الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"أبانا" جديدة بالفرنسيّة عند الكاثوليك ابتداء من الأحد... التّجربة والمأزق اللاهوتي

المصدر: النهار
هالة حمصي
هالة حمصي
"أبانا" جديدة بالفرنسيّة عند الكاثوليك ابتداء من الأحد... التّجربة والمأزق اللاهوتي
"أبانا" جديدة بالفرنسيّة عند الكاثوليك ابتداء من الأحد... التّجربة والمأزق اللاهوتي
A+ A-

بموجب هذا التعديل، ستصبح الجملة رسميًّا: Et ne nous laisse pas entrer en tentation بدلا منEt ne soumets pas à la tentation. في الشرح اللاهوتي، "الفرق كبير" بين الفِعلين، وفقا لسيون. المهم ان الترجمة الجديدة توجد حلا مقبولاً، الى حد ما، لمأزق لاهوتي وقعت فيه الترجمة السابقة، "مع انها لا تعالجه نهائيا، ولا تزال غير مرضية تماما". المسألة جدية جدا عندما يتعلق الامر بالأبانا، الصلاة الوحيدة التي علّمها يسوع المسيح تلاميذه، الصلاة الاكثر شهرة وتلاوة واهمية لدى جميع المسيحيين في ارجاء العالم.

 
من البداية، لم تكن المهمة سهلة. نصّ اول بالفرنسية. ترجمة، ثم تعديل الترجمة مرة اولى، ثم ثانية. والشكوى دائما انها لا تلبي تماما المعنى المطلوب، في المعيار اللاهوتي. ماذا عن التجربة؟ ماذا عن الشيطان؟ الاشكالية في اللغة والترجمة فتحت الباب على تفسيرات غير مرغوب فيها، ويحذر منها لاهوتيون.   


مأزق 

القصة قديمة، عمرها عقود. منذ صيغة الأبانا المعتمدة قبل العام 1966، ظهر مأزق لاهوتي. “Et ne nous laissez pas succomber à la tentation”، على ما جاء في الطلب السادس. الصيغة "بدت مربكة"، وفقا لمجلس اساقفة فرنسا، اذ تتيح الافتراض أن مسؤولية ما تقع على الله في حصول التجربة التي تقود الى الخطيئة، كأنه يمكن بذلك ان يكون هو فاعل الشر.

هذه الصيغة استوجبت تعمقا لاهوتيا. واتُّخِذ قرار بالبحث عن اخرى. في 29 ك1 1965، اعلن رئيس مجلس اساقفة فرنسا اعتماد ترجمة جديدة: Et ne soumets pas à la tentation (اي لا تخضعنا لتجربة)، بدلا من السابقة. في 4 ك2 1966، أصدر ممثلو الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية والمُصلَحة بيانا اعلنوا فيها اعتماد الترجمة الجديدة، بحيث تكون مشتركة لكل الكنائس، "في اطار روح الوحدة المسكونية".  

غير ان هذه الترجمة الجديدة لم تكن بدورها مناسبة تماما. العام 1969، نشر الاب جان كارمينياك اطروحته " Recherches sur le Notre Père "، سلّط فيها الضوء على نواح تجديفية تتضمنها الترجمة المسكونية الصادرة العام 1966. ان يُخضِع الله الانسان للتجربة، على ما توحي به الترجمة، لا يمكن ان يكون يسوع المسيح قصد ذلك في صلاته.  

طوال نحو 50 عاما، دُرِسَت ترجمات عدة، قبل التوصل الى صيغة تعتبر الافضل حاليا: Et ne nous laisse pas entrer en tentation (اي لا تتركنا ندخل في التجربة). لاهوتيا، جاء هذا التعديل نتيجة عمل دؤوب لفريق من نحو 70 خبيرا فرنكوفونيا، بيبليا ومفسرا لغويا واختصاصيا في الكتابة، لانجاز الترجمة الكاملة الجديدة للكتاب المقدس الليتورجي بالفرنسية، طوال 17 عاما (من 1996)، انطلاقا من مخطوطات اصلية بالعبرية والآرامية واليونانية.

في 12 حزيران 2013، اعلن مجمع العبادة الالهية وتنظيم الاسرار في الفاتيكان موافقته على تعديل الطلب السادس في الأبانا والترجمة الكاملة الجديدة للكتاب المقدس. في 22 ت2 2013، صدرت الترجمة الجديدة للكتاب المقدس عن دار نشر "Mame"، وفيها الصلاة الربية معدلة. لكن مع تأخر المصادقة على ترجمة كتاب القداس الروماني (Missel) التي يرد فيها التعديل الجديد لصلاة الأبانا، قرر مجلس اساقفة فرنسا، في مجمعه الاخير في لورد (28-31 آذار 2017)، اعتماد الصيغة الجديدة للأبانا، ابتداء من الاحد 3 ك1 2017، الاحد الاول من زمن المجيء في الكنيسة الكاثوليكية.  

 لا تتركنا ندخل في تجربة 

Ne nous laisse pas entrer en tentation. هذا ما سيقوله المؤمنون الكاثوليك لدى تلاوتهم صلاة الأبانا بالفرنسية، خلال قداس هذا الاحد في كل الكنائس الكاثوليكية في فرنسا، وايضا كل الكنائس التي تقيم قداسا بالفرنسية في ارجاء العالم، لا سيما في لبنان. في هذه الترجمة الجديدة، تتوضح الفكرة اكثر. "الانسان يطلب من الله ان يساعده كي يقاوم التجربة التي يتعرض لها من الشيطان"، على ما يشرح سيون، فيما السابقة توحي "بان الله هو الذي يفرض التجربة على الانسان". الفرق اذًا "واضح" بين الترجمتين.


في الاصل اليوناني καὶ μὴ εἰσενέγκῃς ἡμᾶς εἰς πειρασμόν (kai mi issénènguis imas is pirasmone). وفي اللاتينية Et ne nos inducas in tentatio¬nem، و"ترجمتها بالفرنسيةNe nous conduis pas (لا تقودنا). Inducas يعني بالفرنسية induire، rentrer، faire entrer"، على ما يوضح سيون. ويتدارك: "لقد واجهنا صعوبات كثيرة في ترجمة هذا الطلب الى الفرنسية وكل اللغات ايضا، لان الجملة الاصلية صعبة". اعتماد الترجمة الاخيرة "كان ضروريا"، في رأيه، لانها "تبعدنا عن الاعتقاد بان الله هو الذي يفرض علينا التجربة".  

درس في العربية. التجربة تعني "الاختبار، الامتحان". "وقع في تجربة: اغواء، تضليل"، وفقا للمنجد. في الشرح اللاهوتي، "التجربة تعني السعي الى الاسقاط. في الواقع، مصدرها دائما الشيطان"، يشرح سيون. "الله لا يريدنا ان نسقط، انما يُخضع احيانا الانسان لمحنة ما، ليتحقق من نوعية ايمانه".

الامثلة على ذلك عديدة في الكتاب المقدس، ابرزها "امتحان الله لابرهيم" (تك 22: 1)، وسعي داود الى أن يمتحنه الله، كي يعرف إذا كان أميناً له (مز 26: 2- 139: 23)... ويتدارك سيون: "الله يمتحن، لكنه لا يجرّب. هناك فرق بين التجربة والامتحان. التجربة تأتي من الشرير، بينما الامتحان مؤاده خير الانسان". 

"ترجمة غير مرضية تماما" 

اشهر التجارب في الكتاب المقدس تجربة الشيطان ليسوع المسيح في البرية. لغير العارفين، التجربة تنتهي بظفر يسوع الذي اوصى ايضا تلاميذه: "اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَة" (متى 26: 41- مر 14: 38). هذه هي "الوجهة" التي تأخذها الترجمة الجديدة لصلاة الأبانا، وجهة "الله الذي يحمينا من الشر وتجربة الشيطان. انه الحارس، الآب الذي يحمي اولاده، الراعي الصالح الذي لا يتركنا ندخل في تجربة"، على قول سيون. لكن ثمة ملاحظة. الترجمة الجديدة "لا تعالج نهائيا المشكلة اللاهوتية، لانها لا تزال غير مرضية تماما في رأي لاهوتيين كبار"، على ما يضيف. المشكلة تبقى اذًا لغوية، وتتعلق اساسا بالترجمة والتفسير. وتبقي الباب مفتوحا على تعديلات افضل في المستقبل.


اشكالية تستمر في العناد. وابعد منها، ثمة "سؤال كبير"، بتعبير سيون: "ما علاقة الله بالشر الذي يتعرض له الانسان؟" ويتدارك: "يبقى الشر سرا. حتى ان الله يبدو متفاجئا به"، وفقا لمثل الزؤان (متى 13: 24-30). القول بان الله يسمح بالشر لا يوافق عليه. "الله ائتمن الانسان على العالم واعطاه الذكاء وترك المصادفات تعمل. الحوادث لا تعني، بالنسبة اليّ، ان الله سمح بها، بل هي ان العالم هو الذي يعمل في هذا الشكل. والله يبقى مع الانسان كل الايام حتى نهاية الازمنة ".  

ماذا عن الاشخاص الذين يقتلون بعضهم بعضا ويدمرون العالم والخليقة؟ يجيب: "ليست حوادث، بل حضورا فعليا للشر. الامر يختلف هنا. هناك الشرير الذي يحاول ان يجربنا بالفعل، وثمة من يدع نفسه يُجَرَّب. ولحسن الحظ، اعطانا الآب السماوي ابنه ليخلّصنا".

[email protected]



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم