تغريدة تستدعي تحقيقًا... الدّعاء لميت "إشكاليّة"، والزّعيم كيم "عسى الله يستجيب"

ما طلبه اخيرا الداعية اليمني الشيخ علي الربيعي المقيم في السعودية، لم يمرّ على خير. دعوته الى عدم الدعاء للفنان الكويتي عبد الحسين عبد الرضا، بعد وفاته، لكونه "شيعيا مشركا"، امر تحفظ عنه آلاف المسلمين، وتوالت الردود بالمئات رافضة، مستنكرة. التغريدة التي أسرع الربيعي الى حذفها، استوجبت فتح السلطات السعودية تحقيقا معه، واحالته على لجنة متخصصة بمخالفات النشر لاتخاذ اجراء بحقه، "بسبب مخالفته نظام المطبوعات والنشر".

انتهت التغريدة. لكنها تفتح على موضوع حساس يعود كل فترة الى الواجهة، ليستقطب مزيدا من الأخذ والرد الديني. عدم الترحم على ميت او الدعاء له. في حالة الفنان الراحل عبد الرضا، التعليق فوري. الداعية اليمني "مخطىء جدا"، و"عم يألِّف من عندو"، و"من أفتى بذلك، فقد اخطأ"، يقول المدير العام للاوقاف الاسلامية الشيخ الدكتور محمد الاروادي لـ"النهار". بالطبع يجوز ان يترحم المسلمون السنّة على المسلمين الشيعة، في تأكيده. منع الترحم على الشيعي، بفتوى او غيرها، "لا يجوز اطلاقا. الشيعية مذهب من المذاهب الاسلامية، والشيعي مسلم موحِّد في النهاية".  

(أ ف ب) 

الترحم على غير المسلم "لا يجوز" 

لكن الامر يختلف اذا كان الميت غير مسلم. عند المسلمين، "لا يجوز الترحم عليه"، يشرح الاروادي. لا آية واضحة في القرآن الكريم بهذا الشأن، "لكنها من افعال النبي محمد"، على قوله. "سبب عدم الترحم على غير المسلم هو انه ليس موحِّداً، اي انه لا يقول بان الله واحد. هذا هو السبب الوحيد. ونقول في هذه الحالة ان أمره لله. على سبيل المثال، النصارى واليهود من اهل الكتاب. ونقول أمرهم لله".

وهذا يعني، وفقا لما يشرح، "اننا لا نحاكمهم، لان الاسلام يعترف بانهم اهل الكتاب. الاسلام يعترف باهل الكتاب والنصرانية واليهودية، وبانه نزلت عليهم الكتب السماوية". ويتدارك: "يجوز الترحم على نصراني او يهودي اذا ثبت انه موحِّد، اي انه يؤمن بان الله واحد. اما اذا لم يكن موحِّدا، وثبت عليه انه لا يؤمن بوحدانية الله، فهذه تكون اشكالية عقدية".  

اشكالية متعارف عليها بين اشكاليات اخرى. لكن يبقى هناك "عرف"، مجرد عرف بين مسلمين، ويقضي بالترحم على ميت من اهل الكتاب. هل يحتاج المسلم الى فتوى من شيخ للترحم على ميت من اهل الكتاب؟ يجيب: "لا حاجة الى فتوى. يكفي ان يسأل اصحاب العلم، اي المشايخ، ويجيبونه". امر آخر. اذا ترحم مسلم على ميت من اهل الكتاب، "لا يكون فعله خروجا عن الدين، او خطيئة، او مصيبة. انما يكون هذا رأيه. الامر بات متعارفا عليه".  

"الترحم كنوع من التعبير العام"

رأي اسلامي آخر، شيعي تحديدا. ويذهب الى بعد آخر. "الرحمة الالهية ليست مفاتيحها بيد الناس"، يقول الباحث الاسلامي استاذ حوزة والاستاذ الجامعي السيد جعفر فضل الله. تبعا لاحدى الروايات عن النبي محمد، "نفهم انه ليس لنا ان نضع اناسا في الجنة او النار، تبعا لما نشاهده نحن. اي ان الله هو الذي يعلم بخفايا الامور والنيات".

دراسات وابحاث وادبيات اخرى... ويشرح فضل الله: "بما ان الرحمة يمكن ان تتسع للناس اجمعين، لا نستطيع بالتالي ان نجد ان هناك موانع، علما ان القرآن تكلم في موقف اساسي عن المشركين، وانه ليس لنا ان ندعو لهم بالمغفرة. كان هناك موقف صراع معهم في ذلك الوقت، وربما يعكس هذا الجانب السلبي. لدينا هذا النص الديني... والمشرك هو العابد للصنم في القرآن الكريم. وبالتالي تعميم هذا النص الى أهل الكتاب يحتاج الى تأمل وتفكّر".  

ربما شيء من ليونة. الترحم على غير المسلم ممكن، "خصوصا عندما نتكلم على الترحم كنوع من التعبير العام الذي لا يختزن بعدا عقديا يتجاوز فيه المرء معتقداته، انما أصبح نوعا من العرف"، على قوله، "وقد يكون بابا من ابواب التوسعة في الموضوع".    

الراعي و"منطق الفاعلية الروحية" 

اكثر من عرف في المسيحية. انها "قاعدة"، وتقول بانه "لا يوجد تحريم"، لاي ميت، يقول استاذ الفلسفة السياسية في الجامعة اللبنانية الدكتور الاب باسم الراعي. والقاعدة "مبنية على الانجيل الذي يقول ان الله يشرق شمسه على الاخيار والاشرار. وبالتالي، اي انسان ليس محرما، من حيث المبدأ. في فهمنا، الجميع هم ابناء الله. وعند الموت، اذا كان الله لا يحجب شمسه عن الاخيار والاشرار، فمن انا لاقول العكس؟"

(أ ف ب) 

"الله اب للجميع" القاعدة الاساسية. وثمة قاعدة اخرى. في المسيحية، لا فكرة "اقصاء الآخر المختلف". في الشرح المسيحي، "الله يعامل كل انسان بحسب ضميره. وبالتالي، عندما يموت هذا الانسان، نترجى له الخلاص، وفقا لقاعدة الايمان الذي كان صادقا فيه"، ايا يكن ايمانه. في موجبات الشرح، "اختلاف الايمان لا يلغي القاعدة الاساسية التي تقول بان الله هو اب للجميع".

الترحم على الموتى، الصلاة من اجلهم جميعا، ايا يكونوا، من تقاليد المسيحيين. صحيح ان الكنيسة رفضت مدة طويلة جدا، الصلاة على الاموات الذين انتحروا، "الا ان موقفها تغيّر حاليا، اذ من نحن لنحكم على المنتحر؟ الانتحار، مهما كان فعلا اراديا، يبقى ايضا فعلا غير ارادي"، على قوله. "الكنيسة لم تعد تستعمل اليوم القضاء، وباتت تركز على الرحمة الالهية، خصوصا مع البابا فرنسيس".  

ماذا عن الاشخاص الذين تلقي الكنيسة عليهم الحرم؟ هل الترحم عليهم عند الموت ممنوع؟ يجيب: "الحرم هو تدبير من اجل التوبة، وليس للاقصاء او الاقتصاص. انه لمساعدة الانسان على الشعور بفظاعة خطأ ما ارتكبه. ثمة من يحرمون انفسهم بانفسهم بموجب ما يسمى "ذات الفعل". بتعابير اخرى، الحرم يعني "ان المحروم اصبح خارج الشركة، وليس مرذولا او ملعونا. ومن خلال ذلك، تعيد الكنيسة دعوته الى الشركة". الترحم اذًا على المحروم كنسيا "طبيعي بالطبع". فهو لم يفقد "كرامته كانسان، بل فقدها كابن الله. حرمه فعل تدبيري، وليس جوهريا. وبهذا الفعل، لا يخسر عماده".   

من اجل الزعيم كيم  

الترحم. "الله يرحمو"، في التعبير الشعبي. عمليا، انه مجرد دعاء، على قول الراعي، "كي يعامل الله الميت بما يقتضيه عدله هو. ونحن لا نعرف كيف سيكون عدله بشأن هذا الميت او ذلك، واي شخص".

اموات في معية رحمة الله. وللاحياء ايضا دعاء من أجلهم. التهديد الذي اطلقه اخيرا زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ اون بضرب جزيرة غوام رد عليه مئات عشرات السكان المسيحيين في الجزيرة عفويا بالصلاة من اجله، "كي يلمس الله قلبه، فيتراجع عن تهديده". في رأي الراعي، "ليس مستغربا اطلاقا ان يلمس الله قلب الزعيم كيم، وحتى اي انسان".  

(أ ف ب) 

منطق الله هو "منطق الفاعلية الروحية"، على قوله. "الله يستطيع ان يلمس قلب الزعيم كيم واي شخص، من خلال الخير الذي يبقى ساكنا فيه، حتى لو كان ارتكب الشرور. فكرة الخير لا تنقطع في الانسان. هذا مبدأ لاهوتي مهم في المسيحية. النفس خيّرة، رغم كل الشر الذي يقوم به الانسان. واذا لم نؤمن بانها خيّرة، فنكون نشك في ان الله خلق الانسان على صورته". بموجب كل هذا، يصبح الدعاء من اجل الزعيم كيم، وايضا من اجل "كل الناس الذين يقومون بالشرور في هذا العالم" امرا ضروريا.       

[email protected]