الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الوردة - الورقة البيضاء

سلوى ماهر التنير
الوردة - الورقة البيضاء
الوردة - الورقة البيضاء
A+ A-

يكثر الحديث الآن عن قانون الانتخابات الجديد، وكلما دار حديث بيني وبين أي شخص حوله، سرعان ما يعرب عن مقاطعته للانتخابات قائلاً: "أنا مش ناوي إنتخب". ولا أعجب من موقف كهذا ولو من كثير من الناس، فالبلد، اقتصادياً وسياسياً، أقلّ ما يقال فيه إنه في حالة يرثى لها، من نواحٍ عدّة؛ فإتاحة الخدمات للمواطنين تكاد تكون شبه معدومة، وسط ضرائب تقصم ظهر الفقير، وعدم قدرة الحد الأدنى للأجور على تأمين معيشة "مستورة" للمواطنين. 

وشباباً وشابات يصعب علينا أخذ منحى النواح والعويل والبكاء على الأطلال، نميل دوماً إلى التمرد والتذمر وروح التحدي، لا بد لنا من البحث عن بديل لمقاطعة الانتخابات من أجل التعبير عن السخط والرفض، وإيصال الصوت تحت سقف القانون. وهذا الرفض لا بد أن يكرّس ويسجل بأرقام وأخذ موقف إيجابي ضمن ما كفله الدستور والقانون الجديد من حقوق وحريات، إما بتعاضد المجتمع المدني بلوائح يدعمها الشباب وإما عن طريق ورقة بيضاء.

وبما أنّ القانون الجديد تبنّى نظام النسبية، وإذ إنه لا يعدّ اللوائح رابحة ومؤهلة للتنافس، إلّا إن استحصلت على الحاصل الانتخابي (عدد المقترعين في كل دائرة انتخابية كبرى يقسم على عدد المقاعد فيها)، فإنّ أيّ لائحة لم تستحصل على تلك النسبة من عدد الأصوات تخرج من إطار المنافسة، فاللوائح تستدعي نسباً عالية من المقترعين وكأنها صيغت لبقاء الأقوى نفوذاً.

ومن ناحية الأوراق البيضاء، تنصّ المادة 103 من قانون الانتخابات الجديد: "تعدّ الأوراق التي لم تتضمن أي اقتراع للائحة وللأصوات التفضيلية أوراقاً بيضاء تحتسب من ضمن عدد أصوات المقترعين المحتسبين".

يتبيّن لنا من نصّ المادّة السالفة الذكر أنّ الورقة البيضاء هي الورقة التي لم يشر المقترع بها إلى أي لائحة، فهي خالية من التأشير حتى من الصوت التفضيلي (أي لمرشح بعينه فيها)، وتعدّ صوتاً مقترعاً لكنه لا يحسب لأي من اللوائح المتنافسة. إذاً تعدّ الورقة البيضاء مشاركة انتخابية وديموقراطية تحمل في مضامينها الرفض وعدم الرضا عن الهيئات الانتخابية المتنافسة، ولعل أثرها على السياسيين أشدّ وطأة من الامتناع ومقاطعة الانتخابات نهائياً أي بشكل سلبي.

ولأنك مواطن تستحقّ ما كرّسه الدستور والقانون لك من حقوق سياسية، ووحدك تملك تغيير تلك الوجوه التي تتكرر دائماً - وكأننا ورثناها عن أجدادنا - فلا تَمتَنِع عن إبداء ولو ورقة بيضاء، فإنها إن لم تغير في الواقع شيئاً، فلا بد أن تترك أثراً. وبكل موضوعية فإنّ التغلغل السياسي يفرض نفسه من خلال إفقار الشعوب وإيهامها "بالمخلص" السياسي الذي سينشل البلد من البؤس إلى الترف، لذلك قد يصعب تغيير الأشخاص، إلا أننا على الأقل نستطيع أن نغيّر فيها - ولو في ما بعد - برامج انتخابية ولو بَقُوا هم أنفسهم، وأن نضع السياسيين في موضع الحرج والمساءلة السياسية عن برنامجهم وإنجازاتهم طيلة نيابتهم "عن الأمة".

وإذ إنّ الورقة التي لا تحمل اسماً أو إشعاراً باختيار مرشح أو لائحة تسمى عادة بالورقة البيضاء، أعزوها إلى كونها وردة بيضاء مهداة إلى بلد علّه يوماً ما ينهض بنفسه بكل ما فيه من مشكلات صعبة الحل وإشكالات صعبة الفهم... وبكل ما فيه من جمالٍ وبؤسٍ... استنزفه أهله إلى حدّ أن دخل غيبوبته.. منهم من تركه وسافر ومنهم من يقف بجانبه طمعاً بإرثه، وقليل منهم حباً به.. إلا أنه فُقِدَ الأمل بصحوته.. وإن صحا فهو رجل مريض.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم