السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

"الزمن": مقاربات وشهادات" كتاب عن تجمّع الباحثات اللبنانيّات

المصدر: "النهار"
ديما بيطار
"الزمن": مقاربات وشهادات" كتاب عن تجمّع الباحثات اللبنانيّات
"الزمن": مقاربات وشهادات" كتاب عن تجمّع الباحثات اللبنانيّات
A+ A-

ما من أدنى شكّ أنّنا نحيا مرحلة تاريخيّة- زمنيّة عسيرة على التصنيف تشير إليها كثرة التوصيفات والتسميات التي ترمي إلى تحديد ماهيّة هذه المرحلة وطبيعتها. وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أخطار الزمن الراهن وما يتّصف به من وتيرة سريعة بدأت تُزيِّف طرائق تمثيلنا للعالَم، وتُغيِّر إدراكنا التقليدي لمعاني الزمن نفسه.

إيديولوجيا تمجيد سرعة النقل والانتقال والتقدّم تحت شعار "اللّحاق بالركب"، التي انطلقت في القرن الفائت مكتسحةً الميادين السياسية والتنموية والمجتمعية كافّة، يبدو أنّها مستمرّة من دون كوابح، حتّى أضحينا مرتَهنين لها وأسرى منطقها وشروطها. بحيث انكبّ مفكّرون وفلاسفة وأدباء كثر على تأمّل ملامح العلاقة بهذا الزمن الذي وفّرت التطوّرات التكنولوجية والاتصالية فيه سرعة هائلة في الاتصال، تختصر المسافات، وتتخطّى حدود الزمان والمكان، في سياق تسارع وتيرة التغيّرات الاجتماعية بعامّة، وما يرافقها من تسارع "إيقاع الحياة" نفسه. فكان أن عَلَت أصوات كِبار المفكّرين والفلاسفة من حول العالَم تنتقد وتيرة الزمن السريع وتفكّر في إمكانات كبح وتيرته هذه رأفةً بالإنسانيّة ومصيرها.

"لم يعُد القوي يأكل الضعيف أو السمين يبتلع الهزيل، بل بات السريع يأكل البطيء"، هذا ما قاله الفرنسيّ جيل فلكنشتاين في كتابه "ديكتاتوريّة السرعة"، في حين تساءل "فيلسوف السرعة" الفرنسيّ بول فيريليو: "أما آن الأوان للتمهُّل؟"، فيما رأى الفيلسوف الألماني هرموت روزا، الناقد الاجتماعي للزمن، "أنّنا في هذا الزمن المتميّز بزيادة السرعة بغية زيادة الإنتاج، من طريق الإنتاج المستمرّ لتكنولوجيات تتيح توفير المزيد من الوقت في عمليات الإنتاج، والمزيد من تسريع عمليات النقل والتوزيع"، ما من أحد بات في منأى من نتائج تسارع "إيقاع الحياة".

من هنا اختار الكِتاب السابع عشر لتجمّع الباحثات اللبنانيّات الصادر حديثاً عنواناً له هو: "الزمن: مقاربات وشهادات". وقد اختارت لجنة تحريره، المؤلَّفة من جين مقدسي ونهوند القادري ورفيف رضا صيداوي وعزّة سليمان، أن يكون الزمن بمثابة البؤرة التي تدور حولها محاور الكِتاب الأربعة: "في تصوّرات الزمن وتجلّياته"، "في تسارُع الزمن وتزامنه"، "في قياس الزمن وحسبانه"، "في ملعب الزَّمن"، ناهيك بالشهادات الذاتية حوله.

هذه المحاور التي استقطبت أقلام عددٍ كبيرٍ من الباحثين والباحثات في لبنان والبلدان العربيّة من مختلف التخصّصات، نجحت إلى حدّ كبير في تغطية ما رمت إليه لجنة التحرير: "الاطّلاع وفَهْم الآليّات المعقّدة التي يعتمدها البشر للتصالح مع الزمن (ماضياً وحاضراً ومستقبلاً)" مع طموحٍ إلى "رصد التحوّلات النوعية الكامنة في تجارب البشر في تجربتنا كأفراد وجماعات ودُولٍ في الزَّمن أو معه"، بغرض معرفة كيفيّة تفاعل الأزمنة الاجتماعيّة في ما بينها (الزمن في دائرة العمل، الزمن في دائرة الحياة الخاصّة، زمن الحياة العامّة، وحتّى الزمن في الدائرة القانونية...إلخ)، وكيفيّة تغلغل الزمن الإعلامي والاتّصالي في أوصال الحياة اليوميّة للأفراد والمجتمعات.

في إطارٍ من تداخل المعارف وتشابكها إذاً، فكَّكت بحوث الكِتاب ومقالاته أبرز مظاهر زمن "التغيّر الاجتماعي" السريع، سواء من خلال رصد تأثيراته على الصحّة النفسية للناس والمجتمعات (الإجهاد، القلق، التوتر، الإحباط، العنف...)، وإسهام ذلك كلّه في إعادة تشكيل نظام القيَم والعادات والمُمارسات الاجتماعية المختلفة، أو من خلال تلمّس أسباب الدوران المستمرّ في فلك الأسلاف، على الرغم من الانتفاضات والحراكات التي شهدتها معظم المجتمعات العربية، ناهيك بتلوينات أطر التعامل مع الزمن: بين الرغبة في تجميده، والعمل على الزجّ بالتراث الديني والتاريخ وخلافاته في نقاش القضايا المصيرية الكبرى (الديموقراطية، حقوق المرأة، الحقوق المتساوية...إلخ)، أو التوق إلى حرق المراحل والعمل على تخطّي الحاضر نحو الغد، أو إلى البقاء أسرى الراهن والحاضر، من دون إيلاء أهمّية للماضي أو الشعور بالأرق حيال المستقبل، وخصوصاً بعدما بات الفرد مسكوناً بالميديا والاتّصال، أي بعدما بات إنسان "الآنيّة"، أو إنساناً بلا ذاكرة.

لكأنّ كِتاب باحثات السابع عشر، وأمام هذا السباق المحموم نحو الهاوية، بعد أن انقلبت "نواة التحديث" ضدّ مشروع الحداثة، يدقّ ناقوس الخطر نتيجة الاستلاب الجديد الذي تقع ضحيّته مجتمعات العالَم بأسره، ومجتمعات عالمنا العربيّ والمواطنون فيه؛ ولكأنّنا، أمام تنوّع مروحة مقاربات الكِتاب، حيال سؤال يواجِه الفرد العربيّ بقدر ما يواجه المجتمع العربيّ: هل نحن نتخطّى الزمن أم أن الزمن هو الذي يتخطّانا؟




حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم