الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هل يُخفي الصداع النصفي أوجاعاً نفسية؟

المصدر: "النهار"
ليلي جرجس
ليلي جرجس
هل يُخفي الصداع النصفي أوجاعاً نفسية؟
هل يُخفي الصداع النصفي أوجاعاً نفسية؟
A+ A-

ماذا لو كان الصداع النصفي الذي تعانيه مرتبطاً بمشاعر مكبوتة وتناقضات داخلية تعجز عن التحكم بها أو حسم خيارك تجاهها؟ ماذا لو كان ألمك ناتجاً من ألم نفسي قبل ان يكون جسدياً، وأنه يتحتم عليك العودة الى الطفولة والضغوط النفسية المقموعة حتى تتخلص من هذه الآلام التي ترهق جسدك الى حدّ الاستسلام أحياناً؟ هل يقوم جسدك بحيل وخطط دفاعية لتفادي ظهور المشاعر المكبوتة والتي ينتج منها آلام ومشكلات صحية محصورة بعوارض خارجية في حين ان جذورها نفسية باطنية؟ كيف يفسر علم النفس الصداع النصفي، ما هي اهم اسبابه وكيف يمكن علاجه؟  

ترى المعالجة النفسية سمر جرجس في حديث لـ "النهار" أن "الصداع النصفي او ما يُعرف بالـMigraine يندرج ضمن الاضطرابات النفس –جسدية (Psychosomatique) . يعتبر الصداع النصفي مرضاً جسدياً لكن جذوره وأسبابه نفسية. يستخدم الشخص جسده للتعبير عن مشاكله وصراعاته، فالاضطراب ذو التعبير الجسدي ما هو إلا وسيلة للتفاعل مع المواضيع الخارجية. يمكن ان تكون هذه المواضيع حقيقية (أشخاص في المحيط) او هوامية (صورة الأهل). الاضطرابات النفس – جسدية يمكن ان تُصيب اي عضو في الجسم (مشكلات قلبية- تنفسية –جلدية – تناسلية- الدورة الدموية وغيرها)."

وتشير الى انه "عادة يكون الإضطراب ناتجاً من ضغط انفعالي او ضغط مستمر، هذا الضغط متوقف على الأسلوب او الحل الذي يستجيب به الفرد لمصاعب الحياة بغض النظر عن إدراكه لهذه الضغوط بموضوعية او بغير موضوعية. فالخوف، القلق، الغضب، الكبت والضغوط الناتجة من المجتمع والأهل او عدم قدرة الفرد عن الاستقلال عن هذه الضغوط، كلها أسباب مباشرة لظهور امراض الإضطرابات النفس- جسدية (Psychosomatique).

أزمات نفسية وتماثلات مكبوتة؟

الاضطراب النفس– الجسدي، إذاً، وفق جرجس "هو نتيجة لأزمات ( conflits) نفسية وتماثلات مكبوتة وتأثرات أولية مقموعة. فالجسد والنفس يُشكّلان وحدة متكاملة واختلال النظام المتوازن بينهما يؤدي الى أمراض اضطراب النفس – الجسدي. يرى علم النفس التحليلي ان هناك علاقة رمزية بين المادة المكبوتة والعضو الذي يعبر به الفرد عن صراعاته اللاشعورية بصورة مقنعة وخفية. مثلاً نوبات الربو تعبّر عن صراع لا شعوري خلقي حول اعتماد الفرد بطريقة زائدة على امه، فصعوبة التنفس لدى هذا الفرد ليست سوى بكاء رمزي.

لذا ان إصابة عضو معين له دلائله الكبيرة، مثلا اذا كانت إمرأة تعاني إالتهابات مهبلية بشكل مستمر فهذا يُشير ان لديها مشكلة على الصعيد الجنسي".

وتؤكد جرجس أن "الاضطراب النفس - جسدي يخفي وراءه الكثير من الأسباب النفسية، وهنا علينا البحث في الأسباب لعلاج العوارض والأمراض الناتجة من هذه المشاعر المكبوتة". وتضيف ان "فرانز ألكسندر من الأوائل الذي تكلم عن الطب النفس- جسدي وأثناء اهتمامه بالقرحة المعوية، لاحظ أن ظهورها المتواتر لدى الأشخاص النشيطين. وتبين له ان في أصل المرض توجد حاجة للعطف والحنان تولد في الطفولة، تتجابه مع الأنا وتترجم بعدوانية حادة. بمعنى ان كلما كان النشاط زائداً خرج هذا الشعور الطفلي اللاوعي، ويعبر عنه بطلب الغذاء مما يستدعي إفرازا معديا".

الأنا مقسومة الى نصفين

وتستعين جرجس بشرح جاك سالومي للصداع النصفي بالقول "في البداية يعطي جسدنا إشارات خفيفة تنذر بأن جسدنا يتألم. واذا لم نسمع هذه الاشارات الضعيفة، فإن جسدنا سيصرخ من الألم. من هنا رأى ان كلمة Migraine هي mi graine يعني الأنا منقسمة نصفين. هنا يعيش الشخص صراعاً بين الحصول على الشيء ورفضه له. على سبيل المثال هناك امرأة تحب عملها ولا يمكنها التخلي عنه وفي الوقت نفسه اصبحت اماً وعليها الإهتمام بطفلها، وهنا تعيش هذه الام صراعاً بين رغبتها في الإستمرار بعملها وبين ضرورة التخلي عنه من أجل طفلها، فتنقسم الأنا الى نصفين وعدم قدرتها على الاختيار بسبب رغبتها الشديدة في الخيارين وعدم تمكنها من إبجاد حل وسطي يرضيها ويرضي الطرفين، يتحول هذا الصراع الى ألم نفسي يترجم جسدياً". وتتابع ان "هناك جزءاً مني يريد القيام بهذا الشيء والجزء الآخر لا يريد، لذلك نجد تناقضاً وصعوبة في حسم الخيار وتصبح هذه الحبة اي الانا مقسومة الى نصفين والتي تتسبب بألم نفسي وجسدي كبير".

يأخذنا الكلام الى الحديث عن تشخيص الاضطراب النفس – جسدي حيث يجب الأخذ بعين الإعتبار جميع الجوانب الطبية، الصحية، الإجتماعية، العائلية، العصبية والنفسية ولا يجوز التشخيص من جانب واحد.

لكن كيف يكون العلاج في هذه الحالة؟ تُجيب المعالجة النفسية ان العلاج النفسي يساعد الفرد في تخطي هذه المشكلة بعد التأكد اولاً من عدم وجود اسباب عضوية مسؤولة عن هذا الألم والصداع القوي. علينا ان نعرف انه عند غياب اي سبب عضوي يكون السبب نفسياً. يضطلع العلاج النفسي بدور رئيسي في مصالحة الشخص مع نفسه ومعرفة التنسيق بين رغباته والقيود الواقعية، وكيفية التعاطي مع هذه التناقضات الداخلية التي يعجز عن السيطرة عليها والتي تؤدي الى هذا الوجع الكبير".

3 مستويات عن الاضطرابات النفس – جسدية

هل كل الاضطرابات الجسدية هي اضطراب نفس- جسدي؟ تقسم جرجس الاضطرابات النفس - جسدية الى 3 مستويات او عناوين عريضة:

* امراض تدخل ضمن دائرة الضغط: وهي ناتجة من الضغوط، التوترات في البيئة، البيئة الجغرافية المناخية، العلاقة مع الآخر... يؤدي هذا الخلل في العلاقات على كل الأصعدة الى أمراض كالصداع والقرحة والم في الرقبة وإمساك، اسهال والربو...

* اشكالات تنعكس على الجسد: مبنية على نظرية "الحصر" ( angoisse) عند فرويد، عندما يهدد الحصر بالخروج او الظهور من خلال الكبت تتخذ الأنا بعض الخطوات الدفاعية. وفي حال فشلت هذه الحيل الدفاعية تتخذ اعراضاً عصابية كالفوبيا والافعال الاستحواذية، ارتعاش عضلي، عدم انتظام في نبضات القلب وتغيرات عضوية وعصبية اخرى.

* مستوى ذهاني: تؤدي مشاعر بإندثار الجسد وتفككه مثل الحالات الفصامية او الخوف من الإصابة بالمرض او الخوف من الموت بسبب المرض، يعاني الذهاني من آلام جسدية ناتجة من آلام نفسية. يتفكك الجسد ويضطرب ولا يؤدي وظائفه بشكل طبيعي، تظهر لديه هلوسات بأن جسمه يتفكك ويتقطع.

وتختم جرجس بالقول "إن الجسد غالباً ما يكون أشبه باللغة والاستعارة في التعبير عن أزماتنا النفسية والمرضية، ودورنا كمعالجين نفسيين هو تحويل الألم ( maux) الى كلمات ( mots).

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم