الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"الإسلام جزء من تاريخنا أيضاَ" معرضاً "أوروبياً" في بروكسيل ... رحابة العقل والروح بديلاً من نشر ثقافة الكراهية والقتل بين الناس

المصدر: "النهار"
رؤوف قبيسي
Bookmark
"الإسلام جزء من تاريخنا أيضاَ" معرضاً "أوروبياً" في بروكسيل ... رحابة العقل والروح بديلاً من نشر ثقافة الكراهية والقتل بين الناس
"الإسلام جزء من تاريخنا أيضاَ" معرضاً "أوروبياً" في بروكسيل ... رحابة العقل والروح بديلاً من نشر ثقافة الكراهية والقتل بين الناس
A+ A-
لا "تخجل" بروكسيل ومعها الأوروبيون، بعد كل ما ارتكبه الإسلام السياسي في القارة الأوروبية، من القول للعالم إن الإسلام جزء من تاريخهم. إنهم لا يتنكرون لهذا التاريخ، ويحاولون أن يستمدوا منه دعائم ترسي بين أوروبا و"المسلمين" علاقة قوامها التسامح وقبول الآخر. ها هي إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وبلجيكا الكاثوليكية تاريخاً، العلمانية حاضراً، ما انفكت تسمح ببناء المساجد، وفي فرنسا وحدها اليوم أكثر من ألف مسجد، لكن المتنطعين المتحفظين من "المسلمين" غير راضين. يريدون نشر الإسلام في أوروبا ليجعلوها مثل الدول الفقيرة المتخلفة التي هجروها! مع ذلك يبقى السؤال: أي إسلام هذا الذي يريد "المؤمنون" أن يذيعوه في الناس؟ أوروبا "الكافرة" هذه تقول إن الإسلام ساهم في رسم معالم كثيرة للحضارة الأوروبية، وفي مجالات عدة كالطب والفلسفة والعمارة والعلوم. هذا ما تقوله إيزابيل بينو، المسؤولة في منظمة "تيمبورا" التي نظمت المعرض. تضيف هذه المؤرخة: "نريد أن نوضح أن الإسلام جزء من الحضارة الأوروبية، ولم يفد إلينا قبل عهد قريب، بل ترجع جذوره إلى 13 قرناً". بروكسيل تفعل ذلك في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد "المسلمين"، وتثبت الدراسات أن غالبية سكان العاصمة البلجيكية سيكونون من المسلمين خلال مدة لا تتعدى 50 عاماً، وذلك حسب نسب الولادة بينهم قياساً إلى سكان البلاد الأصليين.هذ المعرض الذي يدعمه الإتحاد الأوروبي، رسالة واضحة مفادها أن أوروبا لا تتردد في قبول الإسلام جزءاً من ثقافتها وتاريخها، شريطة أن يكون ديموقراطيا يقبل الآخر، مهما كان هذا الآخر. لكن الغلاة من "المسلمين" يريدون المزيد، وأن تكون الشريعة قانون البلاد، ولم يتورع أحدهم في لندن عن القول قبل سنوات إنه يتمنى أن يعيش إلى اليوم الذي يرى فيه برلمان إنكلترا التاريخي قد تحول إلى مسجد، مئذنته ساعة بيغ بن الشهيرة!نخالف الحق إذا قلنا إن الغلاة هم غالبية "المسلمين" في بروكسيل وغيرها من عواصم أوروبا. الغالبية منهم تزدري الغلاة من غير شك، وتعتبرهم بعيدين عن الإسلام الصحيح. لكن ما هو هذا الإسلام الصحيح الذي تريده الغالبية من "مسلمي" أوروبا؟ ما هي قواعده وما هي طقوسه، ومن هم ممثلوه الحقيقيون؟ لا تبدو الصورة واضحة عندهم، ولا هي واضحة عند الأوروبيين أيضاً. السبب أن حركة الإصلاح الحقيقي في المأثور الإسلامي لم تبدأ بعد. حدثت في المسيحية التاريخية، لكن لا شيء في الأفق يشير إلى أنها بدأت في الإسلام. هنا تكمن المعضلة الأساسية في علاقة "المسلمين" بأوروبا، وموقف أوروبا من الإسلام المعاصر. ما لم يباشر "المسلمون" حركة الإصلاح هذه قبل فوات الأوان، ويقدموا التوصيات التي توجد إسلاماً أوروبياً يقبل الأديان كلها، ويقبل الناس على اختلاف مذاهبهم الروحية وغير الروحية، فسوف تتفاقم المشكلات وتنذر بعواقب لا أحد فب مقدوره أن يتوقع حجمها ومداها.لن يقدر الإسلام في أوروبا أن يجعل أوروبا مسلمة، لكن في مقدروه أن يصير أوروبياً إذا تهيأت له العقول الحرة والظروف المناسبة، وأن يتكيف مع التقاليد الأوروبية، ويغدو فعلاً إيمانياً مجرداً من التقاليد والعادات والأشكال التي لا علاقة له بها كجوهر. في السيرة النبوية أحاديث ومواقف كثيرة تشوه الإسلام، وتشين الرسول وتغض من شأنه، وهذا ماثل حتى في أهم كتابين من كتب السيرة، هما "صحيح البخاري" و "صحيح مسلم". لكن في السيرة أيضاَ ما يحبب الناس بالإسلام ويجل من قدر نبيه، وبمقدور العاقل والمسلم الحقيقي أن يستمد منها أشياء تسهّل الحياة، مثل قول النبي: "أنتم أدرى بشؤون دنياكم". يكفي أن يعتمد "المسلمون" هذا القول الذي يتماشى مع "فقه التيسير"، ليتكيف الإسلام مع هذا العصر وكل عصر. حين نقول "التكيف"، لا نعني المس بالجوهر، بل الخروج من التقليد إلى رحاب الإيمان الذي يكفل حرية الإنسان، ويقبل العلماني والملحد وكل صنوف البشر، ويأخذ بطقوس وأشكال من نوع آخر، علماً أن التاريخ ينبئنا بأن الأديان كلها، ومنها الإسلام، أخذت بتقاليد البلاد...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم