الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الدّولة اللبنانيّة بين أزمة الهويّة والسّيادة

المصدر: "النهار
ميشال الشمّاعي
الدّولة اللبنانيّة بين أزمة الهويّة والسّيادة
الدّولة اللبنانيّة بين أزمة الهويّة والسّيادة
A+ A-

لم يبلغ عمر الكيان اللبناني القرن من الزّمن حتّى بات يترنّح كأشجار الحور. هذا الكيان الذي لم يتوانَ بعض أبنائه عن إعلانهم الصّريح برفضه، لا بل الأكثر على اعتباره خطأ جغرافيًّا. ومنهم من دفع دماءه ثمنًا للحفاظ على وجوديّته. واليوم كأمس الذي عبر، المعضلة هي هي لم تتغيّر. فهل ستستطيع الأقليّات اللبنانيّة، التي كوّنت فيما بينها كيانيّة هذه الدّولة، أن تحافظ على وجوديّتها وسط هذا الشّرق النّازف؟ وهل ستستطيع هذه الجماعات المجتمعيّة أن تحافظ على هويّة وطنيّة واحدة؟

ممّا لا شكّ فيه، لكلّ مراقب عاديٍّ لا يفقه بعلم السّياسة حتّى، أن يلمس الخطر الوجوديّ على الكيانيّة اللبنانيّة، التي إن تمّ إسقاطها ستلتحق هذه الأقليّات كلّ بمرجعيّاتها الإقليميّة والدّوليّة. وعندها لن يبقى أيّ وجود لوطن ال 10452 كلم2.

يعاني لبنان اليوم من أزمة سيادة منذ أكثر من ثلاثة عقود، ابتدأت مع انتهاك فلسطينيّ ليتحوّل إلى سوريّ من دون الإغفال طبعًا ما فعله الإنتهاك الإسرائيلي في لبنان وما زال حتّى يومنا هذا. أمّا اليوم، فالمؤلم أنّ هذه السّيادة تُنتَهك من قبل اللبنانيّين أنفسهم. فمن يرفض أن يخضع لسلطة الدّولة، إنّه حتمًا منتهك لسيادتها. ومن يحمل السّلاح رغم أنف الدّولة، فهو ينتقص من وجوديّتها. حتّى الذي يرفض أن يكون تحت قانون الدّولة التي يعيش في كنفها فهو حتمًا معتدٍ على سيادتها.

أمّا الهويّة اللبنانيّة التي جهد الآباء والأجداد لتثبيتها، فيتمّ ضربها اليوم بعرض الحائط، وذلك لحساب مصالح إقليميّة ودوليّة لا شأن للبنانيّين الأحرار فيها. تارة لحساب الشّرق، وطورًا لحساب الغرب. والذين قدّموا أنفسهم قربانًا على مذبح الوطن لتبقى هذه الهويّة مصانة ومحترمة بين دول العالم، يئنّون من خطايا بعض الذين تسلّموا الأمانة. واحسرتاه على كلّ هؤلاء سيباعون في أسواق النّخّاسين إن نجحوا في مبتغاهم.

لكن المفارقة الكبرى أنّ بصيص الأمل ما زال يشعّ لأنّ ورثة هذه الهويّة الحقيقيّين ما زالوا أمينين على إرث الأجداد. وهم مستعدّون كلّ لحظة لدفع أبهظ الأثمان لتبقى هذه الهويّة رمزًا لوطن الأرز، في كلّ أصقاع المسكونة. دفعنا دماء ذكيّة لتثبيت وجه لبنان العربي، بعد أن تخلّى معظمنا عن فكرة القوميّة اللبنانيّة لا سيّما بعد سقوط فكرة القوميّة العربيّة في سبيل الوجود اللبناني المتماهي مع العمق الجغرافي في المنطقة. وذلك قناعة منّا بأنّ الأوطان المغلقة سرعان ما تفقد علّة وجودها.

من هنا، ولدت فكرة لبنان. إمّا أن نركن إلى مفهوم الدّولة لنحافظ على وجود الوطن، وذلك من خلال تأمين السيادة الكاملة غير المنقوصة على ال 10452 كلم2، إمّا أن نتنازل عن سيادة الدّولة لصالح سيادة مناطقيّة- طائفيّة- إثنيّة قد تصبح الوجه الجديد للبنان إن استطاع اللبنانيّون الإجتماع حولها. وإمّا أن نخسر الوطن بفعل تنازلنا عن سيادتنا لصالح الغريب.

أمّا الهويّة اللبنانيّة، فعلى الأقلّ هنالك شريحة واسعة، نتيجة تجارب التّاريخ، قد أيقنت أن لا غنى لها عنها، ودفعت ثمنها دماء قادتها وخيرة ساستها وشيبها وشبابها لتحافظ عليها. ومن لم يقتنع بعد بالهويّة اللبنانيّة، ليس بصدفة أنّ وطن شارل مالك هو رمز الحريّة في ساحات العفالقة والسّعاديّين، لذلك عندهم ملء الحريّة في اختيار الهويّة التي يريدونها، شرط عدم فرضها على أحرار هذا الوطن. وما لم يقبله ورثة الكيان تحت أصوات القنابل وأزيز الرّصاص، فحتمًا لن يقبلوا به في هذا الزّمن اللعين تحت أيّ شرط كان. فهل تتكرّر تجارب التّاريخ مع من لم يحسنوا بعد قراءته؟ أم أنّه قد آن الآوان لبلد الأرز أن يحيا بسلام؟


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم