الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ليس ضرورياً أن تنتصر في المعركة

المصدر: "النهار"
سعد بن عمر
ليس ضرورياً أن تنتصر في المعركة
ليس ضرورياً أن تنتصر في المعركة
A+ A-

قد يقف كثر عند هذا العنوان ويستغربون ما جاء به، وقد يتساءلون أيضاً لماذا قامت الحرب؟ أليس النصر هو المطلب الأساسي؟؟

لقد أضحت الحرب في عالمنا المعاصر تضم - حال قيام حرب بين دولة واخرى (او عدة دول) – عدة فروع ومناشط للحرب، منها الاشتباك المباشر بالسلاح وهذا يعني بالتحديد ما يطلق عليه (المعارك).

أما بقية المناشط الحربية فتكمن في كل الوسائل المتاحة للخصم ليستخدمها للوصول الى اهدافه من قيام الحرب بالسلاح ضد خصمه، وقد تنشأ (حرب او حروب) بدون استخدام السلاح وهي الحروب الحديثة المتنوعة بين الدول تشترك فيها كل الوسائل المؤدية الى انهاك الخصم او اخضاعه دون استخدام السلاح والدخول في اشتباك مباشر معه، وما (الحرب الباردة) التي نشأت بين المعسكر الرأسمالي والمعسكر الشيوعي 1945- 1990 الا نموذج للتصارع على النفوذ والسياسة دون الدخول في اشتباك مباشر، واشتملت هذه الحرب التي عرفت بالحرب الباردة على المنافسة الاقتصادية والاستخبارية والمعلوماتية والفكرية وكل الادوات والسبل التي يمكن ان تضر بالخصم كدعم حركات تحرر او تحريض شعب على الانتفاض ضد حكومته وهكذا...إلخ.

فاذا كان هناك حروب عدة لإخضاع الخصم واملاء الارادة او أيا كان الهدف من الوصول بهذه الحروب الى النتيجة التي من شأنها قامت الحرب فإن الانتصار في المعركة وعلى الارض قد يصبح ليس الهدف الاول بل يكون هنا في حال وقوع اشتباك مسلح واكتساح واحتشاد وخطوط دفاع وطول مدة الحرب (المعارك) أنه يصبح إنهاكا واستنزافا للطرف الاول الذي بدأ الحرب ليحقق أهدافه من خلالها وهنا نستطيع أن نضع انتصارا موازيا للانتصار الحقيقي وهو:

توقيت إيقاف المعركة.

وايقاف المعركة هنا لا يعني خسارة الحرب أو انتصار طرف فيها بل يأتي القرار الصائب في ايقاف (الحرب)، وستكون في الغالب تبعات الحرب على الطرف الاخر لعدة أمور واسباب تختلف باختلاف ظروف الطرف المقابل واهدافه من عدم الاستجابة لمقومات الحرب وأسباب وقوعها من الطرف الاول.

ففي الحرب العراقية - الايرانية 1980- 1988 رفض قادة ايران ايقاف الحرب والاستجابة لنداءات العقل والحكمة لإهلاكها الاف البشر من الجانبين، وكانوا يصرون على الوصول الى بغداد واقتلاع القيادة العراقية.

وعندما أوقفها الخميني في 20/8 /1988 كان قادة إيران يرون ان ايقافها كان على غير رغبتهم وعبر فيها الخميني بقوله: "أنا أتجرّع كأس السُّم.. كم أشعر بالخجل لموافقتي على اتفاقية وقف إطلاق النار مع العراق..."، وهكذا عبّر الخميني، قائد الثورة الإيرانية الراحل (في خطاب إذاعي) بعد قبولها بقرار مجلس الأمن (رقم 598) الداعي لوقف الحرب مع العراق.

وما هي إلا سنتان حتى تبدلت الامور رأساً على عقب ورأى الايرانيون الطائرات العراقية تهبط في مطار طهران بتوجيه من صدام حسين هرباً من القصف الأميركي بعد احتلاله الكويت وبدء المعركة لتحريرها.

ظل الخميني ومعه القيادة الإيرانية يرفضون وقف اطلاق النار لمدة 8 سنوات وذلك أملاً في تحقيق نصر ساحق على القوات العراقية الذي تحقق له ذلك واكثر في السلم وما نشاهده اليوم في العراق الا ارتدادا لوقف اطلاق النار وما تبعه من احتلال الكويت ثم دخول القوات الأميركية العراق 2003 واسقاط الحكومة العراقية وادخال العراق في الفوضى السياسية حتى الان.

فالأهم هو تحديد ساعة إيقاف المعركة، وما يتوقعه صانع القرار من أحداث متتالية بعد هذا الايقاف، فالمعروف أن هناك أطرافاً كسبها الاول في استمرار الحرب، ويأتي على قائمة هؤلاء تجار السلاح سواء كانوا أشخاصاً أو شركات أو حكومات.

وما دامت شركات الأسلحة في وقتنا الحالي هي المستفيدة الاولى وتستطيع ان توجه سياسات الدول لما لها من نفوذ داخل الحكومات بخاصة الغربية، فقد أصبح لها اليد الطولى في سياسة الدفع باستمرار الحروب أياً كانت، وتحتها يأتي انصياع الساسة لنفوذ هذه الشركات التي صار نفوذها يوازي نفوذ شركات البترول العملاقة.

وتأتي الحرب للحكومات (الوليدة) كهبة سماوية لتقوية نفوذها السياسي والتحشيد للعدو الخارجي واستخدام كل أدوات الدولة ومقدراتها وتسخيرها لمصلحتها حقيقياً وظاهرياً لدعم المجهود الحربي.

ولئن خلف الحدود عدو يريد احتلالنا، فكل الصلاحيات سواء اعلان حالة الطوارئ أو تحويل مجهود المصانع الى المجهود الحربي او القضاء على الخصوم في الداخل بحجة العمالة للخارج وغير ذلك من الامور التي لم تكن تحت أيديهم لولا قيام الحرب وتصب في التفرد بالسلطة. فمتى توقفت هذه الحرب (المعركة) أصبح المواطن عبئاً ثقيلاً على هذه الحكومة ومهددة بالسقوط لعدم تلبيتها طلبات المواطنين وانتفاء الشماعة التي كانوا يعلقون عليها النقص في الغذاء والدواء والخدمات الضرورية للمواطن مما يجعل المواطن في أقوى نفوذه إما بالتظاهر أو غيرها من أعمال الاحتجاجات المؤذية للحكومة التي لم تكن لتقع في حالة استمرار المعركة.

وهنا يكون إيقاف المعركة في كثير من الاحيان انتصاراً مميزاً بشرط أن تصل نتائج المعركة الى 75% من أهدافها.

 والمشكلة التي تواجه المجتمع العربي على امتداده هي الحقيقة والحقائق وبخاصة في الحروب يصعب على المجتمع تقبلها في الوقت الذي يصعب على صانع القرار قولها. فإسرائيل منذ 1948 وهي التي تبدأ الحرب لتحقيق أهداف معينة ثم توقف الحرب من طرفها فقط ونستمع لبيانات الحكومات وهي تقول لم تحقق اسرائيل اهدافها من الحرب وأننا انتصرنا. 

انتصرنا رغم الكوارث؟ نعم لأنها لم تسقط النظام، وهي مبررات غير واقعية، فإسرائيل تريد الارض وليس الحكام في عواصمهم...

وفي 2006 دمرت البنية التحتية في جنوب لبنان وشردت 600 الف لاجئ وقتلت ما لم تفعله في لبنان من قبل وعندما أوقفت الحرب بعد 34 يوماً قال حزب الله: انتصرنا، نعم انتصرنا لان اسرائيل كانت تريد القضاء على قيادة الحزب وها نحن أمامكم، وكأن الـ 1300 قتيل لم تهلكهم طائرات اسرائيل ولم ينسحب "حزب الله" الى شمال الليطاني.

والقادة الذين يمتلكون الارادة الحرة والشجاعة المعروفة يصدرون أوامرهم بإيقاف القتال متى ما رأوا ان الحرب تميل باستمرارها في كفة الغير سواء في مصلحة العدو او في مصلحة الاطراف المنتفعة من استمرار المعركة أو أنها اصبحت استنزافاً وإهداراً لموارد الدولة وبإيقافها تتبدل موازين على الارض المقابلة، وتهتز كثير من القرارات والتنظيمات لدى الخصم والذي كان يأخذه في وقت الحرب يخرج من يده عند توقف القتال. وتستمر أفرع الحرب الاخرى في العمل بأقل الخسائر البشرية والمادية.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم