الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

سلمان في موسكو لردم إرث شكوك الحرب الباردة

المصدر: "النهار"
سليمان عبدالعزيز العقيلي - كاتب ومحلل سياسي سعودي
سلمان في موسكو لردم إرث شكوك الحرب الباردة
سلمان في موسكو لردم إرث شكوك الحرب الباردة
A+ A-

فيما يعلق السعوديون والروس آمالاً عريضة على زيارة الملك سلمان لروسيا، فإن المراقبين يرون تحديات جمة امام تحول علاقات البلدين الى شراكة حقيقية ما لم يطور البلدان نظرتهما لمصالح بعض وللوضع الجيوسياسي الهش للشرق الاوسط. ويؤمل أن يكون الحوار الاستراتيجي الذي قاده ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع روسيا قد آتى ثماره التي ربما تظهر ملامحها الاولية بعد زيارة الملك التاريخية. 


رغم المشتركات الكثيرة في النظرة نحو الأمن والاستقرار ومكافحة الارهاب واستقرار اسعار النفط والمصالح الاقتصادية، فإن الرياض وموسكو يواجهان تحديات جمة لنقل العلاقات بينهما إلى مستوى جديد. اذ يحتفظان بوجهات نظر متباينة في بعض الازمات مثل القضية السورية. وكذا الدور الايراني المثير للاضطرابات في المنطقة.

لكن هذا ربما لن يمنع الجانبان من تفاهم استراتيجي في القضايا المشتركة وتحسين الفهم المتبادل للاختلاف وبلورة آليات حلول للتقاطعات السياسية، وذلك لحاجة كل منهما للآخر. فموسكو تعتبر الرياض حارسة بوابة الشرق الاوسط كما يرى دميتري سوسلوف، نائب مدير البحث في المجلس الروسي للسياسة الخارجية والدفاع، ولموسكو مشكلات معقدة مع الاسلام السني بعد الحروب الطاحنة في افغانستان والشيشان وسوريا، وهناك اعتقاد بين السنة بأنها تنحاز الى المحور الشيعي. وهذا كله يتطلب علاقات استراتيجية روسية مع السعودية خادمة الديار الاسلامية المقدسة لحل المشكلة الاسلامية التي لم تتمكن موسكو من ردمها بوسائل الدعاية والعلاقات العامة مثل مؤتمر غروزني حول إسلام اهل السنة الذي تملص كثيرون من نتائجه وتداعياته. والعكس صحيح فلا تزال روسيا دولة كبرى لها تأثير فعال في قضايا الامن والسلام الاقليمي والدولي وكذلك في قضايا الطاقة، والرياض تؤكد احترامها الدائم لهذه المكانة الروسية دولياً. ولكن ذلك يستدعي تفاهمات عميقة مع هذه القوة الدولية الفعالة،

وظهر جلياً تداعيات اختلاف العاصمتين في السياسات النفطية اذ كادت اسعار النفط ان تهوي الى مستويات لم تنحدر لها منذ 10 سنوات لولا التفاهم الروسي السعودي الذي دفع موسكو لاتخاذ سياسة جديدة للتعاون مع "أوبك" وهو ما كانت ترفضه سابقاً. وجعل الرياض تتجاوز بالمقابل عقدالانتاج الايرانية.

وكان من شأن هبوط أسعار النفط لنحو 30 دولاراً في 2016 من مستويات مرتفعة بلغت 115 دولاراً في منتصف 2014 أن ساعد في بث الدفء في العلاقات الروسية - السعودية التي تعرضت للصقيع على مدى 5 سنوات من عمر الأزمة السورية.

بدأ الحوار السياسي العميق بين الرياض وموسكو في عام 2015 عبر الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الحالي الذي زار سوتشي قبل التدخل العسكري الروسي في سوريا وبعيد التدخل بفترة قصيرة. كما زار موسكو في أيار/مايو الماضي بعد اسبوع من القمة الاسلامية - الأميركية في الرياض مما يؤكد حرص السعودية على توازن علاقاتها الدولية.

سياسياً، ومقابل التهدئة السعودية في سوريا التي اتسمت بالنزوع للتسوية السياسية اثر الحوارات الاستراتيجية بين الرياض والعواصم الكبرى، لوحظ ان موسكو التي امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن 2216 الداعم للحكومة اليمنية وحليفتها الرياض. طورت دبلوماسيتها من الحياد الايجابي في اليمن الى مراعاة المصالح السعودية رغم ضغوطات ايران، وكذلك تقارير منظمات حقوق الانسان المبالغ فيها كثيراً، وهي التقارير المثيرة لشهية التوظيف السياسي.

ورغم رغبة البلدين المتكررة منذ 23 عاماً في تقوية علاقاتهما المشتركة، الا ان التبادل الاقتصادي هو أقل من المأمول. كما ان التعاون العسكري شبه مفقود، والديبلوماسية الشعبية بين البلدين في تشكلاتها الجنينية.

ولئن الرياض حليف استراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الاوسط، فإن هذا الوضع الجيواستراتيجي كان له دور كبير في طبيعة العلاقات السعودية - الروسية ايام الحرب الباردة، واستمرت تأثيراته حتى الآن من وجهة نظر موسكو على الاقل. ومن وجهة نظر الرياض، فإن تحالف موسكو مع المحور الايراني ودعمها لطهران وحلفائها بما يخل بموازين القوى الدقيقة بالمنطقة ربما كان أحد معوقات تطوير علاقات البلدين.

وعلى كل حال، فإن هذين المفهومين - مهما كانت دقة وواقعية تأثيرهما - كان لهما انعكاسات في علاقات البلدين.

وفي ظل تطور استراتيجية السياسة الخارجية السعودية ونظيرتها الاستراتيجية الروسية، فإن مصالح البلدين تحتم عليهما التعاون لمستوى استراتيجيي؛ مما يعني ان الرياض المدفوعة بقلقها من تبدلات السياسة الأميركية والسياسات الغربية بشكل عام تتطلع الى توازن افضل في علاقاتها الدولية تحفظ على المملكة مكانتها الدولية وتصون مصالحها الاستراتيجية. وهذه ضرورة استراتيجية اكثر منها خيار سياسي.

كما ان موسكو المحرومة من المياه الدافئة في الجزيرة العربية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وقيام الوحدة اليمنية وفقدان ميناء عدن على بحر العرب، تتطلع الى المنافع الاقتصادية مع السعودية ودول الخليج عبر شراكة متينة مع مجلس التعاون بخاصة في ظل إشارات عن توسعه ليشمل اليمن. إن الرياض هي البوابة الحقيقية للتأثير في الخليج والجزيرة العربية، وبدون علاقة متميزة معها فإن روسيا لن تتمكن من تعزيز حضورها الشرق الاوسطي الذي فرضته بقوة النار في سوريا.

إن حسن نوايا القيادتين أمر جوهري للإرادة السياسية لتطوير علاقات البلدين، لكن الضامن لتطورها لشراكة حقيقية هو مصارحة تاريخية بين البلدين حول طبيعة الدور الروسي في الشرق الاوسط ومدى الاستعداد للتعامل بين العاصمتين بشكل مستقل عن نمط التفكير السياسي التقليدي الموروث عن الحرب الباردة.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم