الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

التكاذب المشترك بين الأديان في لبنان!

المصدر: "النهار"
الشدياق يوسف "رامي" فاضل
التكاذب المشترك بين الأديان في لبنان!
التكاذب المشترك بين الأديان في لبنان!
A+ A-

يظنّ البعض أن الحوار ما بين الأديان والعيش المشترك يحتاجان إلى التنازل المتبادَل، وإلى إسماع الآخر ما يَوَّدُ أن يسمعه، في حين أنَّ البعض الآخر يعتبر أنَّ هذا الحوار هو فرصة للبشارة أو الهداية، أو أنَّه مساحة للمنافسة ولتسجيل الأهداف في مَرمى الخصم لإثبات أنَّ هذا الدين أَصَحَّ من الدين الآخر.

في حين أنَّ الحوار لا يستقيم إلا بالصراحة المتبادَلة رغم قساوتها في بعض الأحيان، ويهدف إلى إيجاد المساحات المشتركة، والقيَم المشترَكَة بين أبناء الأديان المختلَفَة، ويكاد يغيب الشأن العقائديّ عن هذا الحوار لأن لكل دينٍ الحقل اللغويّ الخاصّ به، والتركيبة اللاهوتيّة-الفقهيّة التي تتطلبّ ممن يلج غمارها أن يقف في زاوية معيّنة وأن يقرأ ويفكّر بذهنيّة أبناء هذا الدين.

ومن أهمّ أهداف هذا الحوار هو الإنفتاح على الآخر ومحاولة فهمه وفهم دينه ونظرته للحياة، ما يساهم في إغناء الإختبار الشخصيّ للمُتحَاوِر، وما يفتح الأفاق أمام ثقافته ومعرفته، و-رُبَّما- أمامَ روحانيّته. فَتَنسَحِب نتائج هذا الحوار من الطاولة المستديرة إلى الحياة اليوميّة، ومن المجالس الصغيرة –رجال دين، أكاديميّون...- إلى المجتمع ككلّ ما يساهِم في ارتقاء العلاقات الإنسانيّة وفي زوال الحواجز والأحكام المسبقة.

أمّا في بلادنا المتَدَيّنة جدًّا، فيكاد التعايش أن يصبح تكاذبًا مشتركًا، وبشكلٍ خاصّ عندما يصبح الدين في خدمة السياسة، وفي خدمة الأحلاف السياسيّة العابرة لحدود الطوائف، هنا يسود منطق "بَيع الحَكي" من الزعيم إلى جمهور حليفه المفترَض، والعكس صحيح، فتغيب الصراحة على حساب المساومة والمداهنة والتدليس، وتغيب الحقيقة على حساب الأفلام التي يستمتع الجمهور بمشاهدتها رغم أنّه لا يُصدّقها! هذه المواقف لا تخدم العيش المشترَك إنما تساهم بخلقِ مجتمعٍ يقوم على الكذِبِ والرياء! وهذا المجتمع يتفكَّك بسرعة عندما تتبدّل الأحلاف السياسيّة أو عندما تتغيَّر الظروف الإقليميّة!

هذا التكاذب المشترَك يُجرِّد الإنسان من مصداقيّته بنظرِ أبناءِ طائفته، في حين أنَّه لا يزيد رصيده عند أبناء الطائفة التي يغازلها! فيصبح كالمسيحيّ الذي أسلَم ظهرًا ومات عند المساء لا المسيح يقبله، ولا محمدّ يشفع له لأنّه لم يعلم بإسلامِهِ! فلوَ أفترضنا أنَّ أحد المسيحيين أدلى بتصريحٍ أو ألقى خطابًا اعتبر فيه أنَّ "القرآن الكريم" هو كلمة الله، يكون قد مارسّ الكذبَ بحقِّ المسلمين لأنَّه في المسيحيّة يسوع المسيح هو كلمة الله، ويكون قد ساوَمَ على ثوابت إيمانه بنظر المسيحيين! وفي حال قام أحد المسلمين وألقى خطابًا اعتبر فيه أنَّ يسوع المسيح هو ابن الله يكون هذا الأخير قد ارتكب ما ارتكبه المسيحيّ من الكذبِ والمساومة، لأنَّه في الإسلام "الله لم يَلِد ولم يُلَد"، والمسيح في القرآن هو نبيّ من أنبياء الله، وليس ابنًا له، بخلاف الإنجيل والإيمان المسيحيّ الذي يقوم على بنوّة المسيح للآب.

هذه الكرنفالات والمسرحيّات ترتفع وتيرتها في المناسبات الدينيّة وعند الإستحقاقات السياسيّة، فتشوّه وتدمّر بلحظاتٍ قليلة ما أنتجه الحوار الصادق خلال فتراتٍ طويلة، إذ تضع كلّ النوايا الصادقة وكلّ الجهود الخَيِّرَة في بازار المزايدة وعلى طاولات المقامرة السياسيّة. أمَّا هذه المقامرة فهي خاسرة حتمًا ذلك أننا كلبنانيين نعلَمُ بمدى الإختلاف بين الأديان التي نعتنقها، ونعلم بمدى قربها من بعضها، فلا يمكن لمسيحيٍّ حقيقيّ أن يؤخذ بشعارِ "لَن يُصلَب المسيح مَرَّتين" يرفعه شقيقه الشيعيّ ذلك ببساطة لأن الشيعيّ لا يؤمن بِصَلبِ المسيح! ولا يمكن لمسلمٍ شيعيٍ حقيقيّ أن يؤخذ بِرَجلٍ مسيحيّ يُصَرِّح بأن الإمام الحُسين هو سيّد الشهداء، ذلك لأن المسيحيّ يؤمنُ بأنّ السيِّد المسيح هو سيّد الشهداء! 

ليس المطلوب من المسيحيّة والإسلام أن يتطابقا لكي نستطيع العيش معًا، إنما المطلوب من مُعتنِقي الديانتين الصراحة والحقيقة، فبهذه الطريقة نستطيع أن نحيا بصدقٍ واحترامٍ لبعضنا البعض، ونستطيع أن نغتني من تراثنا الدينيّ، أمَّا التكاذب المشترك الذي يمارسه بعض الساسة، فمكانه الحقيقي هو الأفلام الهنديّة أو أفلام الخيال العلميّ كونه لا ينتمي لهذا الواقع ولا ينتمي للحقيقة، وهذا التكاذب يؤكدّ لنا على الضرورة في أن تكّف السياسة شرّها عن الدين-والعكس صحيح-، لأنه عندما يصبح الدين في خدمة السياسة أو عندما تصبِح السياسة في خدمة رجال الدين فهناك الطامة الكبرى، وهناك المسلسات الجديدة من الفسادِ والحروبِ، وهناك العودة القاتلة إلى العصور المظلمة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم