل ينزلق في المراهقة بعد بلوغ منتصف عمره. أفلام وثائقية عدة، لحسن حظنا، اكدت قدرة بعض المواهب اللبنانية الفتية على توثيق الواقع اللبناني. المشكلة تحديداً مع السينما الروائية التي تقلد الحياة تقليداً يتأرجح بين الخفة المتزايدة والادعاء الفارغ. اعمال تهدف الى الشهرة وتتعمد الاستسهال والخفة التي يصعب ايجاد منافسين لها. في غياب المرجع، بات التلفزيون المصدّر الاول للأفكار، واقتناص الجمهور الهدف الأسمى.


صحيح ان السينما تجارة، لكن غير صحيح ان السينما كلها يجب ان تكون تجارية. في مفاهيمنا، صارت الموهبة تقاس بعدد الملصقات المنتشرة على الأوتوستراد وعدد الهاربين من يأس نشرات الأخبار الذين يجري استدراجهم الى الصالات في زمن تمجيد البلاهة. لكن، هل ثمة فرق بين هذه الأفلام ونشرات الأخبار؟ فكل فيلم هابط هو نوعاً ما اخبار او اعلان للفكرة المتدنية التي عند بعض "السبكيين" المحليين عن السينما (نسبة الى المنتج المصري محمد السبكي).
الفيديو كليب خرّب الأذواق. انه الزيف بكل تجلياته يطفو على سطح الأشياء. ما نقوله في السياسة والاجتماع من هدم للذوق يصلح قوله ايضاً عن السينما. "العالم اليوم، استبدل ايزنشتاين بالاعلان"، قال موريس بيالا قبل وفاته. في الأفلام التي نراها حالياً، استُبدل الطموح بالتخاذل والانحلال.
"حبة لولو" لليال راجحة (حالياً في الصالات اللبنانية) فيلمٌ آخر يُدرج في هذا الاطار. نخشى ان يكون الاقبال الجماهيري عليه محفزاً لمعاودة الكرة. المشكلة ان هذه الأفلام لن تجعل الجمهور أكثر وفاء للسينما اللبنانية، كما يدعي بعضهم. جمهور التفاهة محجوز أوتوماتيكياً للأفلام التافهة؛ سيظل غسان سلهب يجذب 250 مشاهداً، وسيظل من الصعب على وثائقي لبناني ضخم عن الذاكرة الجماعية ان يجد اكثر من 3 صالات عرض.
لنقلها بلا لفّ او دوران: "حبة لولو" فيلم هابط بخمس نجوم، فيلم متهافت على مستوى الكتابة وبائس على مستوى التقنيات. هذا فيلم مخرّب بارع للذوق العام. سينما النفاق حيث اننا لا نرى قبلة حقيقية واحدة بين فتاة "لقيطة" تقدَم الينا باعتبارها "اسكورت" وشاب لبناني يعيش في اميركا! سينما محافظة تنسجم مع شعار "انظر لكن لا تلمس"، وتهتف اليها قلوب الطالبات العذارى اللواتي لم يقرأن ألبر كامو ولم يشاهدن بيار باولو بازوليني.
كل ما تملكه هذه السينما هو الايحاءات السكسية والحوارات المتذاكية الطويلة. وقد ننظر اليها بالعينين بدلاً من التنصت عليها بالاذنين. واحذروا ماذا: ما من جملة طولها اكثر من بضع كلمات، لكن ايقاعها يبدو ابديّاً. مرة اخرى: انها سينما الجلب. تماماً كعاهرة تقف ليلاً على الرصيف وترفع التنورة عن ساقها. أيُعقل الا يكون هناك شيء آخر نستطيع تسليعه غير الصدور العارمة والشفاه المنتفخة؟
يحملنا "حبة لولو" من مشهد الى آخر، ويا لها من سمفونية متناغمة تربط الفصول بعضها بالبعض الآخر. حتى فيفالدي كان أقل موهبة في ربط الفصول ببعضها البعض. الفيلم برمته مشغول بروحية الفيديو كليب: معظم المشاهد تنتهي بإظلام تدريجي الى سواد. هذا يعني ان الفيلم مفقود تماماً. عبثاً، نبحث عنه. ما نجده هو مجرد تجميع على طاولة المونتاج بين افرقاء لا كيمياء بينهم.
يضحك الناس طبعاً، ولكن علام يضحكون؟ على شخصية تلجأ الى الحركة الجسمانية والاثارة اللفظية لجلب الضحك؟ الفرق شاسع بين أن نضحك "مِن" ونضحك "على". الضحك "على" شفقة. الضحك "مِن" لعبة غواية تنضح بالذكاء لا نخرج منها كما دخلنا اليها. مشهد دخول العاهرة التائبة الى الكنيسة، يكرس الضحك، وإن كُتب لغير ذلك الهدف.
يتباهى الفيلم بأفعال وأحاديث وضروب لثلاث نساء (تقلا شمعون، زينة مكي، لورين قديح). كان يمكن الفكرة الاّ تقع في ابتذال كهذا، حتى مع اقتناعنا السائد بأن هناك رعونة وسطحية لا تطاقان عموماً في تصوير المرأة في سينما هذه المنطقة. لكن، مرة اخرى، انها سينما الجلب، وسينما الجلب لديها اصول لا ترتقي اليها ايّ اصول. سينما لا تأبه لحظة واحدة للموضوع الذي تبحث فيه، فتفتعل مشكلة غير موجودة اصلاً. تبقى الطامة الكبرى: الممثلات. بعض الممثلات في لبنان كالمقالات غير الصالحة للنشر. لا ينفع فيهن القلم الأحمر تصحيحاً وحذفاً. وهذا لا شيء امام فيلم غير صالح للعرض.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم