السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

"عنصرية" الوزير باسيل ليست "مارونية" ولا "لبنانية"

المصدر: "النهار"
غسان صليبي
"عنصرية" الوزير باسيل ليست "مارونية" ولا "لبنانية"
"عنصرية" الوزير باسيل ليست "مارونية" ولا "لبنانية"
A+ A-

حدث جديد جرى التعاطي معه بخفة سياسية: تصريح الوزير جبران باسيل، وقوله بأنه عنصري بلبنانيته. 

ربما سبب الخفة، تراكم الأزمات من جهة وفقدان الأمل بإمكان التغيير من جهة ثانية، ما يجعل معظمنا لا يكترث كثيرا لظاهرات جديدة في مجتمعنا. واذا اكترثنا، واجهنا ذلك إما بسخرية وإما بتعليقات متسرعة. نحن في الحالتين بتنا نتعاطى" بخفة غير محتملة" مع قضايانا، بحسب تعبير ميلان كونديرا.

لا يطمح هذا النص إلى تحليل الظاهرة. هدفه الدعوة الى التعاطي الجدي معها، من خلال طرح بعض الأسئلة وفتح الطريق امام تلمس بعض الأجوبة.

لم يفاجئ الوزير باسيل احداً، عندما نعت نفسه بالعنصري، وهو يبتسم امام الكاميرات. فقد بدا كأنه يردّ باللامبالاة على الانتقادات التي تطاوله بين حين واخر، متهمةً اياه بالعنصري او الطائفي.

تصريح باسيل لقي بعض السخرية، لكنه لم يلق اهتماماً سياسياً كافياً، لا من السياسيين ولا من المجتمع المدني والمثقفين (مع بعض الاستثناءات من مثل مقال عقل العويط في "النهار" الذي اعتبر الأمر قتلاً للبنان، كفكرة وكرسالة).

المسألة لا تقتصر على تصريح لبس شكل المزحة، فركائز أساسية للعنصرية اصبحت متوافرة وعلى لسان الوزير نفسه:

- العداء المعلن والمتكرر بانتظام للآخر الغريب وتحميله مسؤولية كل الشرور.

- الاعتقاد - وهذا ما قاله - بأن الله اختاره هو وقومه للقيام بما يقوم به من سياسات.

- اعتبار العنصرية قيمة يمكن الافتخار بها، وهذا ما ظهر في تصريحه الذي يعنينا.

هذا كلّه، يجعلنا نطرح سؤالاً بالكثير من الجدية: هل في البيت الماروني عنصريون؟

يفترض علم النفس او علم النفس الجماهيري، في محاولته فهم العنصرية، ان العنصري يعاني من عقدة نقص او يشعر بالدونية، لذا يلجأ إلى العنصرية كوسيلة لتضخيم الأنا وإعلاء شأن الجماعة التي ينتمي اليها على حساب الاخرين. بهذه الطريقة يضبط غضبه تجاه نفسه ويوجهه الى الآخرين.

لا اعرف اذا كان ذلك ينطبق على الوزير باسيل، لكني لمستُ في بعض تصريحاته القديمة نوعاً من الشعور بالدونية: عندما قال مثلاً في إحدى خطبه إنه يطمح لأن يكون الفريق الثالث عند الشيعة، وفي خطبة اخرى إنه يطمح لأن يكون الفريق الثاني عند السنّة.

يبقى السؤال اذا كان الوزير عنصرياً لبنانياً"، كما صرح هو.

عداء الوزير تجاه "السنّة" بشكل عام، وتجاه المسيحيين ذوي الاتجاهات السياسية الأخرى، وحتى تجاه المعارضين له في حزبه إلى درجة محاكمتهم واقصائهم، يجعلني أشكّ في أنه عنصري "لبناني". هل العنصرية تجاه "الخارج"، تترجم في العلاقات في "الداخل" ممارسات لا ديموقراطية؟ أم أن النزعة اللاديموقراطية تتحول الى عنصرية في أعلى درجاتها؟

ربما هو عنصري، كما أحبَّ هو ان يؤكد، لكن النعت "لبناني" لا ينطبق عليه كثيراً. اعتقد ان على الوزير التفتيش عن نعت اخر أكثر عمومية واقل خصوصية.

اما السؤال الأهم، فهو ما اذا كانت مواقف الوزير تعكس الاتجاهات العامة في حزبه. السؤال مشروع، بما أن الوزير ترأس حزبه بـ"مونة" من عمّه، العماد ميشال عون، زعيم "التيار الوطني الحر"، قبل أن يصبح هذا الأخير رئيساً للجمهورية.

من الصعب التكهن، وخصوصاً لأمثالي من خارج الحزب، ما اذا كان باسيل يمثل قاعدة حزبية واسعة.

لذا أراني أخلص إلى الاستنتاج أن "عنصرية" الوزير باسيل، التي هو تحدث عنها، ليست "مارونية" ولا "لبنانية".



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم