الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ماذا أفعل بكلّ هذا الحبّ؟!

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
ماذا أفعل بكلّ هذا الحبّ؟!
ماذا أفعل بكلّ هذا الحبّ؟!
A+ A-

أن أكون في قلب العالم وخارجه. أن أكون في الجحيم. وفي الهواء الطلق. أن أكون في الجروح في المآسي في الأوجاع في الكآبات في المرارات في الهزائم في الكوارث الجماعية في احتفالات الخراب والموت في الوحشية القصوى في جموح القتل اللامسبوق في الخواء في العدم، و... أن أظلّ أحلم بالأمل. 

أنا الآن في قلب العالم وفي الخارج. أرى ذلك كلّه يعبر في عينيَّ وفي قلبي، ملمِّعاً وجداني المغمور بلوعة العتمة الرهيبة، لكني أظلّ أرفض السقوط في اليأس.

في مكانٍ ما من ليل هذا العالم، أمشيتحت الرذاذ الخفيف. ثمة هواءٌ شجيٌّ يسألني أن أُنصت إلى معناه، عارفاً أني أكتفي بلمعان البوصلة في العقل لكي أُدرك جوهر ما يجري، مستخلصاً النهايات التي يأخذنا إليها هذا العالم.

أتودّد إلى أمكنةً لا يعرفني فيها أحد، سوى الغيوم المتراكمة في الفضاء، واجهات الكتب، وكراسي الجلوس على أرصفة شوارع مضمّخة برائحة الحبر والنبيذ والشغف.

هل يكفي أن أمشي هناك، وأن أجلس هناك، عارفاً ما يجري، وعبث ما يجري، وأيّ مصيرٍ يلمّ بإنسان هذا العالم، لكي أشعر بعذابٍ أقلّ؟!

أمشي طويلاً في أعماق الليل، وأجلس طويلاً.

ذلك كلّه يتحقق خارج الوقت. وخارج المكان. يا للعجب حينيتحقّق ذلك كلّه في جوهر الوقت. وفي جوهر المكان.

فما أعظم أن أكون وأن لا أكون، وحيداً وأنا في وجدان العالم، متفلتاً من كلّ عبء مباشر، مكتفياً بالرمز والدلالة.

المسافة التي تفصلني عن هذا العالم أشبه بالمسافة بين النثر والشعر.

بين المرأة التي تعرف عبقرية كونها امرأة، والمرأة التي لا تعرف. ولا يمكنها أن تعرف.

كان لا بدّ لي من أن أستعيد جسداً تُفلت مني روحه باستمرار. وأن يأخذني النبيذ الليلي إلى حيث لا يقيم سوى الشعر.

كيف أشرح ما أنا فيه؟! تتساقط الشروح. لا جدوى من الشروح.

الناس الذين يجلسون، أو يعبرون، أعرفهم واحداً واحداً بالبوصلة التي تلمع في العقل، وتمنحني القدرة على الاستمتاع بجوهر الانتماء إلى قاموس العالم، والتملّص منه في الآن نفسه. لكن لا أحد من هؤلاء يعرفني. وهذه غايتي القصوى.

ما أعظم أن أمشي وحيداً. وأن أجلس وحيداً.

الرذاذ الصديق يترفّق بعطش الروح. الغيوم تلبّي أفكاريعن الشعر. وتهرّب الشعر من الشروح. ومثلها يفعل الهواء الخفيف. بالخفّة نفسها. وبالمكر نفسه.

أمامي أعمالٌ كثيرة ينبغي لي أن أنصرف إليها: معالجة هذا الرذاذ من أجل أن يبقى برفقتي. دعوة الغيوم من أجل أن تستوطن رأسي لئلا يشعر بالاغتراب. الأرصفة، واجهات الكتب، الشوارع، المقاهي، الكراسي، كم أنا محتاج إليها لأبقى أتحمّل الجحيم، رافضاً الاستسلام لليأس.

 شيءٌ من نبيذ الحبّ ينبغي له أن يقنع الشعر، ويقنعني، بلذة البقاء.

ماذا أفعل بكلّ هذا الحبّ؟! بأيّ إناءٍ أجمعه لئلاّ يذهب إهداراً؟!

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم