السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

رأي - العنصرية وإدانتها البعثية

روجيه عوطة
A+ A-

ثمة شكلان من العنصرية ضد اللاجئين السوريين في لبنان. الأول، غبي طائفياً، وفجّ طبقياً للغاية، يجمع بين وقوفه إلى جانب النظام الأسدي، وكرهه للشعب السوري. الثاني، وقح، ومراوغ، يغضّ نظره عن جرائم البعث، ويشوّه الثورة بتشكيكه فيها، ومن ثمّ يدين العنصرية اللبنانية ضد السوريين. للشكل الأول، "فريق سياسي لبناني"، طائفي عريض، في مقدمه "التيار العوني"، الذي ينطق بلسان جماعة مسيحية، صاحبة وعي مقفل على إلغاء الآخرين. للشكل الثاني، فريق آخر، يؤلّفه المأخوذون بـ"علمانية" آل الأسد، و"حداثتهم" غير التمييزية. من هذا المنطلق بالذات، يرفضون عنصرية الإنغلاق الطائفي، لكنهم، بذلك، يكرّسون بعثية محددة بمواربتها: نحن ضد كارهي السوريين، لكننا، مع قاتلهم!
لا يتساوى الشكلان العنصريان بسوى غايتهما. فالعنصرية، التي تتمظهر كإدانة لفظية، بينما تدافع عن قاتل موضوعها، أي السوريين، تنطوي على حقد مضاعف، لأنها تفصل بين القول والمزاولة، وتعارض بينهما من جهة، كما أنها توهم الشعب السوري بوقوفها معه، ومناهضتها الإيديولوجيا الكارهة له، من جهة أخرى. لكنها، في مطافها الأخير، تستخدم خطاب الإدانة لإخفاء خطاب القتل، الذي يمارسه الديكتاتور فعلاً يومياً في سوريا.
من المستحيل، أن يكون المرء موالياً لبشار الأسد، أو متواطئاً بسكوته حيال جرائمه، ويستنكر في الوقت عينه، العنصرية الممارسة ضد السوريين. لا يستطيع المرء أن يشكك في حقيقة الثورة، ويزوّر معانيها، جاعلاً إياها "مؤامرة"، ويناهض العنصرية بالفعل ذاته. تزييف الثورة، يعني الإنتصار لبشار الأسد ضمناً أو مباشرةً. تالياً، مواصلة ذبح السوريين وتشريدهم إلى بلاد الألم الواسعة.
فإدانة العنصرية اللبنانية تشترط اتهاماً مزدوجاً، يوجَّه إلى أصحاب الخطاب الزينوفوبي، كـ"التيار العوني" وغيره، وإلى مشرّد الشعب السوري، وقاتله. في السياق نفسه، تصير الإدانة تواطؤاً مع القاتل بإسنادها بخطاب الثورة، الذي من الضروري أن يكون نقدياً، وليس تقديسياً. بكلام آخر، لا تقدر البعثية، بمعناها اللبناني، أن تشكل خطاباً مناهضاً للعنصرية. فكل ما تتلفظ به، أو تمارسه، يخدم الإستبداد الأسدي، حتى لو قالت في تهجير السوريين، وموتهم، وعارضت السلوك العنصري ضدّهم في لبنان. سيظل قولها مُقَنَّعاً، لكنه، غير مُقْنع البتة، وخصوصاً أنها توظفه ضد خصومها "السياسيين"، الذين بدورهم، يوظفون دفاعهم عن الثورة في المنحى نفسه.
تركز البعثية، بمخادعتها "العلمانية" و"اليسارية"، إدانتها على الفعل العنصري بتجهيل الفاعل الأساس، أي بشار الأسد، وذلك عبر استعمال قاموس "العار والعيب". فمن نافل الإشارة إلى أن السوريين لا يرغبون في التهجير، أو الإستقرار داخل لبنان، بل يريدون بلادهم بلا ديكتاتور، أو استبداد ديني، كي يبقوا ويعيشوا فيها. وعليه، لا تستوي مكافحة العنصرية اللبنانية بدون الإقرار بحق السوريين في إسقاط النظام، وفي التحرر من البعث، وحلفائه السابقين والحاليين في لبنان.
"أنت أقتل السوريين، ونحن نطردهم كي تستمر في قتلهم". هذا هو مختصر الخطاب العوني، الطبقي والعنصري. "أنت أقتلهم، ونحن ندين العنصرية ضدهم، بلا نتّهمك، كي نخفي قتلك إياهم". بذلك، يُختصر خطاب الإدانة، الذي يخدع السوريين بعثياً. في النتيجة، يتساوى الطرد والإدانة في خطابين، لا يبدو أنهما مختلفان كثيراً. ذاك، أن الطرد وقوفاً إلى جانب الطاغية، يماثل الإدانة تزويراً للثورة، وتوطوءاً ساكتاً مع القاتل. فالفعلان عنصريان، وإليهما، يُضاف فعل لبناني ثالث، يمارسه هؤلاء، الذين يناهضون بشار الأسد، ويكرهون السوريين، ويعارضون ثورتهم، أو الذين ينتصرون للثورة، كرهاً ببشار الأسد، وحقداً على الشعب السوري. من قال إن الساكنين في لبنان، المحكومين بسلطات الجماعات التقليدية و"الحديثة"، ليسوا طائفيين، ولا يقرّون بحضور الغير؟! من قال إن هويتهم ليست تأليفاً عنصرياً خالصاً؟!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم