الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

رحل المطران اندريه حداد الاّ انه لم يغادر زحلة

المصدر: "النهار"
زحلة-دانييل خياط
رحل المطران اندريه حداد الاّ انه لم يغادر زحلة
رحل المطران اندريه حداد الاّ انه لم يغادر زحلة
A+ A-

"ضيعانو"، أكثر كلمة ترددت على السنة الزحليين، ردا على نبأ وفاة راعي ابرشية الفرزل وزحلة للروم الكاثوليك السابق، المثلث الرحمات المطران اندريه حداد، بعد الترحم عليه، على الرغم من انسحابه منذ فترة من الحياة العامة. اليوم ودعت زحلة ومعها البقاع، الجزيني، إبن روم، الذي تزحلن: "انا لا اترك زحلة"، هكذا رد بصرامة على ابن اخيه المهندس عجاج يوم فاتحه بموضوع انتقاله الى روم، ليقضي مع عائلته فترة تقاعده، على ما روى الاخير في الكلمة التي القاها في وداع عمه. رحل المطران اندريه الا انه لم يغادر زحلة، هو الذي خطّ، عند المفاصل المصيرية، تاريخها ومستقبلها ايضا، وترك بصماته مطبوعة في مؤسساتها الكنسية والاجتماعية، وذكراه في قلوب الزحليين.



انطلقت جنازته، بمسيرة من مستشفى تلشيحا، التي ترأس لجنتها الادارية وعاش بجوارها حتى وفاته، الى حوش الامراء حيث اقيم له استقبالا مميزا، ومن ثم جاب الموكب الجنائزي على طول بولفار زحلة وصولا الى الكلية الشرقية حيث حمل على الاكف وصولا الى كاتدرائية سيدة النجاة حيث سجيّ جثمانه، قبل ان تقام الصلاة لراحة نفسه. وقد ترأسها بطريرك انطاكيا وسائر المشرق واورشليم والاسكندرية للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي، يعاونه لفيف من الاساقفة على رأسهم راعي الابرشية المطران يوحنا عصام درويش. وشارك فيها رئيس الجمهورية ممثلا بالوزير سليم جريصاتي، رئيس مجلس النواب ممثلا بالنائب انطوان ابو خاطر، رئيس الحكومة ممثلا بالنائب عاصم عراجي، البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ممثلا بالمطران جوزف معوض، بطريرك السريان الكاثوليك اغناطيوس الثالث يوسف يونان ممثلا بالمطران يوحنا بطاح وحشد من الوزراء والنواب الحاليين والسابقين، وممثلين عن رؤساء احزاب، الى ديبلوماسيين، قضاة، نقباء، مدراء عامين، قادة الاجهزة الامنية، ورؤساء بلديات ومختارين، وحشد من الاكليروس والمؤمنين ابناء الابرشية واهالي زحلة والبقاع.



بعد الانجيل المقدس القى البطريرك العبسي كلمة لخصّ فيها مسيرة الراحل، التي جعلت منه اسقفا مميزا ومما قال: "نقيم صلاة من اجل واحد من اولئك الابطال في الايمان، قضى حياته مناضلا وشاهدا للسيد المسيح، حياة يعلم الكل كم وقعت عليها صعوبات وتجارب واحداث وظروف قاسية. لقد كان الايمان البوصلة الموجهة لحياة فقيدنا الغالي والقاعدة لمسلكه ويحق ان يقال فيه، ما تقول الكنيسة في رؤساء كنيستها القديسين بأنه كان "قانون ايمان". محمولا بهذا الايمان جعل المطران اندريه، اول ما جعل، نصب عينيه ان يكون على مثال السيد المسيح الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن رعيته ويقودها الى الميناء الهادىء. عاش بين ابنائه، تردد بينهم، رسولا متنقلا يعظ ويعلم، عرفهم باسمائهم، مشى امامهم، شاطرهم حياتهم، سهر عليهم في السرّاء والضرّاء، يشجعهم ويشدد عزائمهم ويقودهم الى يسوع المخلص. كم سعى وراء منفي مهمش، كم فك اسيرا واسترجع مخطوفا. احيا المؤسسات، استنهض النشاطات وكان للشبيبة حصتها الكبيرة من عنايته، كان لها مكانة خاصة في قلبه وفي حياته، لايمانه بان الشباب هم امل المستقبل وعماد الوطن، لهم الدور الكبير في تحقيق المصير الامثل، كما وصفهم، حتى انه لقّب ب "مطران الشباب". كان راعيا صالحا، جدد وبنى الكنائس والقاعات وشاد المساكن، كان راعيا سخيا لرعاياه لكي يكون الكل للكل، وليكون الكل بامان واطمئنان. وقد ظهرت رعايته الخاصة، بنوع خاص، تجاه اولاده الكهنة الذين كانوا محط رعايته، كل واحد بمفرده يستطمن عنه بالهاتف، يستدعيه الى بيته، ينادمه يلاطفه ويقف على حاجاته، فكانت المطرانية بيتا وملاذا لكل كاهن".



وتابع: "ايمان المطران اندريه، ما كان يجعله منطويا على ذاته، ولا متعصبا، بل جعل منه رجلا جامعا منفتحا، يمد يده للجميع للكنائس الشقيقة وللطوائف الاخرى ولجهات ومراجع اخرى كثيرة، رغبة منه في التماسك والتعاون على مبدأ ان البلد يتسع للجميع، وعلى مبدأ ان كلنا مدعوون الى ان نبنيه ملتقين على المبادىء الاساسية الثابتة ولاسيما مبدأ المواطنة. من هنا تلك العلاقات الطيبة التي ربطته بجهات متوعة بل مختلفة في بعض الاوقات من اجل اهل مدينة زحلة، والبقاع. في زمن من اصعب الازمان واحلكها، التي مرت بها زحلة ولبنان، كان يستقطب الجميع اليه. وما كانت تقع مشكلة الا وتنتهي بخير وسلام بفضل تلك العلاقات التي اجاد نسجها بدماثة اخلاقه وطيب معشره وحكمته وارادته الصالحة.

طُبِع عهد المطران اندريه، في جزء كبير منه، بالاحداث الاليمة التي مر بها لبنان عموما وزحلة خصوصا، والتي تصدى لها بقوة شكيمته وايمانه، والتفاف ابنائه من حوله وبما تحلى به من صفات القائد والمدبر. وقد يكون افظع تلك الاحداث، الانفجار الذي دمر دار المطرانية وهو في داخلها. ظنوا انهم اذا ما ضربوا الراعي، تتبدد الخراف كما يقول الكتاب المقدس. الا ان الراعي نهض بقوة الذي كان واضعا فيه ايمانه، نهض من تحت الركام ونفض الغبار وشمر عن ساعديه وراح يسعى بكل قواه، هنا وهناك، حتى اعاد هذا الصرح الى اجمل مما كان عليه في السابق، ليس فقط في الحجر بل ايضا في الترتيب الداخلي التنظيم الاداري حتى كادت المطرانية تبعث من جديد في الخارج وفي الداخل، ومعها الابرشية التي الفت حول راعيها ومحضته حبها وثقتها.



اما السياسة، فكانت في نظر اخينا الراقد في الرب اندريه، كيف نعيش في هذا العالم نحن الذين لسنا من هذا العالم كما قال السيد، كيف نؤدي رسالتنا نحن المسيحيين في عالم بعيد عن الله ان لم نقل في عالم يحارب الله، في عالم يطغى عليه الشر بكل اشكاله، هذا هو التحدي الكبير الذي يواجه كل مسؤول في الكنيسة بل كل مسيحي. ليست السياسة في المسيحية هدفا بل وسيلة من اجل حياة افضل في الارض. الكنيسة لا تشتغل بالسياسة انما السياسة بعد من حياة الكنيسة قائم على قول السيد "إنما انا اتيت لتكون لهم الحياة".

وختم قائلا: "اليوم يغادرنا المطران اندريه الى الاخدار السماوية، اليوم يفقد سينودس كنيستنا اخا وصديقا وشريكا ورفيق درب، مطرانا حاملا لافكار نيرة متقدمة جيئا، مطرانا واضحا صريحا. المطران اندريه ما كان رجل دين كان المطران اندريه رجل كنيسة".



من بعدها نقل القائم باعمال السفارة البابوية لدى لبنان المونسنيور إيفان سانتوس البركة الرسولية من قداسة البابا فرنسيس وتعازيه. ونقل المطران معوض تعازي البطريرك الراعي باسمه واسم اعضاء "مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان". فكلمة للمطران درويش الذي قال "يحزننا ان نفقد ابا واخا حبيبا، قاد ابرشيتنا لعقود بحكمة ودراية، ولكن يمتلكنا شعور بفرح روحي عميق فابرشيتنا ربحت شفيعا امام الله". وكانت الكلمة الاخيرة لعائلة الراحل القاها ابن شقيقه المهندس عجاج حداد. وقد قلد الوزير جريصاتي الراحل وسام الارز برتبة كومندور، الذي منحه اياه رئيس الجمهورية تقديرا لعطاءاته الروحية والوطنية وخدماته لاجل لبنان. ليدفن بعدها المطران اندريه، الى جانبه اسلافه المطارنة الذين خدموا الابرشية، تحت مذبح كاتدرائية سيدة النجاة.

 اقرأ ايضاً وفاة راعي أبرشية الفرزل وزحلة والبقاع سابقاً المطران اندره حداد

المطران اندريه حداد: لا تقزموا الجيش

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم