الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"واجب" أفضل فيلم عربي في "دبي": اقتحام لحميمية البيت الفلسطيني

المصدر: "النهار"
"واجب" أفضل فيلم عربي في "دبي": اقتحام لحميمية البيت الفلسطيني
"واجب" أفضل فيلم عربي في "دبي": اقتحام لحميمية البيت الفلسطيني
A+ A-

تقول المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر عن فيلمها "واجب" الذي نال جائزة "المهر الطويل" لأفضل فيلم عربي في مهرجان دبي السينمائي المنتهي للتو (٦ - ١٣ الجاري)، انه ليس كوميدياً، على الرغم من اننا نضحك فيه كثيراً. فهي تعتبره دراما تنطوي على عناصر كوميدية. تروي لي خلال لقاء يجمعنا ان صحافياً أجنبياً اعتبره عملاً هزلياً بعد مشاهدته في لوكارنو حيث كان عرضه العالمي الأول. ربما لأنه في الغرب، لم يألفوا رؤية أفلام فلسطينية تتحدث عن الإنسان الفلسطيني بعيداً من اللطم. مقارنة بسيطة تعقدها جاسر: "نوع الدعابة في الفيلم لا يفهمه الجميع. كلّ جمهور له خصوصيته. في تسالونيك، الكلّ ضحك وتفاعل مع الفكاهة. في لوكارنو كذلك. في تورونتو الجمهور تجاوب بهدوء أكثر. نال الفيلم استقبالاً إيجابياً، ولكن لم يضحكوا كثيراً. ثم كان عرض رام الله الذي أعتبره أحلى عرض في حياتي".  

"واجب" فيلم طريق يعتمد على بناء سردي مكثّف. السيارة هي شخصية محورية، فهي تحمل رجلين (أب وابن) اتفقا على عدم الإتفاق، وهما مجبران على التعايش على الرغم من الاختلاف الكبير في نظرتهما إلى الأشياء، من أبسط قضية، وصولاً إلى الصراع مع إسرائيل. بناءً على هذا، يطرح الفيلم أيضاً مسألة صراع الأجيال. جاسر تجد نفسها في الشخصيتين، فهي حيناً الأب وحيناً الابن.  

من خلال رحلة عبر الناصرة، نشهد على الأوضاع التي يعيشها أهل المدينة الفلسطينية. فنحزن على المأساة التي تطل برأسها بين حين وآخر، وهذا لا يمنعنا من الضحك على عبثية المواقف التي يجد الناس أنفسهم فيها. وكم يبدو الضحك ضرورة هنا لتجاوز الحالة المزمنة التي يعانيها الجميع والارتقاء بعادية الأشياء. لا يحوّل الفيلم تسجيل موقف بليد أو استهزاء وسينيكية من الصنف الذي يغمر السينما المعصارة. واذا كان "واجب" فيلم طريق، فالطريق هنا لا بداية لها ولا نهاية، على شاكلة هذا الفصل من حياة شادي وأبو شادي (صالح بكري ومحمد بكري) اللذين يدقّان أبواب بيوت الأقرباء والأصحاب لتسليم دعوات عرس (عرس شقيقة شادي). التسليم يجب ان يتم باليد، وفق التقاليد الفلسطينية القديمة.

هذا الاقتحام لحميمية البيوت وتفاصيلها نادر جداً في السينما العربية. الحكاية في نظر جاسر فرضت هذا الاقتحام، فأرتأت القفز بين العام والخاص. "(…) كلّ الناس يعلمون ان زوجة أبو شادي تركته ولكن هو يحاول الايحاء ان كلّ شيء على ما يرام. “توزيع بطاقات الأعراس يستغرق ٥ أو ٦ أيام”، تقول جاسر، "ولكنني كنت أريده ان يمتد من الصباح إلى مساء اليوم نفسه. وددتُ ان يبدو الأب والابن وكأنهما أسيرا السيارة، فيضطر أحدهما إلى التحدث مع الآخر، ذلك ان التواصل كان معدوماً بين الاثنين منذ زمن بعيد”.

الفيلم لا يغادر الناصرة، وهي تبدو كسجن لمن يعيش فيها. والناصرة هنا شخصية في ذاتها كما تقول جاسر. ذلك ان الوضع فيها يختلف عمّا هو عليه في باقي المناطق الواقعة تحت السيطرة الفلسطينية. انها أكبر مدينة فلسطينية في “الداخل”. سكّانها كلهم فلسطينيين. ليست كحيفة وعكّا أو يافا حيث ثمة تعايش فلسطيني - إسرائيلي. وبحكم هذا الواقع، تحوّلت إلى بيئة مغلقة في أعلى درجات الضغط والتوتر. تكشف جاسر العنف المنتشر في شوارعها، حيث لا يتوانى الشبان عن خوض عراكاً بالأيدي، في مشهد يوحي بأنه يفلت من فيلم لإيليا سليمان. سكان الناصرة متنوعون. فيهم أمثال أبو شادي الذي يحاول التأقلم مع الواقع المفروض عليه منذ سنوات، وهناك أمثال شادي الذي يسعى إلى التغيير، من دون ان ينجح. ولكن في النهاية، كلاهما يعيشان المحنة بكلّ تفاصيلها اليومية، الا ان لكلّ واحد منهما طريقته الخاصة في التعبير عن الأسى. أرادت جاسر ان تعبّر عن هذا التناقض. تقول: “الفلسطينيون الذين يقيمون في الناصرة مواطنين إسرائيليين، ولكن لا يمتلكون الحقوق كسواهم، وفوق ذلك يعيشون عزلة تامة عن العالم العربي على الرغم من كونهم عربا”. 

في “دبي”، فاز كل من صالح بكري ومحمد بكري بجائزة التمثيل مناصفة. هل كان شرطاً ان يكون الابن والأب ابناً وأباً في الفيلم كما في الحياة؟ “لم يكن شرطاً”، تقول جاسر، “ولكن راقتني الفكرة. منذ البداية، كنت أعلم انني سأشتغل مع صالح. فنحن انطلقنا معاً مع “ملح هذا البحر” الذي كان أول فيلم طويل لي وأول فيلم عربي له. لم يكن لي شك انه كان شادياً. أحببتُ الفكرة وشعرتُ بان أبو شادي (محمد بكري) يستطيع ان يعطي الفيلم الكثير، ولكن في الوقت نفسه هو بعيد جداً من شخصية أبو شادي. أينما دخل محمد لفت الأنظار. هو رجل على مرتبة عالية من الثقة بالذات. كنت متأكدة انهما سيقدّمان شيئاً مميزاً. لم يسبق ان تشاركا بطولة فيلم طويل. اشتغلنا كثيراً على المظهر الخارجي لمحمد. الطريقة التي يمشي فيها في الفيلم حولته شخصاً آخر كلياً. أحياناً، بعد عرض الفيلم كان يصعب على المشاهدين التعرف عليه”.

التصوير تحت الاحتلال شكّل تحدياً يومياً. تروي جاسر عن بعض ما عانته: "في أعالي الناصرة، هناك مستوطنة اسمها الناصرة التي تأسست في الخمسينيات. ذهبنا للتصوير هناك. ولكن ثمة مَن أخبر الشرطة عن وجودنا، فهرعوا لايقاف التصوير، هكذا بلا سبب. قالوا للشرطة انهم سمعوا أناساً يتكلمون العربية. طردونا من المكان، رغم أهمية المشهد الذي كنّا نصوّره. كانت لحظة صعبة. بعد يومين، حاولنا ان نسأل عن السبب، فلم يردوا علينا إلا بكلمة “ممنوع”. عموماً، كان التصوير يتوقف على مزاجية الأشخاص الذين نتعامل معهم”.

لا نرى الإسرائيليين في “واجب”. ولكن حضورهم ملموس، هم أوصياء على الناس، يعملون في الخفاء. نصادف بعضهم في مطعم الفلافل. تعترف جاسر بأنها لم ترد طرحهم أكثر من ذلك. “وددتُ ان نشعر بوجودهم. هم يتدخلون حتى بين شادي وأبو شادي، من خلال الخلاف السياسي الذي ينشب بينهما. فالإشكال بينهما كله عن ذاك الإسرائيلي الذي يُدعى روني آفي: هل ينبغي تسليمه دعوة لحضور العرس أم لا؟ روني يمثّل الاحتلال، ولكن أبو شادي يحتاجه لتسيير أعماله. هو ليس صديقه حقاً”.  

أغتنم الفرصة لأسأل جاسر: “هل تقصدين ان الصداقة غير ممنكة بين الفلسطيني والإسرائيلي؟ تصمت، تضحك، ثم ترد: “السؤال مفتوح في الفيلم. لن أرد. لن أقول ما الصحّ وما الخطأ، لأنني لستُ من “الداخل”. أنا لم أعمل معهم ولا أعمل ولن أعمل، ليس لي أي علاقة بالإسرائيليين كحكومة ومؤسسات. طبعاً، هناك إسرائيليون جيدون، وهم ضد ما يحصل، ومناهضون للصهاينة، حتى ان بعضهم تركوا البلد. الإسرائيلي في نظري لديه خياران: إما ان يبقى في البلد ويحارب الإحتلال وإما يغادر. عليهم ان يقرروا”.

خلال العرض الأول لـ”واجب” في رام الله، خرج بعضهم من الصالة ممتعضاً بسبب بعض الشتائم التي ترد في الفيلم على لسان الأبطال. لا تريد جاسر اعطاء هذه الحادثة أكبر من حجمها. توضح انه كان هناك فقط شخصان خرجا من الصالة. آخرون أغضبهم نقد السلطة. يحملنا هذا، ومن دون رابط مباشر، إلى الحديث عن منع فيلم زياد دويري، “قضية رقم ٢٣”، في رام الله. تربط جاسر ذلك بالخيبة التي شعرها بعض ممن كانوا يحبون دويري. “عندما جاء زياد إلى فلسطين وأخرج “الصدمة”، كثر من الفلسطينيين زعلوا منه لأنه لم يعمل وإياهم. كان من الممكن ان يتعاون مع طاقم فلسطيني. هو قرر العكس. فاشتغل مع إسرائيليين. هذا ما أثار غضبهم. كانوا يحبونه جداً وكان نجماً في نظرهم. ما يحصل اليوم نتيجة هذا. ولكن المنع غريب لأنه ما من مشكلة مع فيلمه الجديد، “قضية رقم ٢٣”. يجب ألا نخلط بين الموضوعين. واضح ان هناك مَن لديه مشكلة شخصية مع زياد. أنا ضد منع فيلمه، وكنت أتمنى لو شاهدوه، خصوصاً ان كمال الباشا من القدس وكان متحمساً جداً للعرض وإصطحب معه عائلته، وفي النهاية أعتقد ان هذا الفيلم مهم للشعبين اللبناني والفلسطيني”.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم